24 يونيو . 3 دقائق قراءة . 1194
لا يُشترط لأيٍّ منا أن يكون خبيراً بعلم الأوبئة أو ضليعاً بإحصاءاتها ليلحظ انخفاض معدلات الإصابة بالانفلونزا الموسمية خلال أشهر الخريف والشتاء الفائتين مقارنةً بما ألِفناه سابقاً، ولعلّ ذلك نتيجةٌ غير مباشرةٍ لانتشار وباء كورونا، وما فرضه من إجراءاتٍ للحد من انتشاره، من تعقيمٍ دوري وشيوعٍ لاستعمال الكمامة على نطاقٍ واسع، فضلاً عن التباعد المكاني القسري الذي وصل حدّ الإغلاق العام لأسابيع أو أشهر في بعض الدول، ما انسحب إيجابياً على الحد من انتشار سوى كورونا من الأمراض المُعدية.
وبالرغم من تربّع احتواء وباء كورونا على عرش أولويات سياسات الصحة العامة، من غير الحكمة غضّ الطرف عن ضرورة البقاء بحالة جهوزية تامة حيال بقية العوامل الممرضة وخاصةً تلك التي تستهدف الجهاز التنفسي، حتى لو انحسرت مرحلياً، فما بالك بالانفلونزا الموسمية التي تصيب الملايين سنوياً، ويذهب ضحيتها عشرات الآلاف، والتي لا تنفك، مهما خَبِرناها، عن ملاقاتنا بنسخ متحورة عاماً بعد عام.
من هذا المنطلق، ارتأت شركة Novavax المتخصصة بتطوير اللقاحات ومقرها ميريلاند، الولايات المتحدة الأمريكية، تلبية حاجتين حيويتين في آن. ومع تصاعد الحديث عن أن المناعة التي تؤمّنها لقاحات كورونا قيد التداول قد لا تتجاوز 6-8 أشهر في أحسن الأحوال، وأنّ الحاجة لجرعاتٍ داعمةٍ لاحقاً سيكون أمراً مفروغاً منه، شرع الباحثون في الشركة في تطوير لقاحٍ مشترك ضد الإنفلونزا الموسمية بنوعيها A و B، و COVID-19 معاً.
ارتكزت Novavax في استراتيجيتها هذه على عددٍ من نقاط قوتها : منصة إنتاج اللقاحات خاصتها والمهيأة لتدخل حيز الاستخدام بإنتاجية عالية، مادتها المساعدة Matrix-M ™ التي يُحسبُ لها تحسين خواص اللقاح والاستجابة له، لقاحها ضد الانفلونزا NanoFlu والذي استحصل إذن الاستخدام المسرّع من قبل منظمة الغذاء والدواء الأمريكية مطلع عام 2020، فضلاً عن لقاحها ضد فايروس كورونا والذي حقق متطلبات المرحلة الثالثة من التجارب السريرية نهاية عام 2020، بفعاليةٍ وصلت إلى 89.3% وفق ما خلصت إليه التجارب التي جرت في بريطانيا حين كان أحد المتحولات طاغياً فيها بنسبة 50%، ومتطلبات المرحلة الثانية في جنوب أفريقيا حيث يسود متحولٌ آخر بنسبة 90%.
ظهرت البشائر الأولى لاستراتيجية اللقاح المركّب لـ Novavax في 10 أيار/مايو حين أعلنت الشركة أنّ التجارب ما قبل السريرية لخليط اللقاحين على الهامستر أتت بنتائج واعدة، إذ ولّد اللقاح المركب استجابةً مناعيةً ضد كلٍّ من فايروس الإنفلونزا وفايروس كورونا خلال أسبوعين، لتزداد الاستجابة بشكلٍ ملحوظ عقب الجرعة الثانية بما يعادل تلك التي شوهدت عند متلقي كل واحدٍ من هذين اللقاحين على حده، أما الأجسام المضادة التي تشكلت بالنتيجة فكانت فعالةً على اثنتين من سلالات كورونا المتحورة.
اقرأ أيضا:
أظهر التقصي عن فايروس كورونا في الجهاز التنفسي العلوي والسفلي لدى الحيوانات المُمنّعة باستخدام مزيج اللقاحين، عدّاً فيروسياً قليلاً أو معدوماً بعد أربعة أيام من إخضاعها لعدوى مفتعلة بفايروس كورونا، مع انعدام أية أذيةٍ بنتيجة الفايروس على الرئتين. بناءً عليه، من المتوقع بدء الدراسات السريرية للقاح المركّب بحلول نهاية العام الحالي.
تُنسب لأرسطو مقولة إنّ "الكلّ أعظم من مجموع أجزائه"، وهو ما يمكن إسقاطه تحت مسمى "التآزر" على شتى مناحي الحياة، من أضخم المعارك وأعتاها حتى أدقّ تفاصيل علم الأحياء. لعلّ من المبكر الحكم إن كان لقاح الانفلونزا/كورونا المركّب قيد التطوير سيكون أكثر فعاليةً من كلٍّ من مكوّنَيه، فمازال دونه عددٌ من المراحل المفصلية ليتخطاها. كما قد يكون العكس صحيحاً ويكون التآزر سيد الموقف، فنحصل عبر رفع سقف التحدي للجهاز المناعي على استجابةٍ علاجيةٍ أفعل أو أطول أمداً. وبعيداً عن جدلية جدوى اللقاحات بمطلقها، أو جدوى لقاح الانفلونزا الموسمية على وجه الخصوص، فإنه حتى ولو كان جلّ ما حققته فكرة الدمج بين اللقاحين هو خفض عدد مرات الخضوع لحقنةٍ عضلية لدى الراغبين بالتمنيع، وما يغلب من إزعاجٍ على الساعات الثمانية والأربعين التالية لها، أو كان الأمر تنظيمياً ولوجستياً بحتاً يرمي للإفادة من البنى التحتية وخطوط الإنتاج والتوزيع وشروط الحفظ المتشابهة، فذلك أيضاً إنجازٌ يستحق، على بساطة فكرته، الإضاءة عليه وترقّب ثماره.
اقرأ أيضا:
دِراسةٌ حول لَقاحات كورونا المتوفِّرة والمُعتمَدة حول العالَم
لماذا يستخدم دواء بروموناز فورت
بعض المراجع:
https://www.biorxiv.org/content/10.1101/2021.05.05.442782v1
01 ديسمبر . 10 دقائق قراءة
09 أبريل . 5 دقائق قراءة