01 يناير . 19 دقيقة قراءة . 6298
إنّ تحليل العنف المنزلي (وتحديداً إساءة معاملة النساء) من حيث هو ظاهرة اجتماعية كان محور اهتمام العديد من الباحثين. من هنا نرى كثيراً من النظريات التي حاولت تفسير هذه الظاهرة من خلال مجموعة عوامل فردية وثقافية وعوامل التنظيم الاجتماعي.
وفي إطار بحثنا سنتناول أربع نظريات:
- النظرية النسوية.
- نظرية العلاقة بين الدور والجنس (gender)، والدور المتوقع في الحياة الأُسرية.
- نظرية ثقافة العنف.
- نظرية تناقل الخبرات بين الأجيال.
أ- النظرية النسويّة
هذه النظرية، التي تفسِّر سوء معاملة الأزواج لزوجاتهم، حظيت باهتمام الباحثين، وكانت الأكثر استخداماً وانتشاراً في بحوثهم. وهي ترمي إلى تحليل سوء معاملة الزوجة عن طريق التعمق في البنية الاجتماعية والقيود الثقافية التي تمتد جذورها بعمق منذ تربية الأنثى وهي طفلة. لذلك تركّز النظرية النسويّة على عدد من المسائل، مثل ضرورة التأكيد على الخبرات التي يكتسبها أفراد المجتمع وفق هويتهم الجنسية (ذكور وإناث)، والإقرار بأنّ المرأة يتعين عليها الخضوع في المجتمع، والتأكيد على الالتزام بتخليص المرأة من هذا الخضوع. كما تركّز هذه النظرية على الطرق التي تُستخدم لصياغة أساليب التمييز بين الرجال والنساء، وعلى الأساليب التي تضمن استمرار علاقات القوة لمصلحة الرجال. ومن هذا المنطلَق أنّ القوة التي يتمتع بها الرجل تسمح له بفرض سيطرته على العلاقة بينه وبين زوجته وبإخضاع الزوجة لأساليب مختلفة: بدنية ومادية ونفسية ومعنوية.
كما تهدف هذه النظرية إلى مراقبة استبداد الرجل بالمرأة على وجه العموم، ولماذا ينظر المجتمع إلى الزوجة كخاضعة لزوجها رغم أنها تعمل خارج البيت وتساهم في ميزانية المنزل. ولعلها الأكثر شجاعة في مواجهة مشاكل غير متوقعة في العائلة. وتركّز النظرية على السياق التاريخي الذي حصل فيه تغاضي المجتمع عن سوء معاملة الزوجات، وتنظر إلى هذه الممارسة كأنها أمر طبيعي أو بديهي لا يثير الاستهجان أو يستوجب العقاب. وتشير هذه النظرية أيضاً إلى أنّ المجتمعات ذات التراث اليهودي – المسيحي هي التي شرّعت فكرة السيطرة على النساء، هذه الفكرة التي ما تزال مستمرة حتى اليوم في مجتمعنا من خلال تربية الصغيرات على طاعة الرجال عموماً، مثل الأب والأخ الأكبر والزوج، وعلى رعاية الرجال لهنّ باعتبارهم مصدر الأمن والحماية. هكذا تنشأ المرأة قاصرة عن ردّ العنف ومستسلمة له ومتخلية عن مقومات الدفاع عن النفس والتصدي لسوء معاملتها. بكلام آخر، إنّ طريقة التنشئة الاجتماعية التي تمنح الرجل القوة والحق في إساءة معاملة زوجته هي من أهم الأسباب الجوهرية للعنف المنزلي.
