01 يناير . 8 دقائق قراءة . 752
أتيتُه بكلّ ما جمعتُ من ورود
وافترشتُ وجوه الغرباء أنتظر
حتّى هو...
صار لي بين الحشود
غريبًا أم مجهولًا
ما عدتُ أذكر...
( 2012-12- 24 )
1:15 فجرًا
وصلتُ قبل الموعد بما يقارب الساعة، تمامًا كما وعدتُك أن أكون هناك أوّل الحاضرين، ذهبتُ لأتحقّق من الصالة حيث تُقام الأمسية وحين وجدتُها مغلقة حاولت إيجادَ مرسل يقلّ الورود إلى "أبيها".
رحتُ أتنقّل بين أرجاء المعرض، كثرٌ من علّقوا على ما حملتُ من ورود وراحوا يمازحونني شاكرين ما أحضرتُ من أزهار، وأنا في كلّ مرّة كنت أحضن الباقة.
كلّما اقتربت الساعة من السادسة ازدادَ شوقي واضطرابي واحتشدَت تساؤلاتي وانهالت عليّ كتلك التي تطاردُ شخصية هامة إثر لقائها بصحافيّين... لكنّك كنتَ أنت نجم تلك الأمسية فلن يسرق أحد الأضواء منك ولتهطل عليك التساؤلات... تساؤلاتك عن صاحب الورود...
ألقيتُ على الباقة نظراتي الأخيرة كأنّني أحمّلها كمًّا من الرسائل تنقلها إليك... ورداتي الثمانية ستكون آخر الأمسية بين يديك... تُرى هل أحسنتُ اختيار مصيرها؟
قابلتُ المسؤولة عن الصالة، أو هكذا بدت لي، وطلبتُ منها إعطاءك الورود حالما ينتهي العرض الشعري ولم أفصح عن اسمي حين سألتْني مبتسمةً إذ اكتفيتُ بردّ الابتسامة متذرّعةً بوجود المغلف وأنّك ستعرفني.
في الواقع كنت أخاف شرّين: أن تعرفَني فأبدو حمقاء أمامك... وألّا تعرفَني فأبدو حمقاء أمامي فقد ابتدعتُ قصةً... صدّقتُها... وجئتُ كي أعيشها...
ما لبثتُ أنهي كلامي معها حتى ظهرتَ من الداخل متحدّثا إلى أحد أصدقائك... نظرتَ إليّ كأن لم يكن في هاتفي سطور لك.. حينها فقط تمنّيت اللحاق بتلك الآنسة لاسترداد ورودي قبل أن أصبحَ حمقاء أمام كلينا!
اكتفيتُ بالصمت طالما أنّي لا أملك جُبنَ الفرار ولا شجاعةَ الوقوف أمامك... خشيت إن لفظتُ اسمي معرّفةً عن نفسي أمامك أن تنظرَ إليّ باستغراب وكأنّ الحروف ما مرّتْ في أذنيك... أو أنّ الاسمَ لم يحتلَّ من ذهنك مكانًا... فهل كانتْ رسائلنا الصامتة في موقع التواصل الاجتماعيّ كافيةً لتحدثَ في عواصفك ما أحدثتْه في أعماقي؟
خوفي من تلك اللحظة جعلني أبقي مسافة المجهول بيننا لأنّني أخاف إحراق لحظة الانتظار... أخافك يا رجل العواصف الغامض...
عدتَ إلى الداخل ولحقتُ بك بعد دقائق. كنتَ قرب الباب تتلقّى مكالمة هاتفية وإذ بالآنسة تخرج مبتسمةً فهي تحرص على إخفاء ما اتّفقنا عليه خارجًا، لكنّني لم ألحظ سوى عينيك حينها، فسماع صوتك والنظر إليك في آنٍ كانا كفيلين بقطع الدم عن أطرافي وإحساسي بدوار جعلني أسرع في خطواتي لانتقاء مقعد: أيّ مقعد بعيد عنك وقريب منك.
أؤكد لك، من كلّ تلك الأمسية ما شدّني سوى وقوفك أمام المنبر... وكم لاق بك ذاك المنبر!
ولكنني أعترف أن تلك الحسناء... استوقفتْني، لاحظت الانسجام الواضح... الفاضح... بينكما... بدتْ لي حسناء هاربة من عصر ما بعد الجاهلي بيومين، ممتطيةً فرس الشعر بكلّ ما ازدانت به من غرور امرأة لا مبتغى لها سوى "تحجيم" رجل ظنّت أنّه خُلِق ليحبّها، ففي ذلك العصر، كما تعلم، كانت مهام الرجال محدودةً بعض الشيء... ولكن ماذا عن رجال اليوم؟
فاجأني دخول رجل يحمل باقتي... باقتك... يقدّمها إليك معلنًا أنّه لا يعرف ممّن...
اكتفيتَ باستلامها... لتضعها جانبًا؟ ظننتك ستلقاها مبتسمًا كما لم تفعل حين رأيتَني هناك... خلتك ستلتقط المغلف كي تعرف من المرسل... أكنت تتوقّع وصول الورد؟
كتبتَ لي مرّة أنّ ماضيك لم يمتْ بعد... هل قصدتَ أنّه مازال واقعًا؟ هل تتوقّع منها وردًا؟ أم أنّ الورد لا يعنيك؟
أخاف أن تكون الحقيقة أنْ ليست تعنيك ورودي!
كنتُ أحاول استراقَ النظر كي لا تقتلني تساؤلاتي عن ذاك المغلف وتحوّل الكرسي حيث أجلس إلى جمر، لكنّني كنتُ أتحاشى التقائي بعينيك وأنا أزرع عينيّ على الطاولة أمامك. سألتْك الشاعرة الجالسة إلى يمينك إن كان الورد لك فوددْت أن أصرخ أنه لي وأذهب لأنتزعَه من أمامك ولتكتفِ أنتَ بمن أحاطوك بهنّ من شاعرات!
أتدري؟ رغم كل ذلك لا يسعني إلا أن أعترف أنّ تلك الأمسية كانت صلاةً!
قد أحاطوك بشاعرتين، فمن منهما النار؟ ومن منهما الجنة؟ أم أنّك ما اعتدتَ الصلاة ولا اعتدت التسليم؟ ما اعتدتَ سوى تغيير خريطة عالمي كي تغرقَ برّي بالمياه.
في نهاية الحفل الشعري غرقتَ في الأضواء والتحيات لهذا وذاك وتلك... مللتُ تحياتك كثرة ما أطالت مسافة المجهول بيننا فقرّرت إخلاء موقعي ورحلت...
غفوتُ على وسادة من خيبات وصحوتُ في الواحد والعشرين من الشهر الثاني عشر على وسادة من أمل... أغلى ما قرأتْ عيناي: "حبّذا لو كنتِ أنتِ بدلَ الورد... أو صوتك بدلَ القصيدة... "
كثُرَتْ دراسات العلماء عن نهاية الكون في هذا اليوم... دنياهم استمرّتْ ودنياي توقّفت.
ردّك كان قهوةً صباحيّةً أنستْني ساعاتِ نومي السابقةَ واللاحقة... هل أذبتَ شعرَك في فنجانٍ وقدمتَه لي؟
- من أخبرك أنّ الورد منّي.
- بصمة عطرك.
- كم كنتُ حمقاء!
- لم تكوني... لمَ؟
- جئتُك بالورد يا من فيك كلّ العطر! كم كنتُ حمقاء!
- سأراكِ هذا المساء؟
- لا فرق... حتّى لو أتيتُ لن تعرفني؟
- لمَ لم تلقي التحيّة البارحة؟ كيف لي أن أعرفك دون أن أراكِ؟
- لا أدري... لم أقوَ على الاقتراب... أصدقاؤك لم يفسحوا المجال لغريبة.
- لا خطوط تماس للطيور ولا حواجز تعصى على الأنوثة والعطر.
لم تلاحظ طبعًا أنّنا لبسنا الألوان نفسها في يومين متتاليين...
الألوان نفسها فماذا عن الأحلام؟
كنتُ أكيدةً أنّك تفوقني بأعوام وأفوقك بأحلام...
دخلتَ وصمتَ كلّ شيء حولَك إلّا نبضة حاولت الصمود أمام ما فاض بك من شعر وعطر...
لا أعلم إن كان شغفي باللّقاءات الأدبيّة صادقًا أم بسببك فمذ علمتُ بكَ وأنا أطارد سطورَ روايتي في أماكنَ تجمعني بك.
كمبدأ لعبة رعاة الأبقار ولكن بصورة معاكسة: بيننا من يلقِ رصاص التحيّة أوّلًا يكن الخاسر لأنّه سيكون نقطة التحوّل بين الوهم والواقع... بين الكتابة واللّفظ.... بين الحلم واليقظة... والخيال دائمًا أبلغ من الواقع... مع ذلك آثرتُ أن أكون الخاسرة على أن أضيع فرصة مصافحتك.
صفحات المحادثة صمتتْ حين تشابكتْ يدانا، عيناي هرعتا تفتّشان عن شاشة حاسوب ولوحة مفاتيح... نسيتُ فطرتي بالتحدّث حتّى سمعتُ صوتك: أهلًا بك على أرض الواقع!
أتدري أن مذ صافحتَني ذاك المساء ما عاد في اليد أصابع... هل ذابتْ على راحة كفّيك أم لم يكُن لي قبل مصافحتك أصابع؟
ابتساماتك المتكررة... نظراتك... ليت القاعة تفرغ للحظات، كم تمنّيتُ ذلك... كم تمنّيتها فارغةً من كلّ شيء إلّانا!
ما عُرض عنكَ على شاشة الصالة تكريمًا لك كان المطلوب! شيء عن حياتك... أشياء عنك... ولندع التفاصيل الباقية لي!
أعلم أنّ جنوني هو من يكتب... لا قلمي... أعلم أنني أرى ما أريد أن أراه لأصدّق ما حلمت أن أعيشه... لكنّني وجدتُ فيك بطلَ روايةٍ يجب أن تُكتبَ، ولكن بقلم أديبة لا مبتدئة...
فاعذر ما جاء في سطوري...
ليلتها لا أعلم لمَ رحلتُ باكرًا. قلتُ لك حين سألتَني أنّي أخاف التجوال ليلًا وتلك كانت نصفَ الحقيقة، فربّما أخافُ تجوالك أمامي. في تلك الليلة وللمرّة الأولى في حياتي تهزّني قصيدة كما فعلت قصائدك، كنتَ تتقن شدّ الجميع، ترمي شباك كلماتك على من أمامك... وما كان عليّ سوى أن أنجرفَ مع البقيّة...
رحلتُ إذ لم أجد إجابةً عن سؤال قد تطرحه بعد الأمسية...
كيف سأقف أمامك وبأيّ يد أصافحك قبل الرحيل، قد بدأتُ كتابة روايتي فكيف أجمعك سلامًا وروايةً بيدي اليمنى؟ ليتني اعتدتُ السلام باليسرى!
... يتبع
من منصة مرداد كان معكم رنيم عزام
تصفح ايضا: