17 أكتوبر . 10 دقائق قراءة . 1609
الحبيب أوشو...
الليلة الماضية كنت أقرأ "كتاب مِرْداد"، كان كتابًا جميلًا وقويًّا لدرجة أنني لم أستطع التوقف عن قراءته لساعات؛ ثم فجأة شعرت أن أنفاسي قد تغيرت، ووجدت نفسي على حافة البكاء، ولم أكن أعرف ما إذا كان شعورًا بالحزن، أو اليأس، أو النعيم، أو الثلاثة في الوقت نفسه.
حاولت معرفة ذلك من خلال قراءة الكلمات مرة أخرى، لكنني أدركت أن عقلي لم يفهمها حقًّا عندما تمعّنت فيها. كيف يمكن للكلمات التي لا يفهمها العقل أن تلمسنا بعمق؟
لمن يرغب بالاطلاع على النسخة الأصليّة باللغة الانجليزيّة، فهي متوافرة على الرّابط الآتي: https://mirdad.app/articles/400/Osho-and-The-book-of-Mirdad
هناك ملايين الكتب في العالم، لكن "كتاب مِرْداد" أهم بكثير من أي كتاب آخر في الوجود.
من المؤسف أن قلة قليلة من الناس يعرفون "كتاب مِرْداد" لسبب بسيط هو أنه ليس كتابًا دينيًّا. إنه حكاية، خيال، لكنه يحتوي على حقيقة عميقة.
إنه كتاب صغير، لكن الرجل الذي أخرج هذا الكتاب إلى النور... واهتم بكلماته، لا أقول هنا: "الرجل الذي ألّف هذا الكتاب". لم يكتب أحد هذا الكتاب، أنا أقول: إن الرجل الذي أخرج هذا الكتاب إلى النور، كان مجهولًا، أو حتى لا أحد.
هذا الرجل كان اسمه "ميخائيل نعيمه".
إنه كتاب غير عادي، بمعنى أنك تستطيع قراءته ثم تشتاق إلى قراءته مرة أخرى؛ لأن معنى الكتاب ليس في الكلام الذي يحتويه، لكنه يجري جنبًا إلى جنب في صمت بين الكلمات، بين السطور، وفي الفجوات.
إذا كنت في حالة تأمل، إذا كنت لا تقرأ قصة خيالية فقط، ولكنك تواجه التجربة الدينية الكاملة لإنسان عظيم، وتستوعبها، وكذلك أنت لا تفهمها فكريًّا ولكنك تتشربها وجوديًّا؛ فالكلمات موجودة لكنها تصبح ثانوية، فيما يصبح شيء آخر أساسيًّا: إنه الصمت الذي تخلقه هذه الكلمات، والموسيقى التي تخلقها هذه الكلمات أيضًا. الكلمات تؤثر على عقلك، أما الموسيقى فتذهب مباشرة إلى قلبك.
هو كتاب يقرأه القلب لا العقل، لا يجب فهمه، بل من الواجب تجربته. إنه شيء استثنائي.
الملايين من الناس حاولوا تأليف كتب كي يتمكنوا من التعبير عمّا لا يمكن وصفه، لكنهم فشلوا تمامًا. إلّا أنني أعرف كتابًا واحدًا فقط، "كتاب مِرْداد"، هو الوحيد الذي لم يفشل. إذا قرأته من دون أن تتمكن من الوصول إلى جوهره؛ فسيكون ذلك فشلك وليس فشله.
لقد خلق هذا الكتاب أداة كاملة من الكلمات والأمثال والمواقف. إذا سمحتَ بذلك؛ يصبح الكتاب حيًّا وتشعر كأن شيئًا ما بدأ في الحدوث لكيانك. وبطبيعة الحال، لأنك لم تصادفْ مثل هذه الحالة من قبل؛ فأنت في حيرة بشأن ماهيتها، هل تعبّر عن الحزن؟ أم النعيم؟ هناك دموع، لكن تلك الدموع يمكن أن تكون إما حزنًا أو مصدرًا لفرح عظيم.
لقد وصلتَ إلى نقطة لم تبلغها من قبل؛ لذلك بطبيعة الحال لا يمكنك تصنيفها، ولا يمكنك تمييزها وفقًا لخبراتك القديمة. لكن الاسم لا يعني أي شيء، ما يهم هو أنك قد اتخذت خطوة أبعد من نفسك، لم تكن أبدًا في هذا الفضاء. لقد دخلت في المجهول، ومن غير المعروف تمامًا أنه ليست لديك المفردات حتى لإعطائه اسمًا.
انظر فقط إلى النقطة ذاتها: قد يبدو الأمر مثل الحزن... فلأول مرة في حياتك ستدرك أنك لم تكن على قيد الحياة حتى الآن، وكأن حياتك بدأت اليوم.لعل هذا يجلب لك حزنًا كبيرًا؛ ذلك أنك كنت على قيد الحياة، ولكن بمعرفة هذه التجربة الجديدة؛ تصبح حياتك التي عشتَها دنيوية جدًا، من دون معنى؛ لذا من الأفضل أن نقول إنها كانت موتًا أكثر منها حياة. وينشأ الحزن جرّاء ذلك؛ فتتساءل: "لماذا لم أتمكن من الوصول إلى هذا الفضاء من قبل؟" إنه قريب جدًّا؛ بمجرد خطوة بسيطة خارج حدود عقلك القديم؛ تصبح السماء بأكملها بكل نجومها متاحة لك.
لقد كنت حبيسَ هذا السجن الصغير، من دون أن يسجنك أحد. كنت أنت السجّان والمسجون في آن.
بطبيعة الحال...
حزن ينظر إلى الماضي.لكن لدى النظر إلى الحاضر...
نعيم عظيم، سلام يفوق الفهم
وصمت ليس فقط عكس الصوت...
إنه الصمت الذي يلغي الصوت...
موسيقى من دون آلات،
وأغنية من دون كلمات...
لأول مرة في حياتك تبدأ في ذلك الشعور، وتقول لنفسك: "حتى الآن كنت أعيش محكّمًا عقلي؛ وفي هذه اللحظة بالذات تُفتَح أبواب قلبي".
هناك قصة صينية قديمة، بسببها ظهر مثَل مفاده أن الموسيقي عندما يصبح محترفًا؛ يحرق أدواته، إنها لا تصبح عديمة الفائدة فحسب، بل تصبح مصدر إزعاج لأنها تخلق ضوضاء فقط. وبين الضوضاء توجد لحظات قليلة من الموسيقى؛ فلماذا لا تكون كلها موسيقى؟
عندما يبدع الموسيقي في العزف؛ ينسى أدواته؛ فيسود الصمت الذي هو موسيقاه الوحيدة...
وعندما يبرع رامي السهام في ذلك، يُسقِط قوسه وسهامه وينسى كل شيء.
مثَل غريب؛ لأننا عادة نعتقد أنه عندما نصبح كاملين؛ فإن أدواتنا ستصل إلى الكمال معنا؛ وسيصبح عملها كاملًا أيضًا...يُعَدُّ "كتاب مِرْداد" أحد أعظم الأجهزة التي تم اختراعها عبر الأجيال، إنه لا يُقرَأ مثل أي كتاب آخر، لا تقرأه كما تقرأ شري بهاغافادجيتا (Shri Bhagavadgita) أو حتى الكتاب المقدس. اقرأه على أنه شعر جميل، كما انتشرت الموسيقى على الصفحات، اقرأه كرسالة من سيد التأمل. الكلمات كلمات رمزية؛ لا تبحث عن معناها في القاموس؛ معناها يأتي كما لو يُضرَب شيءٌ في قلبك.
من خلال ذلك، ولدى قراءة "مِرْداد" ، تشعر أن تنفّسك تغير، وهنا يجب أن تفهم جيدًا: تنفّسك يتغير مع كل شعور من مشاعرك. عندما تكون غاضبًا، انتبه: ستتنفس بطريقة مختلفة، غير منتظمة، وفوضوية. أما عندما تكون في حالة حب، فقط تمسك بيد الحبيب، وسيكون تنفسك مختلفًا، سلميًّا، صامتًا، موسيقيًّا، ومتناغمًا. هذه أشياء بسيطة، وأنا فقط أعطيك أمثلة لتفهمها.يصبح التنفس متناغمًا لدرجة أنك قد تعتقد أحيانًا أنه توقف. ستكون هناك لحظات تتساءل فيها فجأة: "هل حقًّا توقف تنفسي؟" لأن قلبك سيكون صامتًا لدرجة أنك لا تستطيع أن تشعر بحركته.يحدث هذا لدى قراءتك "مِرْداد" ؛ إذ تشعر أن تنفسك يتغير. سيكون ذلك جميلًا، ولأنَّ تنفسك تغير؛ تكون قد وصلت إلى مرحلة لم تكن فيها حاسمًا، سواء أكنت حزينًا أم صامتًا، سعيدًا أم منتشيًا، لا يمكنك أن تقرر، لأن الشعور جديد جدًّا عليك ولا تعرف في أية فئة تضعه.لكني سأقول لك: لقد كنت حزينًا، حزينًا لأنك أهدرت حياتك كلها، فيما كانت هذه المساحة قريبة جدًّا منك، كان عليك الوصول إليه فقط وسيكون متاحًا بين يديك. كنت حزينًا، تمامًا مثل المتسول الذي سيحزن عندما يعرف أنه الإمبراطور وكانت هناك بعض الأخطاء؛ فالمتسول جالس على العرش والإمبراطور الحقيقي يتسول في الشوارع. كل تلك السنوات من التسول غمرها الضباب والحزن...
ستشعر أيضًا بالصمت، لأن "كتاب مِرْداد" أبدعه رجل يعلم بكوامن الوعي البشري. هو لم يكن كاتبًا. ومن ثمَّ، لم يكلف أحدًا عناء منْحه جائزة نوبل. كان حيًّا في هذا القرن، وكان معاصرًا لنا. وكتابه لم يُترجَم إلى العديد من اللغات لسبب بسيط هو أنه كتاب فريد من نوعه؛ إنه ليس كتابًا، إنه جهاز. وليس المقصود من قراءته أن تقرأ فقط، بل تهدف القراءة إلى خلق جو معين من حولك. إذا كنت جاهزًا، ومستعدًّا، ومتقبّلًا؛ فسيُخلق الجو وسيكون هناك صمت كبير... والصمت دائمًا نعيم.بعد كل ذلك تشعر بالارتباك كثيرًا: كان هناك حزن بسبب الماضي، وصمت بسبب الحاضر؛ والصمت يجلب دائمًا زهور النعيم.حينها تعتقد أنه لا بد من وجود شيء ما بين الكلمات؛ لذلك تعيد قراءة هذه الكلمات مرة أخرى. لكنك لم تتمكن من العثور على ذلك الشيء المخبَّأ. في هذه الكلمات لم تجد شيئًا، كانت كلمات عادية. إذًا من أين حدثت هذه التجربة؟
كان كل شيء يحدث لأنك على الطريق... أنت جزء من مدرسة غامضة... أنت طالب.
كل ما حدث ما كان ليحدث لك لو لم تكن على الطريق، لقد حدث لك ذلك لأنك كنت تستعد لهذا الحدوث، و"كتاب مِرْداد" ببساطة هو الذي أثار ما كان سيحدث بالفعل. كان من الممكن أن يحدث من دون "كتاب مِرْداد" ، ولكنه سيتأخر...قد يجد الرجل وهو على طريق حياته... أن الاستماع إلى الموسيقى يحدث أحيانًا. قد يكون الموسيقي رجلاً عاديًّا، وقد لا يعرف شيئًا عن الصمت والنعيم، لكن موسيقاه يمكن أن تثير شيئًا من ذلك فيك. قد ينجم ذلك عن رؤية غروب الشمس، في حين أن غروب الشمس بعيد. وقد ينتج ذلك الشعور عن عطر الورد أيضًا.لكن تذكّر شيئًا واحدًا: فقط لأن "كتاب مِرْداد" ساعدك في الوصول إلى مساحة جديدة في نفسك؛ فلا تخبر الآخرين بقراءته؛ ربما سيجدونه مجرد خيال عادي، حتى لو كان جميلًا. شيء واحد فقط:
لا تخبر الآخرين
،
"اقرأ كتاب مِرْداد، فهو يجلب لك مثل هذه التجارب الجميلة". في المقابل قد لا يجلب لهم أي شيء. ثانيًا، نظرًا إلى أنه قدّم لك تجربة جميلة هذه المرة؛ فلا تقرأه مرارًا وتكرارًا من أجل الحصول على التجربة نفسها. فأنت هذه المرة لم تكن تتوقع شيئًا، أما في المرة القادمة ستكون مليئًا بالتوقعات. سوف تنتظر وتراقب ما يحدث، ولن يحدث ذلك. من حين لآخر يكون ذلك ممكنًا، لكن الشرط الأساسي الذي عليك الالتزام به هو إلغاء التوقعات.وأقول لكم: لأن التجربة حدثت مع "كتاب مِرْداد"؛ يمكن أن تحدث من خلال العديد من الطرق الأخرى. أنت جاهز لها، تحتاج فقط إلى دَفعة بسيطة. كن مستعدًّا لجميع المواقف التي يكون فيها هذا الدفْع ممكنًا، ولكن من دون أي توقع. فقط للاستمتاع... رقصة جميلة، موسيقى جميلة، لوحة جميلة، أو حتى مجرد الجلوس بجانب البحر وموسيقى الأمواج أو الموسيقى المستمرة أو تأمّل القمر... أي شيء قد يساعدك على عيش التجربة، لكن لا تتوقعْه.يمكن أن يكون "كتاب مِرْداد" مفيدًا للغاية إذا لم تكن تتوقع شيئًا منه، وهو كتاب يستحق القراءة آلاف المرات. لا يمكنك فهم معناه الواسع في قراءة واحدة؛ ففي كل صفحة، كل منعطَف، كل فصل، وكل سطر، هناك احتمال... بسبب الرجل الذي كتبه...
أنا أفهم جيدًا ذلك الرجل، كان أحد أعظم الرجال في هذا القرن، لقد عاش غير معروف للعالم، لكن هذا الكتاب وحده جعله أعظم كاتب ليس فقط في هذا القرن ولكن
في كل القرون.يجب أن يكون "كتاب مِرْداد" في كل منزل؛ فهو ثمين للغاية.
إنه يلامس قلبك.
فقط لا تحاول الحصول على توقعات، وسوف يساعدك على اتّباع الطريق بشكل كبير.
إنه يلامس قلبك.
من كتاب The Osho Upanishad
ترجمة صفاء الشيخ لفريق مرداد
16 يناير . 2 دقيقة قراءة
21 فبراير . 8 دقائق قراءة