دراسة نقدية في قصص هند العميد

14 سبتمبر  .   3 دقائق قراءة  .    778


قبل الولوج بأعماق مقالتي، وددت ان استشهد بهذه الابيات للشاعر العراقي الكبير سعد محمد الحسن وهو يصف ما يمر به المجتمع من حقائق مدها وجزرها كلاهما خارج   المألوف. حيث يقول الشاعر: "و يجي البطران الك ويكول سهله تهون.....يمتى تهون؟؟؟ شوكت تهون؟؟؟ اذا شفت الاثل يأمر على الزيتون !!!  شوكت تهون؟؟؟ اذا شفت الصكر بيه الكطا يكودون!!! يمتى تهون؟؟؟ اذا شفت الشمر صاعد على الميمون!!!."

الجسد الأنثوي ما بين وبين في القصة المختارة لهند العميد " هل مؤخرتك علمية"

على الرغم من ان الكثير يعتبر الحداثة هي اللبنة الأولى إلى نحو سبيل "التطور" ألا انها بالنسبة لي على العكس تماما. الحداثة كسابقاتها من الفترات لها من المميزات ما لها وعليها من السلبيات ما عليها. لذلك، ظهرت في الوقت الحالي الكثير من العادات والاساليب المستهجنة التي كانت هي الاخرى دخيلا على المجتمع العراقي خصوصًا وعلى العالم العربي عمومًا. وهذه العادات كانت مصدرًا للإلهام الادباء وحثهم على تسليط الضوء عليها.
كما عرف سابقا عن الأديب على انه البئر الأسود الذي يحوي كل ما يدور داخل المجتمع من هموم وخفايا لا يعلمها إلا من عاشها او كان بالقرب منها. فلو اردنا تعريف الاديب من حيث وضيفته، فسنعرفه بانه الوسيلة التي يتم بواسطتها ربط العالم الداخلي بالخارجي. هند العميد، كانت ولا زالت إحدى تلك الرموز التي حاولت جاهده و  مجتهدة نقل الألم العراقي وواقعة الفظيع كما هو دون تزيف او تحريف. على الرغم من ان كتاباتها اتسمت بطابع الصريح والمباشر بنقل الصورة الا ان هذا لم يمنعها من توظيف صوره داخل صوره لرسم ما هو حقيقي وواقعي. ولو اتينا لتصنيف نصها الأدبي المختار لهذا المقال لوجدنا بانه يحمل من صفات الأدب الفاضح ما يحمل. الا ان هند العميد عرفت بان النسبة الاغلبية من البشر يميلون للكتابات التي تستهوي النفس اكثر من العقل وبهذا نجد هند العميد بشكل متقن اغتنمت الفرصة لصنع شيء من لا شيء. واقصد هنا الشي ولا شيء هو  اغراء القارئ بالصور الحسية لجذبه واثارة فضوله لقراءة مكنونات العمل الأدبي حد النهاية وهذا سينتج عنه نقل الرسالة الضمنية للنص كامله دون نقص. وبهذا الاسلوب يبرز لنا قدرة الكاتبة  وهدفها السامي وراء كل عملًا ابداعيًا.
على اية حال، لربما قصة هند العميد والتي بعنوان "مؤخرة علمية" قد لا تكون ذا طرحًا مقبولًا  في المجتمع العراقي لأسباب جمة، على راسها العادات والتقاليد(المبطنة) الا ان من خلال هذه القصة تناولت العميد إحدى المشاكل التي يعاني منها المجتمع العراقي برمته وهي غياب "المبدأ وسيادة الجسد(الأنثوي)." حيث جاءت قصة هند العميد كالواحة الفنية التي رسمت بأيادي عفويه ما يدور داخل المجتمع العراقي من انحلال اخلاقي لكلا الجنسين سواء ذكرا ام انثى و غياب العدالة بين الافراد حيث اصبحت محددات قيمة الانسان ماديته، اذا كان امرأة (جسد) واذا كان رجل (مالا و جاها).

حسب وجهة نظر الفيلسوف الالماني عمانوئيل كانط  فان تركيبة الانسان التكوينية تميل للشر. وهنا لا يقصد الشر هو الاذى وانما الميل البشري للانجرار خلف ما تستهويه النفس من رغبات واهواء والبعد كل البعد عن الواجبات الاخلاقية التي من خلالها  تروض النفس وتستكن.  حيث  ادعى كانط بإن اساليبنا تعتمد كليًا على تقديرنا للأشياء، فلو سمحنا للهوى ان يكون المعيار للردود الافعال فان الجنس سيكون وراءه. حيث يرى كانط بان اساس المشكلة مقرون بتصنيع الجسد. أي:جعل الجسد وسيلة لأدراك غاية ما دومًا تكون جنسية وهذا شيء سيولد مشكلة في بنية المجتمع حيث سنرى ذو الكفاءة مهملون وغيرهم مبجلون. وهذا بشكل صريح  وجدناه في القصة المختارة. حيث حاولت العميد بقصتها ان تنقل الصدمة الذي عانى منها الكثير من المبدعين والاشخاص الاكفاء بتقييمهم من اشخاصا لا يعرفون للقيمة مقدار. حيث نرى من خلال قصتها بان العالم ذا القيمة الفكرية قد اهمل وارتفع من يملك اناقة الجسد و ملبيّ الرغبات. وهذا يظهر لنا بشكل واضح في نهاية القصة عندما سألت بطلة القصة الأنسة ذات الجسد المتعرج "هل مؤخرتك علميه" حيث حاولت استجوابها لمعرفة السبب وراء جعلها ذات سياده وتقدير أكثر منهم.
 ومن الجانب الثاني، لعبت هند العميد دور الجراح والمضمد بنفس الوقت. فتارة تهاجم المجتمع الذي تسوده الافكار الذكورية اتجاه جسد المرأة على انه سلعة ينتفع منها من يريد وتارة تهاجم بعض النساء انفسهم لانحطاطهن الاخلاقي باستخدام اجسادهن كسلعة وما الى ذلك. حيث جعلت قصتها مرنه ومليئة بالإيحاءات التي تتضمن المغزى المشفر للصورة الحقيقية لنص. فاستخدامها لوظيفة الصوف لوصف مظهر المرأة المغري كان عن قصد، حيث جاء هذا الاستخدام موازيا لصورة التي رسمت بها هند العميد جسد المرأة المغري عندما يتم استغلاله لهدفا ما. حيث استخدمت صورة "الصوف" نظرا لما يتسم به الصوف من مرونة وهذا بشكل مستعار سيوقع الدهشة بنظر الرجل ومن ثم يسحبه ليكون اداة لتنفيذ متطلبات المرأة بهدف اقناعها وسحبها لجانبه.

  3
  5
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال