01 يناير . 4 دقائق قراءة . 1117
تقوم حياتي في هذه الأيام على ركيزتين :- أنكولتك.
المسيح في السماء وميّ على الأرض
وهي جناحاي والنور
في عينيّ والقوة في بدني ،
هكذا كتب ميخائيل نعيمه لابنة أخيه ميّ .
فقد كانت ميّ عموداً فقرياً في هيكل نظام ميخائيل نعيمه اليوميّ الذي منه انطلق الى عالمه الأوسع منذ تاريخ عودته الى لبنان من أميركا في 9 أيار سنة 1932 وحتى رحيله في 28 شباط 1988.
كان قنديل ميخائيل نعيمه ما يزال مضاءً وهو يتهدّج في أنفاسه الأخيرة :
- ميّ, ولْعي لي سيجارة.
- أنكولتي، مش لازم تاكل قبل؟
- ولْعي لي سيجارة.
وتتالت السجائر، واحدة تلو الأخرى، الى أن أصبحت ثلاث ، كان ميخائيل يأخذ من كلّ منها مجّة واحدة ثمّ يعطيها لميّ على التوالي؛ وميّ تطفئها في المنفضة بقرب عمّها المتمدّد على كنبته المفضّلة في غرفة الجلوس بمنزله الشتويّ في الزلقا .
كانت هذه عبارات ميخائيل الأخيرة .
فآخر ما تكلّمه نعيمه كان مع ميّ ولميّ ، وآخر ما لمسه كان يديها، وآخر ما سمعه كان صوتها، واخر ما نظر اليه كان عينيها.
فقد رست سفينة ميخائيل نعيمه بعد إبحار سنيها الـ 99 عند شطآن ميّ ، لتكمل رحلتها الأبديّة حاملة ميّ ومحبّتها في ثناياها.
ها هي ميّ تطل على ميخائيل نعيمه وهو منشغل في كتابه نجوى الغروب :
-أنكولتي مش ناوي تتغدّى اليوم؟
أنكولتي، يقول ميخائيل في كتابه نجوى الغروب، كلمة نحتتها مي من كلمة أنكل الانكليزية ، التي تعني العمّ، وذلك زيادة في التحبّب.
ماتت التي ولدتني . والموت يطوي الكلّ - حتى الوالدات. ماتت وفي لحمي وعظمي ودمي بقايا من لحمها وعظمها ودمها ، وفي القلب من أنباضها أنباض ، وفي الصدر من أنفاسها أنفاس ]...[ فكأن بَعضيَ مات بموتها ، وكأن بعضها ما يزال حياً في حياتي . فكلانا ميت . وكلانا حي .
هذا ما كتبه ميخائيل نعيمه في كتابه سبعون (الجزء الثالث) عندما رحلت عنه والدته.
أجل، اليوم، رحلت ميّ نفسها.
رحلَت ميّ في 15 كانون الثاني 2014.
فبعضيَ أنا، سهى، مات بموتك يا أمّي، وبعضك مايزال حياً فيّ .
أحاول أن ألمّ شتات ذاتي، فتضجّ أصداء سنيّ طفولتي مع جدّي ميخائيل ( جدّو ميشا ) ومع أمّي ميّ (ميّا نور عينيّا) في منزلنا بالزلقا، وتتحوّل الى صلاة.
فأيّ عسل سنديان أنت يا ميّ ... فالسنديانة رمز ما هو خالدٌ منك فيّ، والعسل رمز ما يبقى منك في فمي إذ أناديك وفي كياني إذ أصلّيك.
أجل يا ميّ، عسل سنديان أنت.
وبعض ما كتب ميخائيل الى ميّ يوم عيد مولده، في 17 تشرين الاوّل 1985:
إن محبتّك يا بنيتي لتجعلني أشعر، وقد جاوزت التسعين، كما لو كنت-
لا أزال في شرخ الشباب فأيّ نعمة وأي بركة أنت في حياتي !
رحلت ميّ نعيمه، رحل إكسير الحياة، ولم يبق بالبيت سوى عسل السنديان. وهذه الكلمات لا لأنكولتك ما زالت معلّقة على الحائط:
يا ميّ- 17 تشرين الأول 1985
،يا شمسي ويا قمري !
حبّوبك
أنكولتك
لقد زدتِ يا أمّي الحياة سعةً ودفئاً،
وأحييت الموت بنبض أمومة لا ينتهي.
فكل بُعدٍ وأنت أمّي ...
وكل أمّ وأنت عمري ...
إلى ميّ- عمّك ميخائيل
اليوم عيد الأم. وأنت نادرة بين الأمهات. نادرة بمحبّتك التي لا تعرف الحدود.
...
صانك الله يا بنيتّي من كلّ أذى.
16 يناير . 2 دقيقة قراءة
21 فبراير . 8 دقائق قراءة