قصة مدفع رمضان وانتشاره في العالم الإسلامي

10 مايو  .   7 دقائق قراءة  .    1472

 

بقلم خليصة داوود

من تحرير فريق مرداد

 

يعتبر «مدفع رمضان» أحد أهم التقاليد الرمضانية في كثير من البلاد الإسلامية، ومن مظاهر الحفاوة بهذا الشهر العظيم، له قيمة روحية كبيرة في نفوس المسلمين إذ يذكرهم بالأجواء والنفحات الرمضانية من زمن الأجداد، وقد كان يطلق مرتين: عند المغرب معلنًا عن موعد الإفطار ويسمى «مدفع الإفطار»، وعند الفجر ويسمى «مدفع الإمساك»، ثم أصبح يطلق فيما بعد يطلق حتى في آخر يوم من رمضان بعد رؤية الهلال معلنًا عن عيد الفطر. 

 

قصة بداية مدفع رمضان:

أما عن قصة هذا التقليد المميز فتتضارب عدة روايات حول تاريخ بدايته ولو أنها تتفق جميعا على أن الانطلاقة كانت من العاصمة المصرية القاهرة، التي ظلت تعتمد المدفع وسيلة للإعلان عن موعد الإفطار حتى فترة متأخرة.

ويعتقد البعض أن أول ما عرف الناس مدفع رمضان كان في القرن 8هـ/ 15م، في عهد السلطان الظاهر سيف الدين خشقدم أحد سلاطين المماليك، وهذا مستبعد، ومنهم من يرجعه إلى عهد محمد علي باشا والي مصر في بداية القرن 12هـ/ 19م، أما الرواية الثالثة وهي الأشهر والأرجح فتنسِب قصة المدفع للخديوي إسماعيل في النصف الثاني من القرن 19م.

وكان ذلك عن طريق الصدفة، حيث كان بعض الجنود يقومون بتنظيف المدافع، فانطلقت قذيفة من أحدها دوّت في سماء القاهرة، وصادف أن كان ذلك وقت آذان المغرب في أحد أيام رمضان، فظن الناس أن الدولة اتبعت تقليدًا جديدًا للإعلان عن موعد الإفطار، فلم تكن للمساجد مكبرات صوت ولم يكن الآذان ليصل مسامع جميع سكان القاهرة والأحياء البعيدة منها.

 وصاروا يتحدثون بذلك، ويستحسنون هذه الطريقة الجديدة، ولما بلغ الأمر الخديوي أمر بتعميمه على مختلف المدن المصرية، ومن ثم جرى تعميمه على مختلف ولايات الدولة العثمانية.

وكيفما كان الأمر فإن المدفع أصبح واقعا بل وتقليدا توارثته الأجيال وانتشر في أرجاء العالم الإسلامي، وأصبحت طلقة المدفع في رمضان ترمز إلى الفرحة والبهجة بهذا الشهر الكريم. 

 

مدفع إفطار الحاجة فاطمة:

والحاجة فاطمة هي سمو الأميرة فاطمة ابنة الخديوى إسماعيل، التي عرفت بحبها للأعمال الخيرية فهي التي تبرعت بكامل أرضها لإنشاء الجامعة الأهلية (جامعه القاهرة)، وأنفقت كل مجوهراتها الثمينة علي تكاليف البناء. فقيل أنها لما علمت بأمر المدفع وعن وقعه في نفوس الناس وإعجابهم به، استصدرت فرمانا يقضي باستخدام هذا المدفع عند الإطار والإمساك وفي الأعياد الرسمية، ولهذا ارتبط المدفع باسمها في البداية، ثم أصبح يعرف بمدفع رمضان بعد انتشاره في أماكن أخرى خارج مصر.

 

مدفع رمضان في العالم الإسلامي:

         لم يتوقف تقليد مدفع رمضان في مدينة القاهرة وفي مصر وحسب، وإنما سرعان ما انتشرت في مختلف مدن وعواصم العالم الإسلامي، وتبنتها مختلف الحكومات، واستمر توارثه جيلا بعد جيل.

 

مدفع رمضان  في الشام والعراق:

لعلّ أول ما بدأت فكرة المدفع في الانتشار كان في بلاد الشام، فتبنّته مختلف أقطارها، مثل: دمشق، والقدس، وغيرها من مدن الشام، ومن هناك انتقلت إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر. 

 

في الخليج العربي:

وما إن حل القرن العشرين حتى كان مدفع رمضان قد أخذ ينتشر في الخليج العربي، بداية من مدينة الكويت عام 1907، ليعم كافة أقطار الخليج، فظهر في الشارقة سنة 1930م، وبعدها بحوالي 30 سنة في دبي، وفي 1970 في أبو ظبي، وكانت تطلَق طلقتان في بداية رمضان، وعند رؤية هلال العيد، وفي صلاة العيد، وطلقة واحدة مغرب كل يوم معلنة عن موعد الإفطار. ولا يزال المدفع إلى اليوم قابعا بجانب مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي. وانتقل أيضا إلى اليمن، وقطر التي ما تزال تحتفظ بهذا التقليد إلى اليوم.

هذا كما استُخدم مدفع الإفطار فى مكة المكرمة كغيرها من المدن السعودية، وقد اعتاد السعوديون عامة، وأهالى العاصمة المقدسة خاصة، على وجود مدفع رمضان الذى يكون إلى جانب الأذان.

 

مدفع الافطار في المغرب العربي:

أما دول المغرب العربي فقد عرفته في وقت مبكر، ففي الجزائرجرى استخدامه لأول مرة سنة 1870م خلال الاستعمار الفرنسي للبلاد، وكان يطلق من «دار السلطان» أي «قصر الداي» بباب الجديد بأعالي القصبة، ولكن أهل مدينة الجزائر لم يرحبوا في أغلبهم بالفكرة التي كانت في نظرهم من فعل الاستعمار واعتقدوا أن الإدارة الفرنسية قامت بذلك فقط من أجل التخلص من الآذان كنوع من الاجراءات العلمانية التي كانت تتخذها فرنسا دوما لمحاربة كل ما هو ديني. كما شهدت أيضا مدن تونس والمغرب مدفع رمضان وتعودت على طلقاته في كل عام.

 

في شرق أوروبا:

لما كانت أجزاء كبيرة من شرق أوروبا تابعة للدولة العثمانية فإن الكثير من مدنها عرفت مدفع رمضان، وكان جزءا من مظاهر الاحتفال بشهر الصيام، ولا زالت بعض المدن ذات الأكثرية المسلمة تحافظ على هذا الموروث مثل: البوسنة، وسراييفو، على غرار العديد من المدن التركية.

 

في إفريقيا وآسيا:

ولا عجب في أن ينتشر هذا التقليد في مناطق أوسع من العالم العربي والإسلامي، فامتد إلى السودان، وشرق إفريقيا، وبلغ دول غرب أفريقيا مثل: تشاد، والنيجر، ومالي، وكذا دول شرق آسيا حيث بدأ مدفع الإفطار عمله في إندونيسيا سنة 1944.

وهكذا استمرت طلقات المدفع تزين أجواء رمضان وتدخل البهجة في قلوب الصائمين والأطفال الصغار لسنين طويلة، إلى أن تم الاستغناء عنه بسبب توفر مكبرات الصوت ووسائل أخرى أحدث، رغم قيمته المعنوية في نفوس المسلمين، هذا وقد عمدت الحكومة المصرية إلى تعويضه بصوت مدفعي يطلق عبر أثير إذاعتها منذ تأسيسها عام 1934، كما نقله التليفزيون المصرى بداية من عام 1960.

إلا أننا في الفترة الأخيرة نرى عدة دول تعود مرة أخرى إلى هذا التقليد وتستخدم المدفع رغم توفر البدائل، نظرًا لأهميته وقيمته المعنوية.

 

مراجع للاستزادة: 

  • أحمد أبو زيد، «رمضان في التراث الشعبي: اجتهاد في العبادات وأفراح وعادات»، (مجلة الرافد، ع2، دائرة الثقافة والإعلام، حكومة الشارقة، 2015).
  • فتيحة بوروينة، «من قذيفة "مدفعية دار السلطان" إلى رفع الأعلام البيضاء فوق المساجد»، (مجلة الرياض، ع13994، 2006).
  •  « LE SAVIEZ VOUS - Pourquoi un coup de canon marque la fin du jeûne ? », lepetitjournal.com/dubaï, 2019.
  • « Le ramadan raconté dans Le Figaro de 1906 », le figaro archives, 2018.
  5
  2
 0
مواضيع مشابهة

30 أبريل  .  1 دقيقة قراءة

  1
  3
 0

24 فبراير  .  0 دقيقة قراءة

  0
  0
 0

16 أبريل  .  1 دقيقة قراءة

  2
  4
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال