الــوردة التاسعة (الجزء الأوّل)

01 يناير  .   4 دقائق قراءة  .    724

Photo by Alisa Olaivar on Unsplash

فقط حين أقرّرُ أن أراك 

يتّسع مدارُ الأرض حول شمسِها 

فيحدو الوقتُ نحوي 

بسلاسل تكبّلُ قدميه 

تصبح حينها المواعيدُ شمّاعةَ أسئلة 

وتبقى قيدَ القلق 

لذا 

قرّرتَ أن تعاقبَ ورودي بالذبول 

فعاقبتُ ورودَك بالحياة 

( 2012-12- 24 )

12:50 فجرًا

 

كان من الممكن أن تفوتني أمسيتُك لو أنّ المطر استمرَّ بالهطول في ذاك اليوم. أنتَ رجلٌ من عاصفة كيف ألقاك في ليلة مطر، حضورك الماطر يجعلُني حائرةً من أيّ مطر قد أحتمي آنذاك!

لكنّ الطقس تآمر معك، أعطاك كلّ المجال كي تكون الماطرَ الوحيد ليلاً. قد أفرغت السماء كلَّ ما فيها من مياهٍ صباحًا لتعلّقَ الشمسَ وسطَ السماء فترة الظهيرة. كنتُ أفترش طريقَ حتفي بالورود والشموس، لأسيرَ إليك... فوق كلّ ما حلمتُ به سابقًا وأواجه قدري...

قرّرت أن أسلّمَ سيناريو روايتنا إلى الأقدار... أو بالأحرى... قصّتي معك

القدرُ شاءَ أن آتي إليكَ، رغم رهبة المجيء، فليكملَ عنّي الأحداث ولن أتدخّل...

قررتُ ما يلي:

أمامي مسافةٌ قبل أن أركبَ سيارةَ الأجرة، فإن صادفني محلُّ وردٍ في طريقي، التي ارتدتُها حينها للمرّةِ الأولى، سأبتاع لأجلك الورد، وإن كان البائع مسنًّا سأرفقُ الباقةَ ببعض الكلمات وإن كان سائقُ الأجرة شابًا سأوصلها إليك وإلاّ تركتها في المقعد الخلفيّ من غير أن ينتبه السائق.

... لعبة جنون...

قرّرتُ إهداءك الورود لأنّني لا أقوى على التعبير بالكلام وقد اعتدتُكَ حروفًا مقروءةً، بالرغم من إتقاننا فنّ الكلمات في محادثاتٍ إلكترونيّة، ينتهي كرم الحروف حين نحتاجها... وقد تخوننا لحظة التعبير المربك!

كلامُك القليل علّمني التفكيرَ الطويل... لطالما كانت كلماتك مقتضبةً... ما مدَدْتَ جسرَ حديثٍ يوماً، جُلَّ ما كنتَ تكتب هو الرد على أسئلتي...

هل تذكر أولى محادثاتنا؟ قلتَ لي أن أبقى مهيّأةً للعواصف لأنّ السحاب يمرّ... ولا يدَ توقفُ سيره...

أوَهل يحبّ السحابُ الورود؟ هل ستوقفه ولو لحظةً أمتلىء فيها منك؟ هل سأفي لك بوعدي أن أكون مستعدّةً فورَ حلول فرصة جديدة؟ أخاف أن تفيَ أنتَ بما وعدت به وتكون أكثر غموضًا... مللتُ لعبةَ الغموض بيننا... حان الوقت لتوقفَ أمطارك... تبلّلتُ كفايةً وأنت تقف متأمّلًا جسدي وقد أذابه المطر.

هكذا أعجبتُك: مبلّلةً بماءِ غريبٍ يهطل ويغيب...

قد راقني ما فيك من مطر آنذاك واعترفتُ أن أحلى ما فيك مطرك المفاجئ... كنت أنتظره بعد كلّ غيابٍ إلكترونيٍّ لكَ خلف شاشة الحاسوب، وأسألك متى سيهطل من جديد... لكنّك تركت الإجابة لنار الشوق.

 

خطواتٌ قليلةٌ تبعدُني عن الشارع الرئيسيّ وبعد أن فقدتُ أملَ العثورِ على محلٍّ للزّهور، وجدت واحدًا في إحدى زوايا المنطقة التي لا تصدّق أنّها قد تؤوي ورودًا. دخلتُ المحلّ فإذا بشابٍّ يقفُ أمام بعض الورود المنسّقة عرفتُ حينها أنّ ورودَك ستصللك بغير كلمات ولكن سرعان ما خرج مسنٌّ من الغرفة المجاورة حاملًا باقة أزهار فعرفتُ أنه صاحب المحل والآخر زبون...

حِرتُ في أمري، ماذا عليّ أن أكتب؟

سألتُ البائع أن يجمعَ باقتك ولا أنسى ضحكتَه حين طلبتُ تسعَ ورود: ثمانٍ منها في الباقة والتاسعة أحتفظ بها لنفسي... كيف له أن يفهم سرّ الوردة التاسعة وهو لا يعرف اسمينا؟

لم تنتبهْ أنّ آخرَ حروف اسمي هو أول حروف اسمك وآخر حروف اسمك هو أول حروف اسمي... لذا تسع وردات بعدد حروف اسمك ستكون لك بعد قليل عدا الراء... وردتي التاسعة، أول حروف اسمي التي يحقّ لي أن أبقيَها معي...

طبعًا لن تعدَّ الوردات... وإن عددْتها لن تفتقدَ الوردة التاسعة...

احتضنتُك ورودًا جمعتُ فيها تفاصيلَ عطرك وخرجتُ كي أجدَ لنفسي سيارة أجرة تقلّني.

سائق السيارة كان شابًّا فالورود لك... ورود بغير هوية... جلّ ما تحمله في المغلف الصغير كلمات قليلة أعلنُ بها ولائي الشعري لك مع ملاحظة خشيتُ ألّا تفهمها آنذاك: لأنّ تصرّفي بغير مبرّر... إستحقّ أن يبقى بغير هوية...

جعلتَني أقتبس كلّ ما كرهتُ من عادات... الجنون والتبرير...

في السيارة، أمسكت بمرآتي لأتحقّق من مظهري وقد تعمّدت البساطة كي لا أثير الشبهات فأنا سأدخل القاعة ودليلُ إدانتي ينتظرُ نهايةَ الأمسية فيأتيك أحدهم بورداتي.

 

... يتبع

  9
  17
 1
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال
Maher
27 ديسمبر
شدني العنوان لكن ما فاجأني حقا أن ماكتبتيه ينبض بالصورة والمشهد الجميلين أحببت أن لا أقرأ الجزء الثاني الا قبل أن تعيد تلك الصور نفسها من تلقاء نفسها... مالفت انتباهي أن النص مكتوب في سنة ٢٠١٢ نص كهذا تخمر وتخمر في قراءته لابد وأن يكون هناك طعم سكر
  0
  3