قراءة في كتاب (مذكرات تقرير إلى غريكو)

07 يوليو  .   10 دقائق قراءة  .    1316

غلاف الكتاب

ملخص

 

رحلة فلسفية فكرية تاريخية قدمها نيكوس كازنتزاكيس عن بلده كريت وعن حياته الشخصية، رحلة دامية شاقة طرح من خلالها  كثيراً من الأفكار، حيث حدثنا الكاتب عن المسيح وعن بوذا... صاعداً إلى أعلى نقطة وصل إليها وهي كريت، متابعا رحلته إلى سيناء، فإلى جبل آتون حيث تجادل مع الرهبان من أجل الوصول إلى الخلاص. تابع المسير إلى البلقان وروسيا وأعجب بقادة الثورة الشيوعية واصفا لينين بالضوء وستالين بالتراب. في نهاية رحلته أراد كازنتزاكيس أن يخلص الناس من المعاناة قائلا: يجب على الإنسان أن يجد وسيلة للسمو بنفسه رغم الصعاب. فالإنسان الذي لا يتكيف مع المتحولات يتحطم... شغلته أسئلة الحياة والموت وحاول تنوير البشرية لكنه قوبل بالرفض من قبل المجتمع. تحدث كازنتزاكيس عن والده وشجاعته وعن والدته وصبرها، عن طفولته وذكريات المدرسة، تحدث عن المعاناة بصفتها المرشد الذي يصعد بالإنسان من مرتبة الحيوان إلى مرتبة الإنسان. سرد تاريخ الحروب العثمانية مع اليونان، حيث كافح من خارج نفسه ضد الاحتلال ومن داخل نفسه  للتخلص من الحقد والكراهية  والتخلص من الأصنام قاصداً بها الأفكار التي تبقى ثابتة لا تتغّير. وقدم التقرير قبل وفاته إلى جده، فهل وصل إلى الخلاص ليستريح بجانب جده!؟


الكتاب: مذكرات تقرير إلى غريكو 

المؤلف: نيكوس كازنتزاكيس

التصنيف: سير وتراجم ومذكرات 

المترجم: ممدوح عدوان 

جلسة الراويات: 10 أغسطس 2020

عدد الصفحات: 569 صفحة 

دار النشر: دار ممدوح عدوان 

  

المؤلف

 

نيكوس كازنتزاكيس: كاتب وفيلسوف يوناني، ولد في 18 فبراير 1883 وتوفى في 26 أكتوبر1957 اشتهر بروايته " زوربا اليوناني" التي حُولت الى فيلم للمخرج مايكل كاكويانيس، وتجددت شهرته عام 1988 بعد  فيلم "الإغواء الأخير للمسيح" للمخرج مارتن سكورسيس المستوحى من كتابه الذي يحمل العنوان نفسه.

 

كتب الأوديسة في ملحمة مؤلَّفة من حوالي 33 ألف بيتًا. وقد بدأها من حيث انتهت أوديسة هوميروس من حوالي ألف بيتًا 12. وقد اعتُبِرَ هذا العملُ ثورةً في مجال المفردات اللغوية والأسلوب، كما أظهر مدى عمق معرفة كازنتزاكيس بعلم الآثار والأنثروبولوجيا. كتب وترجم العديد من الأعمال الأدبية الهامة، نذكر منها: تصوف، منقذو الآلهة، الثعبان والزنبقة، الحرية أو الموت، فقير أسيزي، الأخوة الأعداء، الأوديسة: التكملة الحديثة (1929-1938)، الكوميديا الإلهية لدانتي، دون كيخوتي ديلامانشا لثربانتس، هكذا تكلم زاردشت لنيتشه، الإسكندر الأكبر (كتاب للأطفال)، وأخيرا كتابه هذا تقرير إلى غريكو.

 

المترجم

 

ممدوح صبري عدوان: ولد في قرية قيرون التابعة لمدينة حماة السورية. وهو من مواليد 23 نوفمبر 1941. هو سوري الجنسية، التحق بجامعة دمشق ليدرس اللغة الانجليزية وتخرج منها في عام 1966. وهو أيضا كاتب وشاعر، ويعد واحدًا من الأدباء السوريين الأكثر غزارة في الإنتاج الأدبي. عرف بكونه المثقف والأديب المشاكس الذي اخترق الصمت عبر مؤلفاته المتنوعة بين الشعر والمسرح والأدب والترجمة. امتاز أسلوب عدوان بالسلاسة ولغته بالبساطة والقرب من القراء. تجاوزت مؤلفاته على اختلاف محتواها الثمانين مؤلفًا والتي مازال العديد منها يطبع وينشر ومنها ما يستخدم كسيناريو مسلسل حتى بعد وفاته.

