قراءة في رواية (أسرار البيت الأندلسي)

22 يونيو  .   10 دقائق قراءة  .    1694

غلاف الكتاب

مُلَخَّص

ينطلق الروائي واسيني الأعرج في روايته أسرار البيت الأندلسي من عمقه الموريسكي المتجذر في كيانه وجيناته المتوارثة، ويروي حكاية بيت بناه شخص يدعى سيدي أحمد بن خليل في الجزائر، وهو أندلسي موريسكي عانى من عذاب وظلم محاكم التفتيش بعد سقوط الأندلس  ومن التحولات الهامة التي رافقت تلك المرحلة من عذابات اجتماعبة وسياسية واقتصادية. وخلال هذه المرحلة، هجر قسرا إلى الجزائر حيث بدأ حياة جديدة. يمرُّ على البيت الأندلسي الكثير من الأحداث والتحولات، منها السارة ومنها المؤلمة، إلى أن ورثه مراد  باسطا مع مخطوطة تاريخية تحكي عن تاريخ العرب في الأندلس وما تعرضوا له من هزائم وقمع وتعذيب على يد  تلك المحاكم. حاول مراد باسطا الحفاظ على البيت بكل الوسائل القانونية الممكنة، ولكن كل محاولاته أخفقت وباءت بالفشل بسبب سلطة لا يهمها إلا الربح السريع ولا يعنيها التراث والتاريخ من قريب أو بعيد.

 

تفاصيل القراءة

جلسة: 29 أ كتوبر 2020

رواية: أسرار البيت الأندلسي

التصنيف: سردية

المؤلف: واسيني الأعرج

تاريخ النشر: 2019

دار النشر: دار الآداب للنشر والتوزيع – بيروت 

عدد الصفحات: 471

 

المؤلـــف

واسيني الأعرج روائي جزائري، ولد بقرية سيدي بوجنان في الجزائر. حصل على الليسانس من جامعة وهران في الجزائر وعلى الماجيستير والدكتوراه من جامعة دمشق. أستاذ كرسي بجامعة الجزائر المركزية منذ عام 1985 وأستاذ بجامعة السوربون منذ 1994. يعتبر أحد أهم الأصوات الروائية في العالم العربي. تنتمي أعماله إلى المدرسة الجديدة التي لا تستقر على شكل واحد وثابت بل تبحث دائماً عن سبل تعبيرية جديدة. تم اختيار روايته حارسة الظلال في 1997 ضمن أفضل 5 روايات صدرت في فرنسا، كما تم اختياره في 2005 كواحد من ضمن 6 روائيين عالميين لكتابة التاريخ العربي الحديث. ترجمت أعماله إلى عدة لغات منها: الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، السويدية، الدانماركية، العبرية، الإنجليزية، والإسبانية.

من مؤلفاته:  البوابة الحمراء 1980، طوق الياسمين 1981، نوار اللوز 1983، حارسة الظلال 1999، البيت الأندلسي 2010، مملكة الفراشة 2013، نساء كازانوفا 2016. كما حصل واسيني على الجوائز التالية: جائزة الرواية الجزائرية على مجمل أعماله 2001، جائزة المكتبتين الكبرى على رواية كتابة الأمير2006، جائزة الشيخ زايد لكتاب 2007، الدرع الوطني لأفضل شخصية ثقافية في        إتحاد الكتاب الجزائريين، جائزة أفضل رواية عربية عن البيت الأندلسي 2010، جائزة الإبداع العربي التي تمنحها مؤسسة الفكرالعربي عن رواية أصابع لوليتا 2013، جائزة كتارا للرواية العربية لفئة الروايات المنشورة عن روايته مملكة الفراشة 2015.

 

الرواية

بعد سنوات قليلة من روايته حارسة الظلال الذي تحدث فيه واسيني الأعرج عن سليل سرفانتيس في الجزائر العاصمة، عاد الكاتب إلى موضوع التراث الأندلسي لبلاده في رواية أسرار البيت الأندلسي الذي نشر باللغة العربية في عام 2010 ، وهي رواية تتناول خمسة قرون من التاريخ الجزائري الذي نتنقل فيه بسهولة وبسلاسة تامة من خلال الروح الرومانسية للرواية. تجمع الرواية السرد التاريخي والملحمة الروائية (Saga) ، فمن خلال التنقل بين القرن السادس عشر وعصرنا الحاضر، روى واسيني صراعات هذين العصرين وانتكاساتهما الإجتماعية والتاريخية.

مراد باسطا، عجوز يعيش وحده في مبنى الخدم الملحق بالبيت الأندلسي (الذي أعطى اسمه للرواية)، منزل عمره عدة قرون بناه سيدي أحمد بن خليل أو غاليليو لحبيبته سلطانة بعد ترحيله عنوة من إسبانيا بعد وصول إيزابيلا الكاثوليكية إلى السلطة عام 1570. أعتقل سيدي أحمد بن خليل بعد أن حمل السلاح في وجه الاسبان للدفاع عن حقه في الوطن الذي لم يعرف غيره، وسلم لمحاكم التفتيش التي قامت بتعذيبه وإهانته إلى أن ساعده في النجاة كاهن إسمه أنجيلو ألونسو، ووضع على سفينة ورحل إلى الجزائر العاصمة أو المحروسة. حمل معه الى المحروسة روائح الأندلس وعشقه لها وشوقه إليها وفيها بنى البيت الأندلسي الذي حلم به مع حبيبته سلطانة التي اضطر إلى تركها مرغماً في الأندلس.

لم يرث مراد الأعجوبة المعمارية فحسب، ولكنه ورث أيضاَ مخطوطة ثمينة كتبها جده الأول بلغة الخيميادو (اللغة الإسبانية في ذلك الوقت مكتوبة بالأبجدية العربية، وقد اعتمدها الموريسكيون للحفاظ على تراثهم من محاكم التفتيش خوفاً عليها من الإندثار). وهذه المخطوطة هي الدليل على شرعية ملكه للدار. في الواقع أصبحت الأرض التي يشغلها البيت وبستانه هدفاً للمستثمرين الذين يريدون وضع اليد عليها لبناء برج عال مع منازل ومحلات تجارية على الطراز الغربي.

بعد أن تخلى عنه جميع ورثته إلا حفيده سليم الذي استمات في الدفاع عن البيت ومحاولة المحافظة عليه وتحويله إلى دار للموسيقى كما كان على وقت لالا سلطانة، أو متحف أو دار بلدية، والصحفي يوسف النمس  الذي هدد واستهدف أكثر من مرة من قبل القتلة ، والفتاة مسيكا  التي هي من أصول موريسكية أيضا، وهي التي حافظت على المخطوطة من الضياع والحرق. بدأ مراد معركته الشرسة والخاسرة للحفاظ على البيت الأندلسي ضد الفاسدين والسياسيين وعديمي الضمير من المطورين العقاريين المدعومين من إدارة فاسدة لا تهمها إلا مصالحها. المعركة انتهت بإضرام النار في البيت لمحوه عن الخريطة.

يتناول هذا الكتاب الموثق جيداً، وغير الممل أبداً، فصولاً من عصور مختلفة ويطير بنا عبر القرون، في زمن العرب في الأندلس إلى القراصنة والعثمانيين والإنكشارية في الجزائر،  مروراً بالإحتلال الفرنسي  الذي حول البيت الأندلسي إلى أول قاعة بلدية في الجزائر، ومن ثم إلى مقر إقامة نابليون الثالث، مروراً بالثورة الجزائرية وحقبة الإسلاميين.

في الرواية نداء وحنين إلى مجتمع تندمج فيه كل الأبعاد التاريخية والثقافية، بما في ذلك التاريخ الأندلسي. وفيها انتقاد لا هوادة فيه ضد الإنجرافات السياسية التي تؤثر على حياة الجزائريين، وضد الظلم والبحث المحموم عن الربح المادي، وضد طبقة بيروقراطية أياديها ملطخة بالفساد وربما أيضاَ بالدماء. واسيني  يدعو للقاء الثقافات والتسامح، ونرى ذلك بكل وضوح عند زيارة التلاميذ للبيت وشغفهم بمعرفة كل ما يخص تاريخ وثقافة الجزائر.

