تجلي المبتذل. فلسفة الفن ـ3ـ التعريف المؤسسي للفن

Mohamed Khassif

17 مارس  .   4 دقائق قراءة  .    1158

إن اعتماد النهج المؤسسي كمقاربة جمالية، ساعد على بناء نظرية فنية تمحورت حول إعطاء تعريف إجرائي للفن، مجانبا، بل مقوضا كل ما كان يعتقد حقيقة وصوابا في النظريات التقليدية، بجعل العمل الفني يتموضع في إطار شبكة واسعة ومتعددة الأقطاب، يفوق تعقيدها كل التصورات التي سادت فيما قبل. فماهية العمل الفني لا تتحدد انطلاقا من الخصائص الجوهرية للشيء Thing وحسب، ولكن أيضًا وقبل كل شيء بالنظر إلى الحُظوة والمكانة التي يتمتع بهما داخل السياق المؤسسي الذي وفره له "عالم الفن". 

لقد نظَّر للتعريف المؤسسي للفن الفيلسوف الأمريكي جورج ديكي George Dickie (1926...)، عام 1969 في مقاله الموسوم (1)Defining Art. إلا أنه لم يكن الوحيد الذي اقترح تعريفًا مؤسسيًا للفن في نهاية الستينيات، بل نجده يقر استيحاءَهُ الفكرة من مقالة آرثور دانتو  (2)The artworld  التي نشرت عام (1964).  المقالة هاته تعد من المتون النقدية الأساسية في القرن العشرين، وأحد النصوص الرئيسية لما يسمى النظرية المؤسسية للفن، يشرح من خلالها أرتور دانتو كيف  تتوصل المؤسسات التي تكوِّن "عالم الفن" إلى تحديد مواضيع اشتغال الجماليات المعاصرة. وتنطلق فكرة المتن الأساسية من أن "نظرية الواقع" ملزَمة بتقويض "نظرية التقليد" المتقادمة وتعويضها. 

الفيلسوف أرتور دانتو

الفيلسوف جورج ديكي

الفيلسوف فيتجنشتاين

سيتخلى دانتو عن المقاربة المؤسسية في أعماله الفلسفية الأخيرة(3)، ليركز اهتمامه على نظرية تحاول تحديد الفن من حيث "الغرض" aboutness (أو "الطابع الدلالي" semantic character). واعتبارا لتبدل التجليات الذي أمسى شائعا، ارتأى دانتو أن يتخلى عن النظرية المؤسسية لجورج ديكي، الذي سيعمل على مراجعة نظريته وإعادة ترتيب أوراقها، وينشر فحواها عام 1974 في كتابه "الفن والجمالية. تحليل مؤسسي"  (4)  Art and the Aesthetic: An Institutional Analysis ، ونتيجة الانتقادات التي لقيها هذا الكتاب، سيضطر ديكي في العام 1984، إلى نشر (5) The Circle  ، نسخة جديدة من نظريته المؤسسية للفن. 

كتب ديكي: "إن العمل الفني بالمعنى التصنيفي يعتبر أثرا فنيا، بحيث إن مجموعة من جوانبه تعني أن وضعه كمرشح للتقدير قد تم منحه له من قبل شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يعملون نيابة عن مؤسسة اجتماعية معينة"(6).

عندما طرح ديكي فكرة الترشح للتقدير المؤسسي، كان الرأي القائل بأن مفهوم الفن غير قابل للتعريف يتمتع بشعبية معينة بين فلاسفة الفن الأنجلو فونيين. وقد عبّر مؤلفون مثل بول زيف Paul Ziff(7)  

وموريس ويتز Morris Weitz(8) عن شكوكهم بشأن إمكانية توفير الشروط الضرورية والكافية لمنح الفن تعريفا دقيقا. يمكن تفسير شعبية هذا النهج من خلال تأثير فلسفة فيتجنشتاين(9) Wittgensteinأولا، وثانيا، نتيجة الصعوبات التي واجهتها النظريات الجمالية التقليدية كلما حاولت مقاربة أعمال حركات القرن العشرين الطليعية، وتيارات فن البوب.  فمن الصعب التوصل إلى ضم جميع منتجات الفن، التي تعود للماضي إلى جانب التي تنتمي للحاضر، تحت تحديد  ماهوي  واحد للفن. فالنظريات التقليدية مثلا عُرِفت ببناء تعريفاتها اعتبارا لخاصية معينة من خصائص الأعمال الفنية. على سبيل المثال، استندت نظرية المحاكاة على خاصية التمثيل، والنظرية الشكلية على امتلاك الشكل الدال، والنظرية التعبيرية على حقيقة التعبير عن الحالات العقلية أو العواطف، لكن من الصعب، بل أحيانا من المستحيل، تحديد خاصية مميزة مشتركة بين جميع الأشياء التي نصنفها في فئة الأعمال الفنية والتي تمثل وحدة هذه الفئة. 

 

هوامش:

  1. American Philosophical Quarterly, vol. 6 (1969)
  2. Arthur Danto, « The Artworld », The Journal of Philosophy, volume 61, n° 19, American Philosophical Association Eastern Division Sixty-First Annual Meeting, 15 octobre 1964, trad. Danielle Lories, « Le Monde de l’art », in Danielle Lories (éd.), Philosophie analytique et esthétique, Paris, Klincksieck, 1988, p. 183-198.
  3. يرجع إلى كتابه: يرجع إلى كتابه   « What is Art. Published March 19th 2013 by Yale University Press ) » المكون من ستة مقالات تهدف كلها إلى تقديم تعريف  أنطولوجي الفن.
  4. George Dickie - Art and the Aesthetic: An Institutional Analysis. Editeur : Cornell University Press, 1974
  5. Dickie, George - The art circle : a theory of art. Ed. New York, N.Y. : Haven, 1984
  6. Dickie – 1974 .p. 34
  7. (روبرت) بول زيف (1920 - 2003) ، فنان وفيلسوف أمريكي متخصص في علم الدلالة والجمال. نشر Ziff بشكل رئيسي في مجالات فلسفة اللغة وفلسفة الفن وفلسفة العقل وعلم المعرفة، كما نشر مقالات حول فلسفة الدين والأخلاق. "الفن وموضوع الفن" في عام 1951، يزيل التأكيد، الذي أدلى به فلاسفة بارزون في السنوات 1930-1950، بأن "الرسم ليس عملاً فنياً". تمت إعادة طبع هذه الوثيقة أيضًا في أماكن أخرى، بما في ذلك المجموعة الشهيرة Aesthetics and Language التي كتبها William Elton ، والتي أبلغت فلاسفة الجمالية أن التحليلات قد وجدت نظيفة. تم تصنيف مقالة "The Task of Defining a Work of Art"  ثلاث مرات على الأقل. إنها الأكثر تعقيدًا من بين صفحات مقالة  "لا يمكنك تحديد الفن" التي جاءت تطبيقا لتحليلات  Wittgenstein.(ويكيبيديا)
  8. موريس ويتز Morris Weitz (1916 - 1981) ، فيلسوف أمريكي متخصص في فلسفة الفن وعلم الجمال التحليلي. أثارت مقالته "دور النظرية في علم الجمال" The Role of Theory in Aesthetics (1956) جدلاً هامًا في فلسفة الفن.  في هذا المقال، ينتقد فايتز المنهجية التقليدية، التي يعتبرها أساسية، ويقترح استخدام مفهوم "التشابه العائلي"[1] (Familienahnlichkeiten) لفيتجنشتاين Wittgenstein، كطريقة بديلة لتحديد الأشياء الفنية. في نظر فايتس أن خبيري الجماليات يرتبطون بطرحهم السؤال الخاطئ: "ما هو الفن؟" السؤال الذي يعتبره فايتز أساسيًا هو ""أي نوع من المفاهيم هو الفن؟ « What sort of concept is art ? ». يستخدم هذا السؤال للدفاع عن فكرة "التشابه العائلي" المشار إليها آنفا، بقدر ما يدافع عن فكرة الفن على أنه "مفهوم مفتوح".(ويكيبيديا)
  9. لودفيج جوزيف جوهان فيتجنشتاين (1889 -1951) فيلسوف وعالم رياضيات نمساوي، قدم مساهمات حاسمة في المنطق، ونظرية أسس الرياضيات وفلسفة اللغة. قام بنشر عمل رئيسي واحد فقط: Tractatus logico-Philophicophus ، ظهرت النسخة الأولى منه في عام 1921 في فيينا. في هذا العمل الذي تأثر بقراءة شوبنهاور وكيركجارد، وبواسطة فريج ومور ورسل، يُظهر فيتجنشتاين حدود اللغة وهيئة معرفة الإنسان. طور طريقة فلسفية جديدة واقترح طريقة جديدة لفهم اللغة، طور في عمله العظيم الثاني، التحقيقات الفلسفية Investigations philosophiques، الذي نشر بعد وفاته. كان لعمله -ولا يزال -تأثير كبير على تيار الفلسفة التحليلية ومؤخرا في الأنثروبولوجيا وعلم الأعراق البشرية. (ويكيبيديا)

  4
  4
 1
مواضيع مشابهة

14 مارس  .  7 دقائق قراءة

  3
  5
 1

19 مارس  .  6 دقائق قراءة

  6
  1
 1

12 مارس  .  4 دقائق قراءة

  2
  6
 1

21 مارس  .  8 دقائق قراءة

  5
  1
 1

25 فبراير  .  15 دقيقة قراءة

  4
  1
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال
Aboud Salman
02 يناير
كل عام وانت بخير
  0
  0