13 مارس . 3 دقائق قراءة . 468
كان وحيداً.. مثل نخلة في الصحراء، وحيداً تماماً.. فراغ بارد غريب يشعر به في أعماقه.. قال لنفسه:
اشعر وكأن الريح تصفر في داخلي –
سار دون هدف .. وجد نفسه قريباً من الجبل ..سار صعوداً ، ثم جلس على صخرة ناتئة وكأنها خنجر مغروس في خاصرة الجبل . كانت السهول تمتد أمامه على مد البصر .. سهول غبارية اللون . لم ينتبه لغياب المدينة .. تساءل فجأة :
– ما اليوم ؟ ما التاريخ ؟ .. أين الشمس ؟
انتبه برعب إلى عدم وجود الشمس في السماء .. مع أن الضوء الباهت يغمر كل شيء .. انتبه برعب أشد إلى عدم وجود ظلال للأشياء .. أين ظلي ؟ هل هو كسوف الشمس ؟ لكن الكسوف لا يستمر كل هذا الوقت ..! هل هو حلم سخيف ؟ كابوس ممل لا داعي له ؟ حاول أن يلتجئ إلى المنطق .. المنطق يرفض عدم وجود الشمس والظلال في النهار .. إذن فهذه مجرد تخيلات و أوهام لا وجود لها .. وهو يشعر بالعطش والأفق بوابة مشرعة للفراغ . لكنه صرخ فجأة : اللعنة ..ولكن أين الشمس ؟
شعر بالبرد .. فقرر أن يسير .. لا يهم الاتجاه .. المهم أن يسير .. مشى مسافة طويلة .. طويلة جداً .. ليجد نفسه مرة أخرى قرب الصخرة الناتئة .. ضحك وضرب كفاً بكف .. هل هذه هي الحلقة المفرغة ؟ أم نظرية الكون الأحدب ؟ كرر جملته الأخيرة بشيء من الاقتناع .. هي نظرية الكون الأحدب .. ولكن ألم يجد هذا الكون الأحمق شخصاً غيري يمارس عليه تحدبه وغباءه ؟!
شعر بالنعاس نعاس ثقيل يشبه الخدر .. والبرد يزداد ..شعر بأنه سيموت .. تمدد بجانب الصخرة الناتئة وتساءل .. ربما كنت ميتاً فعلاً ؟ نعم أنا ميت .. ميت بلا شك . أحس بشيء من الراحة .. وهمس باسترخاء
– أريد أن أنام . سواء كنت حياً أو ميتاً .. فيجب أن أنام
الخدر يزداد وضباب كثيف يتجمع في رأسه المثقلة .. أغلق عينيه فلم ينتبه لقدميه وهما تتحولان إلى حجرين .. التحول يمتد إلى الأعلى .. لم ينتبه إلا عندما حاول أن يرفع يده الحجرية ليتحسس جبهته المتجمدة .. نظر إلى جسده الحجري .. حاول أن يبتسم .. لكن شفتيه تحولتا إلى حجرين .. ثم غاب كل شيء فجأة .. واختفى صوت الريح و أغلقت بوابة الأفق ..
انتبه من شروده .. كان يتكئ على تمثال حجري غريب الملامح .. يتمدد بجانب صخرة كأنها خنجر في خاصرة الجبل .. تساءل وهو يدقق في ملامح وجه التمثال الحجري
– أين ومتى رأيت هذا الوجه ..؟ .. أين ومتى ؟
منذر ابو حلتم