ومن أهم عناصر التشويق التي استخدمها واسيني في الرواية الإيهام بالحقيقة: من خلال القراءة نميل الى اعتبار النص واقعيا أو حقيقة جرت أحداثها في الواقع من خلال ما قالته مسيكا في المقدمة. وأيضا حين ذكر أن سرفانتيس، مؤلف كتاب دون كيخوت، التقى بجاليليو في الجزائر حين كان رهينة عند الريس حسن، ودون كيخوت نفسه قال أنه ترجم دون كيخوت من مخطوطات حصل عليها من أحد النبلاء العرب واسمه سيد حامد بن حلي.  وبالرغم من أنه لم يلتق الرجل قط، في الرواية نذهب بالاتجاه الآخر. ألحواشي والتعليقات أثرت الرواية بالمعلومات التاريخية كمحاكم التفتيش، وكأدق التفاصيل التي تضعها مسيكا في ورقات المخطوطة من لغة وخط وعدد الثقوب والترميم.                                                  

 

آراء الراويات 

وجدت الراويات أن شخصية واسيني موجودة في الرواية من خلال شخصية أحمد بن خليل أو جاليايو، الذي عانى من طغيان الملوك الكاثوليك. فجد واسيني، رمضان، انغلقت عليه السبل في غرناطة في القرن السادس وهاجر الى المارية بعد الترحيل الضخم الذي قام به الملك فيليب الثاني بعد اتفاضة جبل البشارات، وقد ذكر هذا في سيرته الروائية أنثى السراب. كما أن مسيكا التي قامت بتجميع أخبار البيت الأندلسي، كانت امتدادا لصوت جده "انها صوتي الأعمق والأخفى".

كما وجدت الراويات أن الهاجس الموجود دائما في الرواية هو المنفى: "انت تتمنى أن تغرق السفينة المكلفة بنقلك نحو أرض لم تتهيأ لها أبدا". وأن الرواية تنحاز الى الحق من خلال دفاع مراد باسطا المستميت عن حقه في البيت الأندلسي، وهي تمثل الصراع الدائم بين الحق والباطل والمظلوم ضد الظالم. ووجدن أيضا أن الرواية تتناول الهوية والانتماء وأن هوية الانسان هي إنسانية بغض النظر عن جنسه وهويته وانتمائه. 

كما لاحظت الراويات الغنى التراثي الموجود في الرواية، فبالإضافة إلى غناها بالمعلومات التاريخية، ذخرت بكم كبير من المعلومات الموسيقية وخاصة الموسيقى الأندلسية التي برزت في العناوين المنتقاة: توشية، نوبة، مقام، إيقاع…

 ولاحظن أيضا أن واسيني لم يبك على الفردوس المفقود، أي الأندلس، كما فعل الكثير من المثقفين العرب بل لمسن أن واسيني يعتبر أن العرب دخلوا أرضا لم تكن لهم وبنوا عليها حضارة من أهم الحضارات الإنسانية وأرقاها، وهذه الحضارة غيرت العالم وتأثيرها في أوروبا اليوم لا يحتاج إلى برهان. وخسروها لأنها لم تكن يوما لهم.

وأخيرا وجدن أن للنساء حضورا قويا في الرواية إن من خلال مسيكا (وهي التي أتت بالمخطوطة ورممتها معلوماتيا، وهي التي عرفتنا على مراد باسطا ومخطوطته ودفنته في النهاية، امرأة ورثت أثقالا كبيرة وحاربت حتى النهاية)، أو لالا سلطانة المارانية (أي من يهود الأندلس، زوجة وحبيبة سيدي أحمد بن خليل، التي أسست دارا للموسيقى الأندلسية، وعلمت وحافظت على تلك الموسيقى)، وغيرهما من الشخصيات النسائية التي تناولتها الرواية. 

 

بقلم: شذى عاصم شلق 

تحرير ومراجعة: داليا أبو العطا، سهام جبريل، د.مايا أبوظهر

  3
  6
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال