كلشي عم يغرق..بين "كلنا سوا" و"سفر"

03 سبتمبر  .   2 دقيقة قراءة  .    566

سفر - كلنا سوا

 

طلب منا في أحد المخيمات الكشفية اختيار شخصين فقط نرغب أن يكونا معنا على سفينة، لم يقولوا لنا أن اسمها نوح، لكن رمزية الطوفان موجودة دائما للاستخدام في تحديد مواقف معينة في واقع افتراضي. لكن السنين التي تلت تلك الحادثة لم تكن طوفانا افتراضيا، هي واقعية لدرجة أن المأساة غمرتنا، فاحترنا ماذا نحمل معنا إلى السفينة، اشخاصا وذكريات وجواز سفر، أم نصعد إليها فارغين تاركين كلشيء خلفنا، وما هي السفينة بالاصل، شيء ملموس أم إحساس بالأمان، لا تعريف محدد، لكل شخص تجربته وتوصيفه. 

 

لا شروط محددة في نوعية الاشياء التي نحملها إلى السفينة، العائمة بين حارات المدينة، والمترنحة بين القرى المتناثرة، نختار ما نرغب أن يشاركنا رحلة البحث عن ضوء منارة بعيد. على صفحات التواصل الاجتماعي بدأ صوت موسيقى لأغنية فرقة "سفر" تنتشر وترتفع، حسابات تتناقل أغنية "يا ويل ويلي"، معبرين عن فرحهم لسماع المنتج السوري، الذي تم تصويره في لحظة انقطاع الكهرباء. حين استمعت إليها أصبحت في حالة انقسام بالشخصية، جزء يتلقى صوت الفنان شادي الصفدي وفرقته، وجزء يستعيد صوت الفنان بشار موسى وفرقة كلنا سوا، صوتين في لحظة واحدة، كأن الموسيقى ترغب أن تشاركني رحلتي، ضمن التقاليد الرمزية، أن يكونا اثنين.

 

توجه بعضنا، وليس الجميع، للاستماع إلى "سفر"، كونها تحاكي في ذكرياتنا "كلنا سوا"، يوم عرفنا من ملصقات بائع "الكاسيت" أن ألبوم "سفينة نوح" صار جاهزا، في علبة CD مع ورقة الاغاني وصورة للموسيقيين، بلباسهم الشبابي داخل إحدى الحارات القديمة. لا استطيع تسجيل عدد المرات التي استمعنا فيها إلى " رسام الليل " "خاتم تنك" وغيرها، لم يكن جهاز التسجيل يحدد رقم الاستماع، أتحدث عن عصر ما قبل يوتيوب، مشاهدة الفرقة تعزف يحتاج إلى انتظار وإعلان مثل أمسية في غاليري مصطفى علي بدمشق. يختلف الأن العصر مع مواقع التواصل الاجتماعي والقدرة على التواصل مع صاحب الاغنية بشكل مباشر، في زمن ندرك جميعا تقنياته التي نعيشها يوميا دون الحاجة إلى التعريف بها، ولكل زمن دفئه وخصوصيته، إن أردت إهداء أغنية لفتاة تعجبني، مثل "قاعد حدك"، كنت اشتري الكاسيت واحدد لها الاغنية، أما الان فيمكن إرسال الاغنية فورا على هاتفها، في كلا الحالتين تصل الرسالة من الاغنية. لا يحق لنا تحديد التجربة التي يجب على الاجيال المقبلة أن تعيشها، لأننا نفترض أنها الحقيقة، فليس المهم الأداة، إنما ما تحمله من محتوى. 

 

نحب هذه الاغاني، لان هناك ما يشبهنا، نجد قصصنا ببساطتها، كما كانت مدننا، حتى مع انقطاع الكهرباء و "الليدات"، نردد الكلمات لأنها تشبه واقعنا، نستطيع إسقاط العبارات والعناوين على علاقات الحب والوطن والشغف والافكار. 

قد نرغب أن نحمل زوادة للمستقبل، مليئة بالافكار والاشخاص، غير محددة وواضحة كما هي الايام المقبلة، لكن ربما لهذا السبب نحمل الفن والادب والموسيقى معنا إلى الغد. كما "سفر" في أغنيتها على ضوء الليدات، استمع الان والكهرباء مقطوعة على أغنية سفينة نوح..

 

كلّ شي رَحْ يغرق ... كلُّن حَ يفلّوا ...

الناس اللي عاشوا ... وبقلوبُن عاش الخوف ...

و لمّا كلّ شي بيغرق ... وكلُّن بيفلّوا ...

ما رَحْ بيضلّوا ... إلّا اللي شافوا الضيّ ...

لمّا بيجي الطوفان ... لمّا بتجي الحقيقة ...

لمّا بيطلع نور الشمس ... فوق بيوتنا الغريقة ...

 

  3
  5
 1
مواضيع مشابهة

02 أبريل  .  1 دقيقة قراءة

  0
  4
 0

01 يناير  .  4 دقائق قراءة

  4
  0
 1

09 يونيو  .  1 دقيقة قراءة

  0
  0
 0

11 مارس  .  5 دقائق قراءة

  2
  1
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال
شادي رزق
05 سبتمبر
بارع أنت في أخذنا برحلات لا تفارقنا.... الصديق المثقف الهادئ الذي طالما تمنيت أن تأخذ علاقتنا بعدا أعمق
  0
  0
 1