17 مارس . 4 دقائق قراءة . 1105
إن اعتماد النهج المؤسسي كمقاربة جمالية، ساعد على بناء نظرية فنية تمحورت حول إعطاء تعريف إجرائي للفن، مجانبا، بل مقوضا كل ما كان يعتقد حقيقة وصوابا في النظريات التقليدية، بجعل العمل الفني يتموضع في إطار شبكة واسعة ومتعددة الأقطاب، يفوق تعقيدها كل التصورات التي سادت فيما قبل. فماهية العمل الفني لا تتحدد انطلاقا من الخصائص الجوهرية للشيء Thing وحسب، ولكن أيضًا وقبل كل شيء بالنظر إلى الحُظوة والمكانة التي يتمتع بهما داخل السياق المؤسسي الذي وفره له "عالم الفن".
لقد نظَّر للتعريف المؤسسي للفن الفيلسوف الأمريكي جورج ديكي George Dickie (1926...)، عام 1969 في مقاله الموسوم (1)Defining Art. إلا أنه لم يكن الوحيد الذي اقترح تعريفًا مؤسسيًا للفن في نهاية الستينيات، بل نجده يقر استيحاءَهُ الفكرة من مقالة آرثور دانتو (2)The artworld التي نشرت عام (1964). المقالة هاته تعد من المتون النقدية الأساسية في القرن العشرين، وأحد النصوص الرئيسية لما يسمى النظرية المؤسسية للفن، يشرح من خلالها أرتور دانتو كيف تتوصل المؤسسات التي تكوِّن "عالم الفن" إلى تحديد مواضيع اشتغال الجماليات المعاصرة. وتنطلق فكرة المتن الأساسية من أن "نظرية الواقع" ملزَمة بتقويض "نظرية التقليد" المتقادمة وتعويضها.
سيتخلى دانتو عن المقاربة المؤسسية في أعماله الفلسفية الأخيرة(3)، ليركز اهتمامه على نظرية تحاول تحديد الفن من حيث "الغرض" aboutness (أو "الطابع الدلالي" semantic character). واعتبارا لتبدل التجليات الذي أمسى شائعا، ارتأى دانتو أن يتخلى عن النظرية المؤسسية لجورج ديكي، الذي سيعمل على مراجعة نظريته وإعادة ترتيب أوراقها، وينشر فحواها عام 1974 في كتابه "الفن والجمالية. تحليل مؤسسي" (4) Art and the Aesthetic: An Institutional Analysis ، ونتيجة الانتقادات التي لقيها هذا الكتاب، سيضطر ديكي في العام 1984، إلى نشر (5) The Circle ، نسخة جديدة من نظريته المؤسسية للفن.
كتب ديكي: "إن العمل الفني بالمعنى التصنيفي يعتبر أثرا فنيا، بحيث إن مجموعة من جوانبه تعني أن وضعه كمرشح للتقدير قد تم منحه له من قبل شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يعملون نيابة عن مؤسسة اجتماعية معينة"(6).
عندما طرح ديكي فكرة الترشح للتقدير المؤسسي، كان الرأي القائل بأن مفهوم الفن غير قابل للتعريف يتمتع بشعبية معينة بين فلاسفة الفن الأنجلو فونيين. وقد عبّر مؤلفون مثل بول زيف Paul Ziff(7)
وموريس ويتز Morris Weitz(8) عن شكوكهم بشأن إمكانية توفير الشروط الضرورية والكافية لمنح الفن تعريفا دقيقا. يمكن تفسير شعبية هذا النهج من خلال تأثير فلسفة فيتجنشتاين(9) Wittgensteinأولا، وثانيا، نتيجة الصعوبات التي واجهتها النظريات الجمالية التقليدية كلما حاولت مقاربة أعمال حركات القرن العشرين الطليعية، وتيارات فن البوب. فمن الصعب التوصل إلى ضم جميع منتجات الفن، التي تعود للماضي إلى جانب التي تنتمي للحاضر، تحت تحديد ماهوي واحد للفن. فالنظريات التقليدية مثلا عُرِفت ببناء تعريفاتها اعتبارا لخاصية معينة من خصائص الأعمال الفنية. على سبيل المثال، استندت نظرية المحاكاة على خاصية التمثيل، والنظرية الشكلية على امتلاك الشكل الدال، والنظرية التعبيرية على حقيقة التعبير عن الحالات العقلية أو العواطف، لكن من الصعب، بل أحيانا من المستحيل، تحديد خاصية مميزة مشتركة بين جميع الأشياء التي نصنفها في فئة الأعمال الفنية والتي تمثل وحدة هذه الفئة.
هوامش:
06 سبتمبر . 1 دقيقة قراءة