05 مارس . 1 دقيقة قراءة . 866
لا يعرف "علي" ابن العام والنصف، لماذا لا يفتح له أبوه الباب عندما يدقّ عليه. لأيام طويلة، ظنّ الطفل لسبب لا يعرفه، أن والده الحنون بات لا يحبّه، صار يكتفي بإرسال القُبل له من بعيد، تصحبها عبارة "أبعدوه عني"، بينما يدرك "محمد مهدي" ابن الأربعة أعوام، أنّ "كورونا" فيروس خطير، يتربّص بالعائلة، وقد يكون والده قد التقطه من أحد مرضاه هذه المرة، فيكتفي بالإلتصاق بأمه، خوفا من أنّها قد تحذو حذو والده، وتبتعد عنه.
في البيت المجاور للطبيب، أمّه لم تعد ترى عينيه بوضوح، فهاتان اللؤلؤتان غابتا منذ زمن خلف قناع بلاستيكي لم يحجب بريقهما، ولم يمنع دمعة الحبّ من تزيينهما في مناسبات عديدة أبرزها عيد الأم، حين يكتفي بعناق صاحبة العيد من بعيد، وهو يسمع صوتها الرّبيعي يرنّ في أذنه "الله يحميك يا حبيبي".
هو وأصدقاؤه العاملين في مهنته، صاروا أرقاما في مجموعات التواصل الرقمي، وضيوفا وهميّين في لقاءات لا تتم. كثيرون منهم أخذوا بيوتا باردة لا صوت فيها، كي لا يتسبّبوا في نقل العدوى الى غيرهم، وقرّروا الذوبان في فراغ أيامٍ متشابهةٍ وجوه ألمها، دامعةٍ عيون أوجاعها، كي يجدّفوا عكس التّيار، فيتسبّوا في إرجاع أب الى بيته، وأمٍّ الى كنف اولادها، وجدّةٍ الى عرش حكاياها، ثمّ بعد ذلك يبلسمون ليالي المرضى الطويلة، بنصائح الحبّ وإرشادات السلامة، قبل أن يضعوا رؤوسهم فوق وسائد التعب منهكين، توّاقين الى الحياة الهانئة، مناشدين بصوتٍ لم يسمعه الكثيرون "الوعي، الوعي، الوعي"..
هو نفسه، عندما أُصيبَ زميله الطبيب، سمع عبارة" الموسوسين بينصابو أول ناس".
زينب صالح