في عيادة طبيب "لبناني"

08 أغسطس  .   3 دقائق قراءة  .    694

Photo by billow926 from Pexels
  • "كم مرّةً نبّهتكِ الى الإنتباه إليه جيّدا كي لا يقف على حافّة الشّرفة، ها هو قد وقع".

قال لي غاضبا، وأنا أحاول إسكات طفلي عن البكاء، ريثما يأتي الطبيب ويعاين جرحَ جبينه.
بكيتُ بصمت، وأنا أعانق "جاد" ابن العامين، وبدأ الإحساس بالذّنب يسيطر عليّ، مدمدمةً في نفسي " صحيح أنّني كنتُ أصحّح لتلاميذي أون لاين، وأطبخ الفريك، وأُدرّب ابنتي "رشا" على الكتابة، وأجلي الصحون، لكن وَجب عليّ الإنتباه لجاد أكثر من هذا".
قَطعَت حبلَ أفكاري مريضةٌ تدخل مسرعةً، تحمل إبنها وهو ينزف من يده، وإتّجهت نحو السكرتيرة سائلةً بقلق: كم صارت فحصيّة الطبيب؟
ردّت الأخرى، بعد تفكير: حَسَب. يختلف "السّعر" باختلاف كلّ جرح، وعدد القطب التّي يحتاجها، وصمَتَت مبتسمةً. سمعتُ المريضة تصرّ على سؤالها بخوف، والدمعة في عينيها: يعني متل وضعي، قدّيش؟ تقريبا؟

  • 250 الف إذا الجرح غميق.


بَكت المرأة الأربعينية. وقفَت محتارةً في أمرها، ثمّ اتّجهت نحو الكرسيّ الذي أقف الى جانبه، وقالت بصوتٍ سمعتُه وهي تحدِّث نفسَها: 250 الف، يعني 5 أيّام عمل، هذا إن لم نأكل ولم نشرب. والآن ليس معي من المبلغ إلّا 50 الفا. ما العمل؟ ثمّ نظرَت الى دماء ولدها، وقالت: لا حيلةَ لي، عليّ إيقاف النزيف.
اقترب مني زوجي، وهمس بصوتٍ ضعيفٍ محافظاً على كبريائه: هل سمعتِ كم صارت فحصيّة الطبيب؟ هل أحضرتِ المال الكافي؟!
أومأتُ برأسي إيجابًا قائلةً: وضعتُ كلّ ما بقي من راتبي في حقيبتي، على العجل.
صمت زوجي، لأنّه يعرف أنّ ما بقيَ من راتبي لا يتعدّى الثلاثمئة ألف ليرة، بعدما صُرِف راتبه بالكامل، ونحن بعدُ في منتصف الشّهر.

  • ألم يأتِ الطبيب بعد؟ ابني يكاد ينفجر من البكاء. 

علا صوت زوجي، فأعانته المريضة الأخرى على التذمّر قائلةً: اتّصلي به. تأخّر كثيرا!
بان التلبّك عند السكرتيرة، قالت: اتّصلت به مرتين، وقال أنّه سيصل بعد ربع ساعة.

  •  مضت نصف ساعةٍ على ال"ربع ساعة". 
  •  ربّما طلبوه من المستشفى، أو ربّما احتاجه أحد المرضى على عجل.


قلتُ بقلق وأنا أنظر الى وجه زوجي: 

  •   سمعتُ صوت الإسعاف منذ قليل، ربما طرأت عليه عمليةٌ طارئة. ماذا نفعل الآن؟ ما رأيك أن نأخذ جاد الى المستشفى؟
  • مستشفى؟!

صمت زوجي، وصمتُّ أنا، عندما تذكّرتُ قيمة الفاتورة التي ستتوجّب علينا، إن ذهبنا الى هناك

  • إنّه طبيبٌ جرّاح، مشهور ومعروف في المنطقة كلّها، لا بدّ وأنّه مشغول، سأعاود الإتّصال به.

لم تمض دقائق حتّى دخل الطبيب، والعرقّ يتصبّب منه، ألقى نظرةً علينا واعتذر على التأخر، ومشى بإتّجاه غرفته. تبِعته السكرتيرة قائلةً: خير حكيم؟ هل كان الحادث كبيرا؟ هل استطعتم إسعاف الجرحى؟ ليس من عادتك التأخر ساعةً ونصف.
نظر إليها باستغراب، كأنه لا يعرف عمّا تتكلم، قال بغضب، وهو ينفخ: كنتُ على المحطّة، عم عبّي بنزين، إنتظرتُ ساعتين.
اقتربَت منّي المريضة، نظرَت إليّ مستأذنةً: هل تعطيني دورك، فإبني ينزف بشدّة.
نظرتُ الى زوجي نظرةً موافقة، كنتُ أعلم أنّ جرح ولدها أكثر غمقا من جرح ولدي، وأيضا كنتُ في سرّي أودّ أن أعرف، كيف ستدفع للحكيم!
قرب الباب، سمعتُها تكلِّمه، وقد أنهى معاينة ولدها.

  • حكيم، أنا مش شحّاتة، بس ما معي مصاري، ممكن تاخد مني قطعة هالحَلَق؟
  3
  6
 1
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال
لينا شباني
21 أغسطس
أبكيتِ قلبي بحكايتك. لله درنا من شعبٍ يتحمل كل يومٍ ألف مصيبة فوق مصائبه.
  0
  0