26 فبراير . 18 دقيقة قراءة . 621
سهيل فرح: “نحتاج للتحرر من العوامل السلبية لذاكرتنا التاريخية المشبعة بالحروب”
منقول عن صفحة وزارة الاعلام اللبنانية وبدورها نقلته بتصرف عن الصحافة الروسية – النسخة الورقية لـ "فيتو"
يوليو 10, 2020
رؤية غير واضحة.. صراعات متوالية، ومتوازية أيضا يشهدها العالم أجمع، أمراض وأوبئة وحروب وخلافات باتت هي الأعلى صوتًا في كل مكان، و«البشرية» هي الخاسر الأكبر في النهاية، فالحضارة الإنسانية في اللحظة الراهنة – يمكن القول إنها وصلت إلى درجة مقلقة من الخطورة، الجميع في حالة عداء، الإنسان يواجه الإنسان، والإنسان يواجه الطبيعة
والأزمات تزداد تأزمًا أما الحلول فلا يستطيع أحد تقديمها، وإن حدث وبادر أحدهم وتحدث عن «الواجب فعله» فإنه – ومن قبله رأيه – يصطدم بجدار الصراعات المتجددة، ما يؤكد أن الإنسانية والحضارة باتت على منحدر صعب، وأنها تحتاج إلى تكاتف الجهود كافة لتنجب السقوط والانحدار الذي يمكن أن يؤدى إلى أزمات وكوارث لا قبل للإنسان بها.
بالفعل.. للمرة الثالثة يرفع اسمي للترشيح لجائزة نوبل للسلام في أوسلو، بدءًا من عام 2017 وحتى تاريخه، من الجانب الأوروبي الذي يضم في جنباته كبار الباحثين الروس، حيث لاحظ أعمالنا خاصة المنشورة بالروسية بشكل خاص في حقل الحضاريات، رئيس القسم، البروفيسور ألكسي غروميكو، الذي كان مساهمًا معنا ومشاهدًا للردود على عرض أعمالنا في هيئة الأمم المتحدة على خلفية الدورة الرابعة والخامسة والستين للجمعية العامة.
و«غروميكو» كان متابعا لنشاطاتنا في منظمة تحالف الحضارات التابعة لهيئة الأمم المتحدة. وعرض أعمالنا في اليونسكو في باريس وفيينا وميونخ وموسكو وغيرها، هذه الأمور حفزته لرفع اسمينا في الدورة الأولى أي في عام 2017 والثانية في 2018 مع زميل أكاديمي روسي واسع الشهرة في المدى العلمي الأوراسي والعالمي، وهو البروفيسور يوري يكوفتس. وأراد أن يضيف إلى اسمينا في الترشيح الجديد لعام 2020 اسم علم فكري كبير وهو ألكسندر أغييف.
ًإقرأ ايضا:
البروفيسور غروميكو يرى مع زملائه في قسم أوروبا، بأننا نحن المرشحون الثلاثة دشنا حقلا معرفيا في علم الحضارات، يستند منهجيا على الرؤية التكاملية العلمية لحقل الحضاريات، ومعرفيا يشكل نقلة نوعية جديدة في النظرة إلى الدورات أو الأجيال الحضارية بتاريخها وحاضرها ومستقبلها وقضايا الحوار والشراكة بين حضارات الشرق والغرب معا.
وعمليا هو إسهام مؤلفاتنا العلمية المنشورة في أكثر من لغة ليس فقط في ضخ رؤية (ابستمولوجية- معرفية) جديدة، وخارطة عملياتية لتنشيط ثقافة الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان والحكومات وحتى العلاقة بين المعارف العلمية والروحية الدينية، بل إنه أدى لاستحداث «سيمنارات» أو فصول دراسية جديدة المعنى يتم تدريسها في أكثر من جامعة روسية وأوراسية، وظهر للنور مشروع الجامعة المفتوحة لحوار الحضارات التي اسسناها والتي تأخذ من موسكو مركزا لها والتي أترأسها منذ عام 2013 وحتى تاريخه.
لجنة نوبل للعلوم والسلام هي بلا شك من أعلى وأرقى اللجان على كوكبنا، ويحضر الهم التقييمي العلمي الأكاديمي البحت تقريبا عندما تعمل لجانها في المسائل المتعلقة بالعلوم الطبيعة ويظهر هذا بامتياز واضح، يخف وميض الهم الأكاديمي في الآداب وتزداد أحيانا الحيرة والغموض وحتى النفور في تلقى خبر الإعلان عن الجائزة حين تم اختيار بعض الشخصيات أو المنظمات المتعلقة بجائزة السلام.
كما أننى أشعر بأن قبول الترشيح هو بحد ذاته محفز لمتابعة أنشط لرسالتي العلمية والحوارية، دون تلقى دعم من أي جهة كانت وبأي وسيلة كانت، فرصيدي علمي وقلمي ورسالتي الأكسيولوجية في هذا الوجود، ولم أكن أنوي أصلا حتى فتح هذا الملف لأن عالم اليوم مهموم حتى نخاعه الشوكي بمشكلات كبرى. إلا أن السكوت المطلق لا ينفع شيئا، نبض الحياة مستمر وعلينا أن نجدد خلاياه الإيجابية المفرحة دائما.
موضوع الأوبئة والفيروسات التي لا حصر لها متواجدة على كوكبنا منذ نشأته، هو ليست ابن حقبة كورونا فقط، الإشكال الكبير يكمن بأن مراكز البحث العلمي وتحديدا الطبي منها فعدا عن ضحالة الميزانيات المخصصة لها، فإن العقل العلمي والبيولوجي – الطبي بدل أن يركز أبحاثه ويطورها فقط في سياق المكافحة النوعية للأوبئة والفيروسات التي كما قلت كانت حتى قبل ظهور الإنسان على الكوكب وباقية وستستمر وتتكاثر.
فإن المراكز العلمية في هذا السياق وتحديدا البلدان النافذة والمتمكنة عملت على توجيه الأبحاث لاستخدامها في الحروب البيولوجية الجهنمية من أجل إضعاف والفتك بالخصم.
وتم في القرون الثلاثة الأخيرة تباعد كبير بين ضرورة وأهمية العمل العلمي في الحياة وبين أخلاقيات العلم، وأضحى العقل العلمي والتقني يبرع في استخدام الطاقة المدمرة للعلم، ألم تكن الحرب العالمية الأولى شديدة الارتباط بالكيمياء!، ألم تكن الحرب العالمية الثانية شديدة الصلة بالفيزياء.
وللأسف الشديد يبرع العقل العلمي والتقني، في دمار العقل الإنساني وجسده وخلاياه، فبدل أن يركز طاقاته على النمو الحضاري المتوازن، وبدل أن يسهم فعلا في مكافحة الأوبئة والفيروسات، ليس لدى شخصيا ولدى الكثيرين المعلومة المنطقية المؤكدة التي تقنعني وتقنع الكثيرون حتى الآن بأن كورونا مصنع أم طبيعي، وأريد أن أشير هنا إلى الآتي أخطر مع مغامرات العصر الرقمي وتوتاليتريته ومعه الذكاء الاصطناعي، وإذا ما سارت الأمور حسب السيناريوهات الجهنمية لحيتان المال فإن الانهيار الكبير آت، لذا المطلوب وبإلحاح سريع وشديد إقامة إستراتيجية (معرفية، علمية، سياسية، واقتصادية)، لتصحيح مسار كل الأمور.
من جهتنا وفي أكاديمية التعليم الروسية ناقشنا مطولا هذه الإشكالات وأصدرنا عددا لا يستهان به من التوصيات، متعلقة بكيفية متابعة الإدارة الشاملة والحكيمة والحذرة للتطور الشديد السرعة لبعض العلوم ولتطبيقاتها في الحياة، تلك التي لم يستوعبها العقل البيولوجي البشري فقط ولا يتمكن من مواكبتها بشكل صحيح.
ما نلمسه هو المضي الأرعن في سوق المزاحمات العلمية البهلوانية، في نهج خط المغامرة التي لا يعرف أي إنسان عاقل نهاياتها: هل هي سليمة فعلا للإنسان وأمه الطبيعة ومحيطه الكوني أم العكس من ذلك هناك الكثير – المثير من علامات الاستفهام المقلقة حول ذلك؟
وكان السعي من قبلنا لاستحداث قانون ملزم يعمل على الكبح العقلاني – المدروس بعناية والحكيم، لردع مغامرة تسريع بعض استعمالات التقنيات والعلوم في ميادين التعليم وسير الأمور في الصناعات وتسيير المواصلات والتطبيقات التقنية الأخرى في المدن والمناطق الريفية، وفي عالم التجارب المؤذية في باطن الأرض وعمق البحار والمحيطات والفضاء، إضافة إلى مقترحات أخرى. خلاصة الكلام في هذا المنحى هو ضرورة العمل الأنشط لحكماء الكوكب من أجل تفعيل ملح وأكبر وأوسع للشأن الثقافي والأكسيولوجي في علومنا وفي مجمل أقوانا وأفعالنا، نحن سكان هذا الكوكب.
ًإقرأ ايضا:
نحن الاختصاصيون في علم الحضاريات، نعتبر بأن دورات حضارية أربع نشأت على كوكبنا هذا منذ ظهور ما يسمى الإنسان العاقل،وفي كل دورة حضارية كوكبية البعد والتأثير والمعنى هناك حضارة رائدة تحمل الراية الحضارية وهناك حضارات فرعية – جهوية، هناك حضارات انقرضت أو تمازجت وتناضحت مع حضارات قريبة جارة أو بعيدة.
وفي كل دورة حضارية هناك مبادئ ثلاث تتحكم فيها، والتي تتمثل في: (عوامل نشوئها وتقدمها وتألقها وصولا إلى القمة ومن ثم أخذ خط أفقي مترهل لها إلى أن تبدو تظهر جليا معالم الأفول أو الانهيار.
وفي هذا السياق يبرز على سطح الأحداث المبدأ الكبير الثاني ومختصره مفهوم الأزمات، فمن داخل الأزمات يجتهد العقل الإنساني لتشغيل الخيال العلمي ولإجتراح الحلول العقلانية البديلة المتطلعة للتقدم والمرتبط بمبدأ التنبؤات)، وما تعيشه الحضارة الإنسانية المعاصرة الآن هي نهايات حقبة أطلقنا عليها الجيل الرابع من الدورة الحضارية الكوكبية المصحوب بأزمات عضوية على كل المستويات، وهي تتفاقم وبشكل دراماتيكي مع الزمن عناوينها الأساسية (إيكولوجية، ديموغرافية، جيوسياسية، مالية، اقتصادية، اجتماعية، سوسيو- ثقافية وأكسيولوجية – قيموية).
وهنا أتوقف في هذا المنحى عند المنظومات القيمية الثلاث البارزة على سطح أقوالنا وأفعالنا نحن بني البشر الذي ننشط على المساحة الحضارية للشق الشرقي والغربي من معمورتنا.
المنظومة الأولى: لا يحتاج المرء إلى عناء تفكير ليلمس ويستنتج وبشكل موضوعي بعيد عن تسييس وأدلجة الأمور، فصاحب أي عقل تحليلي حتى متوسط الذكاء والطاقة، يلمس بأن هناك مسارات تجريبية حدثت ودب الترهل في خلاياها ووصلت إلى حالة أو ظاهرة جلية للنظر، وهي على سبيل التخصيص أفول المنظومة الليبرالية الكلاسيكية والنيوليبرالية، فالنموذج الأوروبي والأمريكى يتهالك أمام أعيننا.
أما المنظومة الثانية المتعلقة بالتجارب والقيم الاشتراكية، فكما حلم بها مؤسسوها فشلت في معظم تجاربها، ولا أعني فقط التجربة السوفيتية والأخرى المدجنة في بلدان أوروبا الشرقية والكثير من بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بل أيضا الحالة الراهنة الصينية التي ينبهر فيها البعض.
فهي ليست بالاشتراكية بالمفهوم الكلاسيكي. بل هي تجمع بين اقتصاد السوق الملبرن وإيديولوجية الحزب الواحد، وفي الحصيلة العامة دخلت الصين وحتى أعماق سياساتها الاقتصادية وحتى الثقافية في النمط الاستهلاكي لبحث هذا الذي تم تجريبه ولمدة تتجاوز القرنين من الزمن وبشكل واسع في الغرب وسائر العالم. وهو الذي أضحى مرفوضا ومكروها من معظم سكان الكوكب العاقلين، فهذا النموذج الذي مارسه الغرب بإمتياز والذي فشل أخلاقيا وحياتيا مع الزمن، ولا أتوقع نجاحه المهجن صينيا.
والمنظومة الثالثة لخطابات القيم وممارساتها والمرتبطة تحديدا بالمؤسسات الدينية التقليدية وغير التقليدية فهي تعيش جميعها وبلا استثناء في أزمة روحية عميقة وفي تناقضات صارخة بين قيمها الروحية -الأخلاقية ومجمل ممارسات أتباعها. حيث يتمسك معظم أتباعها وكل منها بدوغماتياته المغلقة وبالتزامه الصارم بمفهومه حول الحقيقة المطلقة، الأمر الذي يخلق جدران سميكة من التواصل العقائدي وحتى الإنساني مع حملة الأديان والمذاهب الأخرى، فلدى كل منها حقائقها المطلقة المنغلقة على نفسها وعلى هوياتها الضيقة.
بالفعل.. هناك مبادرات للخروج من جيتوات التأزم على الذات الضيقة، وهي متعددة مشكورة لردم الهوة الكبيرة بين الأديان والمذاهب تنشط شرقا وغربا. إلا أنها لم تصل إلى مرحلة الظاهرة، وهنا أثمن عاليا مبادرة البطريك الروسي الأرثوذكسي كيريك وبابا الفاتيكان الكاثوليكي فرانسيس في كوبا.
وأتوقف أيضا عند المبادرة الكريم التي أخذت تسمية (الأخوة الإنسانية) التي وقع عليها سماحة شيخ الأزهر أحمد الطيب المصري وبين بابا الفاتيكان قداسة فرنسيس الأرجنتيني والتي أخذت من تجربة دولة الإمارات في الانفتاح لانعقادها ولإطلاقها، وغيرها من النشاطات والمبادرات في هذا السياق.
إلا أنه وللأسف الشديد تبقى هذه المبادرات وكأنها أصوات تجول في برية مليئة برفض الآخر وبالنزاعات والصراعات والحروب بين الهويات المغلقة والحقائق المطلقة المغرقة في أنانياته الفردية والجماعية والتي تأخذ للأسف طابعا دينيا، إذًا إن معالم الأزمات المتنوعة الخطابات والمضامين والممارسات تأخذ مساراتها وخصوصياتها واستمرارية أزمنتها وفقا لوضع المنظومة قيمها وحالتها السياسية والاقتصادية وللثروات الطبيعية الموزعة.
وللطاقة البشرية الفاعلة أو الكسولة الكامنة بها، ولمن بيده السلطة المعرفية والعلمية والدينية،ولمن يتحكم بمسارات العلوم والتكنولوجيا وتوجيه الوعي لدى البشر.
ويمكننى القول أيضا إن تجارب ومنظومات المجموعات الحضارية الأساسية الأثني عشرة القائمة على كوكبنا وفي عصرنا الراهن تعيش جميعها في «ورطة حضارية» وهذه المجموعات هي: الحضارة الغربية المعاصرة التي تشمل أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية،الحضارية اللاتينية لأمريكا الجنوبية، الحضارة الصينية، الحضارة الأوراسية وقلبها روسيا، الحضارة الإسلامية.
وتنقسم برأينا إلى أربع مجموعات أساسية العربية، التركية، الفارسية والإندونيسية- الماليزية، الحضارة الأفريقية، الحضارة الهندوسية – البوذية، الحضارة الأوقيانية، حضارة الأرتيكا، فكل هذه المجموعات يسكنها الهم النرجسي لإشكالية الهوية والمصير، أو ما أسماها المفكر اللبناني، الفرانكفوني الكبير أمين معلوف بظاهرة «تمزق الهويات» و«غرق الحضارات» فهي تدخل كلها تقريبا في معمعان وهيجان الأزمات العضوية.
باختصار شديد إن البوصلة الحضارية الإنسانية هي على مفترق طرق كبيرة ومتشعبة، ومسار هذه البوصلة ومن يحمل رايتها، كلهم في حقيقة الأمر في حالة ضياع حقيقي، يعيشون في جو من الضبابية الشديدة بين حكامهم ومحكوميهم، وبالتالي مع الأطراف والخيارات الأخرى وغياب العدل هو سيد المواقف، وكل هذا يحدث في مناخ غياب ثقة واسعة بين اللاعبين الكبار والصغار معا في بلدان الغرب والشرق، هو صراع مستميت مع من يتحكم الآن وغدا برباعية المال والسلطة والقوة والمعرفة .
ومصارعي حلبته الرئيسية هم: أمريكا التي تعيش أجواء تناقضات داخلية عنصرية وأيديولوجية وسياسية ومالية- اقتصادية حادة، وهي التي تشهد، منذ فترة ليست بالقصيرة، تناقضا بارزا على المستوى الأيديولوجي بين الموروث البيوريتاني – الكالفني المؤسس لعقيدتها الدينية وبين الاتجاه الكاثوليكي اليسوعي، بين التيار المعاصر المحافظ – الملبرن في رؤيته الاقتصادية، وبين اليسار بخطابه الكلاسيكي والجديد. فهي بكل جبروتها تعمل المستحيل من أجل الحفاظ على بقايا قوتها التي تضخمت كوكبيا.
بعد سقوط عدو أمريكا اللدود في القرن الماضي وأعني الاتحاد السوفيتي، فتشت عن بديل له، مما دفع بالمخيلة الأمنية والأيديولوجية الأمريكية المشبعة بجنون الأنا والعظمة أن تظهر مؤقتا على سطع أعدائها الإسلامفوبيا والتي حاولت أن تعممه لفترة على الإسلام وعلى عموم المسلمين الا انها لن تفلح، إلى أن برز عدو قوي وهو المارد الجديد -التنين الصيني، ومن جهة أخرى دب النشاط في بعض خلايا الدب الروسي.
فرغم جروحاته العميقة بعد أفول نجمه ها هو الآن يتفوق عسكريا ويبرع حتى في بعض العلوم، ولا أتوقف عند مكونات ثرواته الطبيعية التي لم يستخدم معظمها، فروسيا في مياهها العذبة وغاباتها الهائلة الاتساع وفي غازها ونفطها وطاقاتها النووية وفتوحاتها الأخرى في عالم الأرتيكا وغيرها، حتى ثقافة وتعليم أبنائها تتفوق حقيقة في عدد من الحيثيات الحساسة والحيوية على أمريكا والصين معا، إلا أن نقطة الضعف الأساسية في كعب الأخيل الروسي هو عدم حسن إدارتها الاقتصادية وحتى السياسية للمكان الروسي والأوراسي عموما.
ما يعني بأن العنوان الأبرز للصراع يتمحور حول من سيحمل الراية الحضارية الكوكبية ماليا وتقنيا وهو إن كان محصورا الآن بين العملاق الصيني وبقايا الجبروت الأمريكي، إلا أن لاعبين آخرين يتوقون لذلك، ليست الهند وألمانيا الوحيدتين الطامحتين للعب دور أكبر مما هو مرسوم لهما، بل أن لاعبين آخرين في الشرق والغرب يتسابقون في هذه اللعبة العبثية الكوكبية. إذ أرى بعين الباحث المتواضع الإمكانيات، بأنه ومن أجل قيادة جماعية سليمة إلى حدٍّ ما للأوركسترا الحضارية الكوكبية.
إننا بحاجة جميعا لأن نستنفر كل طاقاتنا الإيجابية البناءة، بشكل أحادي وجماعي معا، من أجل أن تقوم كل مجموعة من المجموعات الإثني عشرة الحضارية بثورة معرفية وعقلية وأكسيولوجية شاملة مع نفسها أولا، لتحرر أفكارها المنمطة عن نفسها والآخر، وأن تتحرر من العوامل السلبية لذاكرتها التاريخية المشبعة بالحروب والتي تحملها منذ قرون عن نفسها وعن الآخر المتمايز عنها. وثانيا بحاجة إلى عوامل حيوية هامة محفزة للإبداع والتطور علها تأخذ البوصلة الإنسانية مسارها البديل الافضل والاصلح لسكان الأرض.
وما أستشرفه هنا وزملائي، وبكل ما تتوفر من طاقات إيجابية لدى البشر من أجل إقامة الحضارة النووسفيرية العادلة المرتكزة على حكمة العلوم وعدالة الحاكم والمحكوم وروحانية القيم الإنسانية والسماوية المتسامية. والجهد في المسار مطلوب بشكل مضاعف بالنسبة لعالمنا العربي والإسلامي ليقوم بتجديد خلاياه الذهنية والثقافية والعملية وحتى الروحية.
وكلما تأخرنا في إحداث ثورة حقيقية معرفية عقلية مع ذاتنا كلما بقينا في دائرة الموقع المستهلك لقيم الآخر لا منتجها. يبقى العرب، وبأسف شديد، على ضفاف وهوامش الحضارات الفاعلة الرائدة، إذ أن خطاب الصراع المرتكز على مبدأ (الداروينية – الاجتماعية)، وعلى غياب الحضور البلوري لأرقى القيم الإنسانية والسماوية هو سيد المواقف.
لذا نحن وفي زمن نهايات الجيل الرابع للدورة الحضارية الكوكبية أبعد ما نكون عن الجمهوريات العادلة التي رسم معالمها أفلاطون والفارابي وكل الحالمين الطيبين بعالم حضاري أكثر عدلا في توزيع الثروات والمعلومات والمعارف، لا إنقاذ للبشر إلا في بناء عالم يكون ديدنه الحق والعدل والقيم المتسامية، في عالم الجيل الخامس للدورة الحضارية المرغوبة والمرتقبة.
الصراع بين الإنسان والطبيعة، وبينه وبين نفسه وجاره وحامل هويات إثنية ودينية ومذهبية وثقافية وحضارية عامة هو سمة وجود هذا الكائن البشري الذي لم يرتق حتى الآن إلى اللحظة الإنسانية التي من المفروض أن تؤنسن كل أقواله وأفعاله، والصراع لا يولد إلا التعصب والخصام والنزاع والحروب، ولإنقاذ البشرية لا بديل إلا بالتمسك بخطاب إنساني يرتكز على قيم أكسيولوجية، متمثلة في ( الحقيقة، العدل، الخير، والجمال)، والحقيقة عادة ما نصل اليها عبر حكمة العقل العلمى.
ويمكن أن يتحقق العدل عبر توزيع متكافئ وسليم لثروات الاقتصاد الديناميكي النمو ولمكونات الثروات في الطبيعة والعقل. والخير عبر نهج وجودي للأخلاق المتسامية، أما الجمال فيمكن أن يكون عبر التوق الدائم إلى الثقافة المتسامية في كل خطاباتنا وممارساتنا، فالبديل الإستراتيجي للصراع هو تشغيل الطاقة العقلية الحكيمة من أجل تفعيل الحوار والشراكة الفعلية بين كل حضارات وثقافات وأديان وحكومات وشعوب العالم.
ًإقرأ ايضا:
03 أغسطس . 1 دقيقة قراءة
03 أغسطس . 1 دقيقة قراءة
15 سبتمبر . 5 دقائق قراءة