ب- نظرية ارتباط الدور بالجنس والدور المتوقع في الحياة الأُسرية
هذه النظرية مكمّلة للنظرية الأولى ومرتبطة بها. ويذهب دعاتها الى أنّ التنشئة الاجتماعية التقليدية للأطفال وإعدادهم للقيام بأدوار اجتماعية معينة وفق هويتهم الجنسية، ذكوراً كانوا أم إناثاً، من الأُمور التي تعزّز سوء معاملة المرأة. ويرى بعض العلماء أنّ تنشئة الذكور من الناحية الجنسية في سن مبكرة تؤثر على علاقاتهم الجنسية مع زوجاتهم في المستقبل. "فالفتاة يتمّ تنشئتها على الخجل وكتمان كل ما يتعلّق بحياتها الجنسية، في حين أنّ المجتمع يكون أكثر تسامحاً مع الفتى" (37). ولهذا تكون الزوجة أكثر خضوعاً للزوج، وربما تعرّضت لسوء معاملته في ما يتعلق بتفاعلهما في شأن إشباع الرغبة الجنسية. وهكذا تقدم نظرية الارتباط بين الدور والهوية الجنسية "تفسيراً مبسَّطاً لسوء معاملة الأزواج لزوجاتهم، يكمن في أنّ الأدوار التي يقوم بها الرجال والنساء تضع الرجال في وضع أفضل من النساء وتسمح لهم بإساءة معاملتهنّ" (38).
ج- نظرية ثقافة العنف
يؤكد أصحاب هذه النظرية أنّ سوء معاملة الأزواج لزوجاتهم يكمن في شيوع ثقافة العنف وقبولها في المجتمع. وهذا القبول يضفي الشرعية على استخدام العنف في الحياة الأسرية ويدعم اللجوء إليه. لهذا نرى بعض الأزواج لا يتورعون عن صفع زوجاتهم أو غير ذلك من أفعال قاسية. ويرى أحد العلماء (M. A. Strauss) أنّ هناك حدّاً أدنى من الاتفاق الضمني بين أفراد المجتمع على تأييد استخدام الأزواج للعنف مع زوجاتهم. وقد أطلق على ذلك التأييد "عقد زواج وترخيص بالضرب" (39).
ويذهب جورج رصل (G.W. Russell) إلى أنّ وسائل الإعلام والقانون تشجع، أو على الأقل تسمح، بالعنف ضد الزوجين. وهكذا، في ضوء التوقعات القضائية، فإنّ المجتمع يتوقع أن يُظهر الأطفال الذكور مزيداً من العداوة أكثر مما يُتوقع من الإناث (40).
د- نظرية تناقل الخبرات بين الأجيال
تذهب هذه النظرية إلى أنّ الأطفال الذين عاينوا أو عانوا تجربة العنف في منازل ذويهم هم أكثر ميلاً إلى استخدام العنف في منازلهم في المستقبل. فالأولاد الذين كان آباؤهم يسيئون معاملة أُمّهاتهم وكانوا يتعرّضون هم أنفسهم للمعاملة السيئة من آبائهم، غالباً ما يلجأون إلى العنف مع زوجاتهم وأولادهم. وقد أكد دعاة هذه النظرية أنّ هناك علاقة وثيقة بين درجة حب الأهل لأولادهم واستخدام العنف. فالقسوة أو العنف مع الطفل محبة له وخوف عليه. وبكلام آخر، إنّ الأب الأكثر حباً لأطفاله هو الأكثر عنفاً. وهكذا، فإنّ الطفل يتماثل مع أبيه ويتقبّل هذه القيمة الثقافية لينقلها ويمارسها، عندما يصبح أباً، مع أطفاله.
تحليلنا الشخصي لأسباب العنف
بعد عرض هذه النظريات، يمكننا القول بأنّ العنف مع الزوجات لا يمكن تفسيره من زاوية واحدة، وذلك لتعدد المتغيرات التي تشتمل عليها هذه الظاهرة. لذلك يمكننا إيجاز هذه الأسباب وتحليلها على النحو الآتي:
- رغبة أحد الزوجين في السيطرة على الآخر. وغالباً ما يأخذ الزوج هذا الدور، اعتقاداً منه أنّ السيطرة قيمة اجتماعية ملازمة للرجولة وحق طبيعي، وأنّ الزوجة من ملكيّته. وهذا الاعتقاد ناتج عن هيمنة القيم التقليدية وقوتها، كما أشرنا سابقاً، إذ إنّ المجتمع الشرقي، كما الأوروبي، كان يشجّع الرجال، عبر تاريخه الطويل، على المغامرة وممارسة القوة، فيما يشجّع النساء على أن يتميّزنَ بالخضوع والضعف.
وهنا نتساءل: كيف يمكن، باسم القيم الاجتماعية، أن يمارَس العنف؟ وإذا كانت مثل هذه القيم تشجّع ذلك، فأين هي من جوهرها؟ إنها تغدو عندئذٍ قيماً فارغة لا تحمل سوى اسمها. وهنا أودّ أن أُشير إلى أنّ كل قيمة اجتماعية سائدة لا تلامس العدالة والجوهر الإنساني في المطلق، أي الإنسان كإنسان، ذكراً كان أم أنثى، ليست قيمة حقيقية وليست جديرة باسمها أو بالمحافظة عليها واحترامها. من هنا يعيش المجتمع صراعاً مع القيم البالية.
- شعور أحد الزوجين بإساءة الطرف الآخر إليه، خصوصاً إذا ما رافق ذلك سخريةٌ بالآخر.
- عدم ممارسة الحوار والمنطق السليم وعدم تفهُّم الأفراد بعضهم لمقاصد البعض الآخر ونيّاته، أي للظرف أو السياق الذي تحدث فيه إساءة معينة. إنّ سوء التفاهم يُشعر المرء باليأس والألم والإحباط، ويدفعه أحياناً إلى القيام بأعمال عنيفة. وإذا كانت المرأة الضحية، ففي كثير من الأحيان تردّ على العنف بعنف مضاد على نفسها بضربها نفسها مثلاً في ثورة غضب. وإذا تأملنا في ذلك، لوجدنا أننا نادراً ما نرى ردود الفعل هذه عند الرجال. وبهذا تكون المرأة ضحية العنف مرتين في آن معاً: مرة من زوجها ومرة أُخرى منها هي على نفسها، وذلك لأنها غير قادرة، في الوعي واللاوعي، على مجابهة زوجها كونها امرأة. وهذا ما نراه حتى في المجتمعات الأوروبية كما ورد في دراسة أُوروبية في فرنسا: "إنّ العنف يختلف باختلاف الأفراد: فالنساء اللواتي يتّصفنَ بمستوى علمي وضيع، كما المتقدمات في السنّ، هنّ الأكثر عرضة لتوجيه العنف ضد أنفسهنّ. بينما الرجال والشبان الذين يتصفون بمستوى علمي لائق يوجّهون العنف ضد الآخرين، وفي معظم الحالات ضد النساء" (41).
- اعتقاد أحد الزوجين، ولا سيما الزوج، أنّ العنف هو السبيل الوحيد لحل مشكلاته مع الطرف الآخر، خصوصاً إذا كان قد عاش تجربة في محيطه أكّدت له أنّ العنف هو الحل.
- اعتقاد الزوج أنه رب البيت، وعلى هذا الأساس له حق العقاب بأيّ وسيلة والتصرف كما يحلو له، وعلى جميع أفراد العائلة الاقتناع بذلك والخضوع له.
- عدم إصغاء أحد الزوجين إلى الآخر. وهذا التجاهل يُشعر الشريك بالعزلة وعدم القدرة على التفاعل معه.
- شعور أحد الزوجين بالإحباط في عمله. وعدم قدرته على التعبير عن شعوره بالغضب أمام رئيسه يجعله يأتي إلى المنزل ليصبّ غضبه على أفراد العائلة المستضعَفين في نظره. وهذا ما أشرنا إليه بالعنف المستبدل.
- البطالة ومعاناة أحد الزوجين من مشكلة مادية.
- رضوخ أحد الزوجين، وغالباً المرأة، للنقد المستمر. وهذا يعود إلى أمرين: الأول اعتقاد المرأة أنّ التسامح والتهاون من شأنه خفض النزاع، في الوقت الذي يجب أن تلجأ إلى الحوار المنطقي الذي يبرر نقاط الضعف عند كليهما، وبالتالي معالجة الوضع. أما الثاني فيعود، كما يراه عالم النفس روبرت سنيل (Snell)، إلى شخصية المرأة المازوشية، التي تتلذّذ بشعور الألم والتعذيب على يد زوجها، خصوصاً عند الممارسة الجنسية (42). لكنّ هذه النظرية لم تلق تجاوباً كبيراً من علماء النفس.
- فقدان الثقة بين الزوجين، أو الخيانة الزوجية.
- تباين الثقافة والميول والطموحات بين الزوجين. إنّ تَعارض الاهتمامات ودرجة أولويتها وعدم الانسجام عوامل تؤدي، في غالب الأحيان، إلى ردود فعل سلبية.
- الصراع بين أدوار المرأة الأُسرية وأدوارها الخارجية، والصراع بين دور الرجل ودور المرأة داخل الأسرة. وهذا ما عبَّر عنه تالكوت بارسونز عندما اعتبر أنّ دَور الرجل هو دَور وظيفيّ (rôle fonctionnel)، بمعنى أنه المسؤول الأول والأخير عن توفير حاجات العائلة، في حين أنّ دَور المرأة عاطفيّ (rôle expressif)، بمعنى أنها المسؤولة عن توفير العطف والحنان والعناية. وإذا حاولت المرأة تأدية دور الرجل، دبّت المنافسة بين الزوج والزوجة، ونشأت بالتالي النزاعات العائلية والممارسات العنفيّة.
والمؤسف، رغم شعور الرجل بحاجة عمل المرأة خارج الأُسرة وسط الأزمة الاقتصادية التي نعيشها، أننا نراه يترفّع عن مساندتها في الأعمال المنزلية، وكأنّ هذه الأعمال تُضعِف من رجولته أو مستواه. وما هذه الذهنية سوى تجسيد للقيم التقليدية التي نحن في صراع معها.
- العامل البيوكيميائي، أي الطبع، حيث نرى بعض الرجال غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم إلا بالسلوك العنيف. بكلام آخر، إنّ نزعة العنف متقدمة لدى الرجال بالفطرة، ومن هنا لا يستطيعون السيطرة على أنفسهم ولجم غريزة الدفاع عن النفس. كما أنّ العامل البيولوجي يأخذ منحى آخر، وبالتحديد عند المرأة، في مرحلة انقطاع الدورة الشهرية. ففي هذه المرحلة تعيش المرأة تغيُّرات نفسية وجسدية، مما يساهم في عدم قدرتها على السيطرة في مواقف معينة.
- أفلام العنف والرعب والجنس وأثر المخدرات. لقد بيّنت الدراسات في فرنسا أنّ 50% من حالات العنف المنزلي تحصل تحت تأثير المخدرات (43).
- أخيراً وليس آخراً، غياب الحب الحقيقي، مع شيوع المفهوم الخاطئ للزواج وللشريك.
وإذا تعمقنا في تحليل الدراسات (سواء في المجتمع الأوروبي أو في المجتمع العربي) التي حاولت الكشف عن أسباب العنف، لرأينا أنّ هناك ثغرة كبيرة، هي عدم ربط العنف المنزلي بالمفهوم الخاطىء للزوج والزواج والحب. إنّ مجمل الدراسات ربطت العنف المنزلي بالمستوى الاقتصادي - الثقافي - الاجتماعي - العمري، وغاب عنها ربطه بمفهوم الزواج، أي: ماذا يفهم كل من الزوج والزوجة بالزواج وبالشريك؟ ولماذا الزواج؟ ولماذا الشريك؟ هل نتزوج أولاً بهدف الإنجاب أو الاستقلالية أو الثروة أو لأننا بلغنا عمراً معيناً، أم نتزوج أولاً بهدف معايشة الشريك الذي نحبه والذي أصبح محور حياتنا ومعنى وجودنا؟ بكلام آخر، كيف ينظر الشريك إلى شريكه: هل كغاية في ذاته أم كوسيلة من أجل الوصول من خلاله إلى مآرب معينة؟ فإذا كان وسيلة، فلا شك أنّ العنف المنزلي يزداد بحدّة عند أدنى مشكلة عائلية. أما إذا كان غاية في ذاته، فإنّ أكبر المشكلات يمكن أن تضمحل أو تندثر لأنّ الحب الحقيقي المتبادل كفيل بالحد من النزاعات. فكل من الزوجين عندئذٍ يستوعب الآخر ويتفهمه ويصبر عليه لأنه يحبه وهو غايته ومصدر سعادته. وهنا نجد صراعاً آخر مع القيم الاجتماعية السائدة التي تشجع الزواج، خصوصاً من شخص ميسور، دون النظر إلى الحالة العاطفية من حيث كونها تبرر الزواج وتحلله، أي تعطيه شرعيته.
هكذا يصبح غياب الحالة العاطفية من أهم أسباب العنف في نظري. وهنا يمكن أن نطرح سؤالاً آخر، بعدما رأينا أنّ العنف يمارَس أيضاً في حالات المساكنة الزوجية خارج الرباط التقليدي.
الجواب هنا أنّ العديد من الأشخاص يلجأون إلى المساكنة ليس بدافع الحب بل بدافع اكتساب خبرة قبل الزواج.
ومن ناحية أُخرى، يمكننا القول بأنّ الحبّ الذي خص به الله الإنسان سريع العطب على أيدي البشر. لذا وجب بناؤه على قاعدة صلبة والمحافظة عليه والتمتع به.
خاتمة: آليّات وحلول
إنّ وعي الإنسان لأسباب مشكلة معينة يشكل الخطوة الأُولى لمعالجتها والتصدي لها. وإذا كنا قد رأينا ووعينا الأسباب الكامنة وراء العنف المنزلي، أمكننا التصدي لهذه الظاهرة المنحرفة. الحلول تأتي بوضع الإصبع على الجرح، أي بمعالجة الأسباب وليس النتائج وحدها، خصوصاً لأنّ معالجة النتائج دون معالجة الأسباب هي إطالة للمشكلة وليست حلاً لها. وبما أنّ العنف العائلي ليس بظاهرة عرضية، على حد تعبير الباحث الفرنسي باتريك مونييه، وإنما هو ظاهرة تنبع من البنية والقيم الاجتماعية للدول المختلفة كما أنّ وتيرتها ترتفع يوماً بعد يوم رغم غياب الإحصاءات الدقيقة (44)، كان لا بد من التمعن بالحلول انطلاقاً من التركيبة أو البنية الاجتماعية على الشكل التالي:
- تعديل النشأة الاجتماعية وإعادة صياغة بعض المفاهيم التي تدعم الرجل وسيطرته وتعزّز ضعف المرأة واستكانتها له انسجاماً مع أُنوثتها.
وهنا نتساءل: كيف تَربط هذه التربية الأُنوثة بالضعف والاستكانة، والرجولة بالقوة والهيمنة؟ لا شك أنّ هناك خصائص مميزة للمرأة كما للرجل. والخصائص الأُنثوية التي تعتز وتفتخر بها المرأة لا تتعارض على الإطلاق مع قوة الشخصية وتحقيق الذات. وقد حان الوقت حقاً للتخلص من هذه الذهنية والتغلب على المفاهيم والقيم الزائفة.
- تعديل القوانين بالقضاء على جميع أنواع التمييز بين المرأة والرجل من حيث الحقوق والواجبات، ومنها قانون الجنسية الذي لا يجيز للمرأة اللبنانية المتزوجة من رجل أجنبي إعطاء الجنسية لزوجها ولأولادها، وقانون الأحوال الشخصية الذي يحدد حق الرجل، في حال الطلاق، بتربية الأولاد بعد بلوغهم السابعة. إنّ هذا التمييز يساهم في سيطرة الرجل وهيمنته، وبالتالي في ممارسته العنف كحق له بما أنه الأقوى. لذلك يجب إنهاء المعاملة السيئة للزوجات وإعادة بناء علاقات القوة بين الرجال والنساء.
- المشاركة والتعاون في الأعمال المنزلية وفق جهوزية الزوجة أو الزوج وليس وفق الأدوار التقليدية التي تحصر دور الرجل في الأعمال الخارجية. من هنا، إنّ إعادة هيكلية الأدوار التي يؤديها الرجال والنساء من شأنها الحد من هذه الظاهرة.
- اعتماد "الحوار المنطقي العاطفي"، وأقصد بذلك التعبير عن مشكلة معينة على نحو منهجي أو منطقي، وفي الوقت نفسه بمحبة ولغة سلسة راقية بعيدة عن الوعظ والادّعاء.
- اعتماد العدالة والمساواة بين الأطفال، ذكوراً كانوا أم إناثاً.
- إعادة صياغة المتغيرات الثقافية التي تعزز اللجوء إلى العنف واعتماد ثقافة السلام بدل ثقافة العنف في تربيتنا التي من شأنها لجم الغرائز والسيطرة على الذات، واقتناع الآباء بعدم اللجوء إلى العنف مع أطفالهم، أي بالعدول عن العقاب الجسدي والنفسي، وعدم اللجوء إلى العنف مع الزوجات، خصوصاً أمام أطفالهنّ. وهذا يعني تعزيز روح التفاهم والمحبة الصادقة التي تكون غاية في ذاتها، لا وسيلة للوصول إلى مآرب معينة.
- تنشيط عمل المؤسسات، كلجنة مناهضة العنف ضد المرأة، بأعمال ميدانية وإحصائية تكشف حجم المشكلة.
- دور وسائل الإعلام في التوجيه والتركيز على ثقافة السلام. مثلاً، عرض مشكلة عائلية من خلال شريطين وثائقيين، يحاول الأول حل مشكلة معينة بشكل عدواني وعنيف، والثاني بتفاهم ومنطق ومحبة، مع مقارنة النتائج التي تَوصل إليها أفراد الأُسرة في كلا الشريطين. وهذا من شأنه التركيز على إشاعة السلام والمحبة وإلقاء الضوء على كيفية التفاعل الإيجابي أمام المشاكل العائلية، هذا التفاعل الذي يتيح لكل فرد مجالاً لتحقيق ذاته بدلاً من تحقيق الرجل ذاته على حساب المرأة، ويتيح بالتالي بلوغ السلام العائلي والاجتماعي.
ولئن كان ممكناً إدراج هذه الحلول تحت أبواب ثلاثة هي: تعديل التنشئة الاجتماعية، تعديل القوانين، دَور الدولة ووسائل الإعلام في نشر ثقافة السلام بدل ثقافة العنف، ففي الإمكان حصر هذه الأبواب الثلاثة تحت باب واحد هو: تعديل التنشئة الاجتماعية عن طريق تنمية الحس الواعي النقدي. وهذا يستتبع تحويل بعض القيم المعتبَرة قيماً مطلقة وثابتة، ومنها مفهوم الرجولة والهيمنة، إلى قيم نسبية متغيرة، خاضعة للتطور الثقافي والحضاري، بحيث يُنظَر إلى الإنسان، ذكراً كان أم أُنثى، شريكاً أم زوجاً أم أخاً أم صديقاً، كما لو كان غاية في ذاته.
وإذا كان ثمة فكرة أُنهي بها هذا البحث، فهي التذكير بأنّ الخلط بين القيم، كتوحيد الرجولة بالهيمنة والأُنوثة بالخضوع، والنظر إلى الشريك كوسيلة، وقياس النسبي بمقياس المطلق والمتحول بمقياس الثابت، هي العوامل المسؤولة عن التفكك والعنف العائلي.
لقد آن الأوان كي نعي أنّ كل قيمة أو عقيدة لا توصل الإنسان إلى ملء قامته وتجعله يعي وحدته مع الجنس البشري هي قيمة شكلية مفرغة من محتواها. إنّ النظرة النقدية التي اقترحناها يمكن أن تفضي إلى تحقيق وحدة إنسانية واجتماعية وعائلية، يفهم فيها الأفراد بعضهم بعضاً ويحترمون بعضهم بعضاً، وبهذا تَخدم قضية القيم الأصلية، وتجعل القيمة جديرة باسمها.
#العنف_الأسري #الحياة_الأسرية
08 أكتوبر . 10 دقائق قراءة