 

تمهيد

 

كتبت زوجته هيلين  في مقدمة" التقرير إلى غريكو" التمهيدية : عن كتاب "الرسائل" الذي ألفته بعد وفاته وبعد جمع الرسائل المتبادلة بينه وبين أصدقائه، واضعة  نص رثاء ألبير كامو  كاملا قائلة : "وقبل وفاته بسنوات قليلة وبينما كان يصارع المرض القاتل الذي افترس جسده بشراسة، كان نيكوس كازانتزاكيس الروائي  يُريد أن يتسول الزمن من محيطيه... يُريدهم أن يقرضوه ربع ساعة من كل واحد منهم فقط، ليُنهي أعماله المتبقية! تقرير إلى غريكو، إلى جانب انشغاله المكثف على ترجمة الأوديسة إلى الإنجليزية وأعمال أخرى كانت لاتزال تنتظر. " 

 

النص 

 

كتب كازانتزاكيس هذه السيرة على صورة تقريرعن حياته يقدمه إلى جده غريكو( الرسام المشهور) ذي الأصول اليونانية الذي عاش في كريت قبل حوالي ثلاثة قرون،  يعبّرالتقرير في حواريته العميقة لجده عن حياة كازانتزاكيس الفكرية ومساراته المختلفة التي مر بها فكر الكاتب من تحولات في رحلة صعوده إلى الحياة والحرية والإيمان... بطريقته الخاصة فهي مزيج متشابك من سرود متقاطعة... رحلة صعود.

"أكان الصعود إلى الخلاص أم الهاوية... لله أم فقط الموت !!

تسير خلفه وهو يصعد بك لقمة الجبل أو لأعلى ما استطاع أن يصل. ستنظران معاً للهاوية ثم سيجعل من نفسه درجة أخرى أو جسرا لصعودك، ويودعك! هذا هو الواجب الذي ظل يبحث عنه ودأب على فعله حتى موته."

 

يقول كازانتزاكيس: " كانت هناك أربع درجات حاسمة في صعودي، تحمل كل منها اسماً مقدساً: المسيح، بوذا، لينين، وأوليس. ورحلتي الدامية بين كل هذه الأرواح العظيمة، والأرواح الأخرى هي ما سأحاول جاهداً أن أبين معالمه في هذه اليوميات، بعد أن أوشكت الشمس على المغيب. "

 

"الصعود أن تتسلق سلسلة من الخطوات، من المعدة المتخمة إلى الجوع، ومن

الحلق المبلل إلى الظمأ، ومن المتعة إلى المعاناة،

الله يتربع على قمة الجوع والعطش والمعاناة،

و الشيطان يتربع على عرش الدعة،

فاختر!"

 

بدأ نيكولاس رحلته متأثرا بقراءاته وهو طفل عن أساطير القديسين وحكايا الجنيات، وكان يسترق السمع جيدا! وكل ذلك كان يدخل في وعيه بعمق مما جعله في مقتبل حياته يقوم برحلات حج واسعة للبحث عن الحقيقة التي كانت تؤرقه. في الأديرة والكنائس يقابل القساوسة والرهبان ويدخل معهم في اعترافات وحوارات وتجليات، يعيش حياتهم ولكن ذلك لم يزده إلا هوى للغوص في متاهاتها. بعد انتهاء كازانتزاكيس هو ورفيق رحلته من التجول بين الجبال والأديرة والجلسات التي جمعتهما بالرهبان، يقول: «وأنا أتجول عبر الصحراء عند طرف سيناء، شعرت قلبي ينبض بشكل متناغم، إن الخروج من أرض العبودية قد بدأ، إننا نعبر الصحراء.  وأن هناك درجات أخرى يجب أن يُكافح ليصل لها، فترك صديقه القسيس وصعد". 

 

كان بوذا هناك في الأعلى يرمق الأفق بنظرة صافية ويبتسم وهو يمد يده لمن يطلب المساعدة في وقار، وجد كازنتزاكيس أن بوذا بذهنه المتوقد وروحه الطاهرة قد رأى التفاهة -على حد تعبيره- رأى بوذا دورة الحياة، رأى الآلهة تتناثر كالرمال وسط الريح فامتلأ بالشفقة على نفسه وعلى الموجودات، هناك الكثير من الألم في هذا العالم، فاعتزله، وأوشك كازنتزاكيس أن يترهبن، إلى أن قابل تلك الفتاة الألمانية الشيوعية، التي أهانته ووبخته وجعلته يزور أحياء البروليتاريا الفقيرة. شعر كازنتزاكيس بالخزي والعار من غرقه في تأملات وصراعات فلسفية مجردة وأمامه كل هذا العذاب البشري من اللحم والدم والعرق.

