22 مارس . 7 دقائق قراءة . 1894
الكتاب: الطاعون
الكاتب: ألبير كامو
التصنيف: مترجم /عالمية/أوبئة
ترجمة: د. سهيل ادريس
دار النشر: دار الآداب بيروت
الصفحات :202 صفحة
ولد ألبيرفي مندو في في الجزائر سنة ١٩١٣ وتوفى في فرنسا سنة ١٩٦٠. عمل صحفيا، ومحررا، ورئيسا لهيئة التحري، بالإضافة لكونه كاتبا مسرحيا وروائيا وناشطا سياسيا، وهو فيلسوف عبثي رغم نفيه المتكرر. تجاهل الفلسفة المنهجية، ولم يكن مؤمنا بالعقلانية، عمل على تأكيد العديد من أفكاره الرئيسة بدلا من مناقشتها، وقدم أفكاره في استعارات مجازية، وهذا ما رأيناه في رواية الطاعون على لسان أشخاص روايته. كان منشغلا بالتجربة المباشرة والشخصية، مزجيا جلّ وقته في التفكير بمسائل تتعلق بمعنى الحياة في مواجهة الموت. فصل كامو نفسه بقوة عن الوجودية، وبالرغم ذلك، قام بطرح أحد أشهر المسائل الوجودية المعروفة في القرن العشرين، والتي جاءت في مستهل كتابه أسطورة سيزيف وهي فلسفته عن العبث في مواجهة صورة مدهشة عن مصير الإنسان: حيث يدفع سيزيف بصخرته لأعلى الجبل بشكل لانهائي، فقط ليراها تتدحرج عندما يصل قمة الجبل.
فلسفة كامو حملت أسلوبا سياسيا في كتابه (الإنسان المتمرد)، والذي أكسبه سمعة كأخلاقي فاضل، إلى جانب كلماته الافتتاحية الصحفية ومقالاته السياسية، وكذلك فعلت مسرحياته ورواياته. أدخلته فلسفته وأفكاره في صراع مع صديقه جان بول سارتر، ليثيرا أكبر انقسام فكري-سياسي في عصر الحرب الباردة، خصيصاً بعد انفصاله عن التيار اليساري الشيوعي ومناهضته له بعد مسار دام سنتين. إلى جانب ذلك، بيّن كامو نقده للدين وهذا لوحظ في رواية الطاعون وعصر التنوير وكافة مخططاته.أسس مع باسكال بيا جريدة يومية صدرت في الجزائر وهي "لو سوار ريبوبليكان" وأصبح رئيس تحريرها. عارض من خلالها الاستعمار الفرنسي للجزائر وكل أوجه الاستعمار كما عارض دخول الحرب لمقاتلة النازية. وهي من أكثر المشاهد البارزة في حياته، وقلّما لفت إليها النظر، وقد دافع كامو عن فكرة التفاوض مع هتلر لسوء فهم النازية في بداياتها ودعا إلى إجراء مفاوضات مع هتلر التي من شأنها أن تقلب خزي معاهدة فرساي. حبه للسلام كان تضامنا مع التقاليد الفرنسية العتيقة. ولكن ذلك لا يعني أنه لم يكن مناهضا للنازية وبدرجة كبيرة.
كان كامو يبلغ من العمر ٣٠ عاماً عندما أنهى النسخة الأولى من الطاعون، ولكنه لم يكن راضياً عنها. عمل على نسخة ثانية لمدة ثلاث سنوات أخرى، اختفت عدة شخصيات، وحذفت سبعة فصول وأضيفت عشرة أخر. قال كامو: "لقد عملت بعمق على تأليف هذا الكتاب وفي الوقت نفسه جعلت التأليف غير مرئي. اعتقدت أنه من الضروري أن يكون في الرواية نمطين مختلفين: نمط يتعلق تحديدًا بالأعمال الفردية والنمط الآخر يتعلق بالمأساة الجماعية وتفشي الوباء." ولم ينشر الكتاب إلا في عام ١٩٤٧ حيث حقق نجاحاً ساحقاً على عكس توقعات كامو الذي كان يعتقد أنه فشل في الطاعون.
نال عام 1957 جائزة نوبل للأدب. وتوفي في حادث سيارة، في يناير 1960، وكان عمره آنذاك أربعة وستون عاما.
الطاعون رواية مجازية تشرح لنا وضع مدينة مقطوعة عن العالم، تجسد وضع فرنسا الاستعمارية خلال الحرب العالمية الثانية. الوباء في كلتا الحالتين (أكان احتلالاً أو طاعوناً)، فصل بين المحبين والعائلات والأصدقاء. رامبير الذي حاول بكل الوسائل الخروج من مدينة وهران، جسّد صورة الفرنسيين العالقين في أرض محتلة والذين في النهاية وضعوا أنفسهم في خدمة مقاومة الاحتلال، وتحول سوء طالعهم إلى بطولة.
في وهران، ذات يوم من شهر أبريل اكتشف الدكتور ريو جثة فأر عند مدخل بيته وهو خارج برفقة زوجته إلى محطة القطار، فهي ذاهبة إلى الجبال لتلقي العلاج بسبب مرض غريب أصابها. يلاحظ الدكتور في الأيام اللاحقة اجتياح المدينة من قبل جحافل من الجرذان التي تحتضر. في نفس الوقت يستسلم حاجب الطبيب لمرض عنيف وغامض. تتكاثر الوفيات بطريقة مخيفة. بعد الكثير من التردد تنطق الكلمة المخيفة: "الطاعون". أعلنت السلطات إغلاق المدينة بشكل كامل..
الحبس والخوف يغيران السلوك الجماعي والفردي. رامبرت، الصحفي الباريسي المنفصل عن شريكته، يسعى عبثًا إلى الحصول على دعم ريو للعودة إلى العاصمة. يشعر كوتارد، الممثل الذي حاول الانتحار لأسباب غير معروفة، برضاً غامر لمشاهدة بؤس وتعاسة سكان المدينة. غراند، موظف في دار البلدية، انغمس أكثر من أي وقت مضى في كتابة الكتاب الذي يعيد كتابة الجملة الأولى منه باستمرار. يدعو الأب بانلو المؤمنين إلى التأمل في العقوبة التي أرسلتها لهم السماء. تارو يؤمن بالإنسان فقط؛ وببسالة هادئة، يضع نفسه تحت تصرف ريو، وسرعان ما قلده رامبرت.
زاد الصيف من قوة الطاعون. تنظم المدينة نفسها: يتم قمع الانتفاضات ودفن الجثث وحرقها على عجل. استسلم السكان للقدر وللمرض بدون ذاكرة وبدون مستقبل، استسلام أبعد كل شعور بالحب.
رامبرت، الذي عُرضت عليه فرصة لمغادرة المدينة، تخلى عن المغادرة. قرر القتال حتى النهاية مع ريو وتارو. احتضار الطفل (ابن القاضي أوثون) يحدث ثورة لدى ريو ويثير الارتباك في يقين الأب بانلو، الذي سيموت لاحقاً وهو يحمل صليباً بين يديه. في جو الخريف الدافئ، تصادق ريو وتارو. والجميع طرح على نفسه أسئلة لا جواب لها، ما الجدوى من هذا كله، هل هنالك قداسة بدون الله، لماذا كل هذه الضحايا؟ ومع قدوم الشتاء شفي غراند الذي أصيب بدوره واعتقد الجميع أنه هالك لا محالة، والفضل يعود إلى مصل جديد. تعود الفئران مرة أخرى إلى المدينة، ولكن هذه المرة على قيد الحياة.
يتسبب البلاء في آخر ضحاياه: أوثون، ثم تارو، الذي يموت بهدوء في منزل ريو، الذي بدوره يستلم برقية تعلمه بوفاة زوجته. فُتحت أبواب المدينة أخيرًا. لنكتشف هنا أن الراوي هو الدكتور ريو نفسه، الذي أراد أن يشهد على الكفاح الذي يقوده الرجال ضد الشر. ويدعو إلى اليقظة والتنبه لأن الشر يمكن أن يعود في أية لحظة وفي عدة أوجه.
بعد الرواية عن الخطاب الأخلاقي المباشر المرتبط بظرف سياسي تاريخي محدّد مع التوصيف الدقيق للوقائع في وقت الوباء، منحها مصداقيّة عابرة للأزمنة، علماً أنّ كامو قرأ عشرات الكتب عن تاريخ الأوبئة تحضيراً لكتابة روايته هذه. فيما بدا انحيازه للرّماديّة مناسباً في سياق مزاج "البرجوازيّة المعاصرة" التي تفضّل تجنّب المواقف الصريحة في الحروب الثقافيّة المفتوحة ضد الفاشيّة والعنصريّة العرقيّة. وهي تكتفي بإظهار التضامن الشكلي مع الضحايا من دون أيّ رغبة في دفع ثمن لتصحيح الانتهاكات جذرياً... إنها رواية عابرة للزمن، وشهادة عن المعاناة والألم في أوقات الوباء، وعن تفاني بعض الرجال للكفاح ضد الوباء بمعناه الفعلي والمجازي مع علمهم المسبق بأن هذا الكفاح لا نهاية له.
أراد كامو أن يؤرخ تلك الأحداث للعبر، من أجل العمل والفعل لمساعدة الإنسانية متجنباً السكوت، إنه صوت الكاتب... فهومن خلال شخصياته الافتراضية الشخصيات الافتراضية قدم لنا صورة مجسمة عن الواقع الذي عاشه العالم في تلك الحقبة، وربما نعيشه الآن.
بقلم سهام جبريل و شذى عاصم شلق
تحرير: داليا أبو العطا