 

اصطدم في باريس بنيتشه، عدو المسيح، الشيطان بدمه ولحمه، علمه نيتشه ألا يثق بأي نظرية متفائلة وأن عليه أن يرفض العزاءات كلها. أصابت تعاليم نيتشه كازنتزاكيس بالدوار، لم يفق إلا عندما رأى السوبرمان يضرب الطائرات في الحرب العالمية الأولى، حينها أدرك أن نيتشه قد أخطأ. سار نيتشه في الطريق الوعر وحده وعندما نظر للهاوية في عينيها مباشرة أصابه الجنون. ما الفائدة من معرفة الله أو عدمه مع وجود كل هذا الظلم والجوع وكل هذه المآسي والعذابات، هكذا قال لنفسه كازنتزاكيس. تابع رحلته إلى روسيا ورأى الشتاء القطبي والكنائس والكرملين أثناء احتفال الشعب الروسي بذكرى الثورة، سحرته روسيا وشعر أن كفاحها كفاحه وأنهما يصعدان معاً. كان منبهراً بلينين لكن ستالين خيب آماله، عندها شعر كازنتزاكيس بالتعب فقرر العودة إلى وطنه فترك روسيا.

 

أخيرا، وجد كازنتزاكيس زوربا، وجده وقد انسجم مع العالم، كان أبا وصديقا، قال في نفسه "إن زوربا هو الحل"، وعندما مات حزن عليه حزناً شديدا وكتب العمل الأدبي الشهير "رواية زوربا" خوفا عليه وحفظا له وتخليدا لوجوده. كان زوربا  يتمتع بكل ما يحتاج إليه الموجه للخلاص، إنه يمنح العذرية إلى العناصر اليومية والأبدية (الهواء، النار، البحر، المرأة ، والخبز). يقول كازنتزاكيس :"نحن نحفر لكي نكشف اي شيطان يختبئ في أعماقنا". 

 

وفي نهاية رحلته العائد فيها إلى وطنه اكتشف الحقيقة: "توضح في ذهني وأدركت أنني كنت أبحث عن الله طوال هذه السنوات دون أن أنتبه إلى أنه يقف أمامي مباشرة!"

 

آراء الراويات

 

إنه تقريرعن نفسه في 569 صفحة تحت ثلاثين عنوان. تقرير ليس سيريّ، أو ينمو أفقيا مع خط الزمن من نقطة بداية ما، وحتى الممات، وإنما ينمو رأسيا بالمثل، ويحفرعميقاً في الذات الإنسانية: الفلسفة، التاريخ الوطني اليوناني الكريتي، والتاريخ في مطلقه... وربما يكون هذا الانفتاح على اتساع الإنسانية، واحدة من أهم الصفات التي ميّزت أدب كازنتزاكيس، سيرة ذاتية روائية فلسفية فكرية، والحدود الفاصلة بينها شبه معدومة، وإنه كان يكتب من أجل الخلاص، جعلنا نشعر بالدهشة كونه كاتب متنوع ذا طموح ساحق وإرادة جبارة. كازنتزاكيس يصف نفسه أنه خليط من هوميروس ونيتشه وبرجسون وزوربا، أنه شخصية قلقة حد الوجع، تصارع عقلاً عربيداً لإنقاذ روحها. استطاع أن يدخلنا عالمه و يخبرنا بتفاصيل هواجسه ووساوسه، أفكاره وصراعاته. لقد وجدناه شاخصا بروحه وقلبه بين صفحات الكتاب، رأينا بعينيه وسمعنا بأذنيه وفكرنا بخلايا مخه، حتى شعرنا بخلجات فؤاده، حياة كاملة عشناها في هذا الكتاب.

 

ما أجمل ذلك الشعور الجيد الذي ينتاب الشخص عند قراءته للسير الذاتية المبهجة الصافية النابعة من صدق المؤلف مع القارئ في مشاركته أسراره وأسئلته وأدق تفاصيل حياته العاطفية والفكرية. هذه أفكاره الفلسفية ورؤيته للعالم في مطلع مسيرته الأدبية، وضعها في التقرير الذي كتبه في نهاية حياته. وجدنا أن كازنتزاكيس كان شديد الإخلاص لأفكاره الذي بدأ بها وعاش بها، وكأن هذا الكتاب هو التفصيل والعرض والتجربة والنتيجة لمجمل إنتاجه الفكري. هل وصل للخلاص يا ترى؟! من يدري، عن نفسي لا أعتقد ذلك، نص نابض بالحياة المليئة بالمعاناة وإن شابه الملل في بعض الأحيان بالنسبة لبعض "الراويات".

 

بقلم: سهام جبريل

تحرير ومراجعة: داليا أبو العطا، شذى عاصم شلق، د. مايا أبوظهر

  
  3
  3
 0
مواضيع مشابهة

14 سبتمبر  .  3 دقائق قراءة

  3
  5
 0

23 فبراير  .  9 دقائق قراءة

  10
  4
 1

26 سبتمبر  .  2 دقيقة قراءة

  5
  5
 0

24 فبراير  .  8 دقائق قراءة

  1
  6
 1
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال