22 سبتمبر . 12 دقيقة قراءة . 945
جميع الإخفاقات فريدة من نوعها، لكن كل النجاحات تبدو متشابهة. كلنا معرّضون للفشل، وأعمالنا ليست مضمونة النجاح مئة في المئة. لكن النجاح الحقيقي لا يكمن في الفرح بتحقيقه، بقدْر البناء عليه لخطوات أهمّ وأفضل... في المقابل، ليس الفشل هو النهاية، بقدر ما هو بدايةٌ لخطّة نجاح جديدة، نتوقّى فيها الأخطاء ونذلل العقبات.
وارن بافيت (Warren Buffet)، رجل الأعمال وأشهر مستثمر أمريكي في بورصة نيويورك. عادةً ما يستيقظ بافيت في الساعة 6:45 صباحًا في منزله الذي تبلغ تكلفته 652 ألف دولارٍ في أوماها (Omaha)، حيث عاش معظم حياته. وهو في طريقه إلى المكتب حصل على 3.17 دولارًا، وهي عبارة عن بسكويت لحم الخنزير المقدد والبيض والجبن وكوب من الكولا من ماكدونالدز (McDonalds).
في المكتب ، ببساطة ... يقرأ. يقرأ البيانات المالية والأخبار والمجلات وتقارير الأعمال والكتب. باختصار، هو يقرأ كل ما قد يؤدي به إلى قرارات استثمارية أفضل. من الواضح أنه يهوى القراءة؛ ذلك أن حوالي 80٪ من وقت عمله يقضيه في القراءة، والدليل على ذلك، أنه قال ذات مرة: "أجلس في مكتبي وأقرأ طوال اليوم".
لقد قال بافيت ذلك بشكل علَني... أما شعاره الأساسي في هذه الحياة؛ فيتمثل في قاعدة جوهرية مفادها:
يقول الأشخاص الناجحون "لا" لكل شيء تقريبًا،
وهي تشمل أنفسهم والآخَرين في الوقت نفسه، إنَّهم يتخلَّون عمّا يرغبون فيه أحيانًا، لأنه يضيّع وقتهم وطاقتهم على حساب تحقيق أهدافهم ونجاحهم.
وهذا ما الذي يشير إليه بافيت بالتحديد؛ فبعض الأشياء، مثل النوم في المنزل أو إنفاق كل أموالك على وسائل الرفاهية، واضحة. ولكنّ هناك أمورًا أقل وضوحًا، أو غير واضحة تمامًا، من الممكن أن تستهلك الشخص على حساب بناء نفسه وشخصيّته. فما هي هذه الأمور؟ وكيف يمكن لها أن تستنزف طاقتنا؟ وكيف يمكننا التخلّي عنها؟
تصفح أيضًا:
تجاهلي الرجل تحصلي عليه ويتعلق بك
يُعَدُّ الفشل خطوة أساسية في أي شيء يستحق العمل من أجله. ومع ذلك، إنه لَمن غير العادل في حقّ نفسك أن تعتقد أن كل إخفاق لديك يعني أنّ الخطأ منك. لا، ربما كان هناك مليون سبب آخر لعدم نجاحك في ذلك الوقت، كالظروف المادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الصحية أو النفسية...
ينظر الأشخاص الناجحون إلى كل فشل على أنه نقطة انطلاق نحو إيجاد الشيء الفعّال، إنه في نظرهم بداية وليس نهاية، وبخاصةٍ إذا اكتشف الشخص الخلل الذي أدّى به إلى الفشل، وحاول تدارُكه من أجل تحقيق نجاح جديد. ولعلَّ خير مَنْ يمثّل هذه القاعدة هو توماس إديسون (Thomas Edison)، مخترع المصباح الكهربائي؛ فقد توصّل إلى هذا الاختراع العظيم الذي غيّر حياة البشرية، ولكن بعد سلسلة من الإخفاقات، إلّا أنّه لم يستسلم، وحقّق النجاح في النهاية. وهو يجسّد تجربته بقوله:
"أنا لم أفشل قطّ، لقد وجدت للتّوّ 10000 طريقة لن تنجح".
لنأخذ مثالًا آخَر على هذه الحالة،
إيلون مسك (Elon Musk)
، المؤسس الأسطوري. على الرغم من حصوله على شيك أجر بقيمة 180 مليون دولارٍ، بعد بَيْع أسهُمه على (ﭘـاي ﭘـال) PayPal، إلا أنّه أفلس لإنقاذ (تِسلا) Tesla. إليك كيف يرى الفشل:
"إذا لم تفشل الأمور؛ فأنت لا تبتكر بما فيه الكفاية".
مِنْ خلال قول مسك (Musk)، يتَّضح لنا أنّه يرى الفشلَ السببَ الرئيسي للابتكار؛ فالشخص عندما يفشل في تجربة ما، لا يُعَدّ فاشلًا بقدْر ما يُعَدّ مبتكِرًا، في حال استغلّ هذا الفشل في محاولة منه لتصحيح أخطائه والعمل على تعديلها، والخروج بنتائج إبداعية جديدة أفضل من ذي قبل.
هناك الكثير من الأشخاص الذين يفخرون جدًّا بمَنْ يتسكع معهم، إنهم يتباهون بأسماء كبيرة في قائمة جهات الاتصال الخاصة بهم ويقدمون إنجازات "شبكة" التواصل الخاصة بهم، كجزء من إنجازاتهم. عادة ما يكون هؤلاء الأشخاص هم الذين يمنحون الأولوية لتوزيع بطاقات العمل على بناءً على اتصالاتهم البشرية الفعلية. إنّهم ينظرون إلى الكمّ لا إلى النوع، وإلى العدد لا إلى القيمة.في المقابل، لا يفكر الأشخاص الناجحون بهذه الطريقة بتاتًا، بل يعطون الأولوية لنوعية علاقاتهم، ويفضّلونها على الكمية؛ ذلك أن علاقة واحدة مُنتِجة وذات أهميّة، أفضل بكثير من علاقات لامتناهية ولا جدوى منها. على سبيل المثال، كثيرًا ما يتذكر بوب إيجر (Bob Iger)، الرئيس التنفيذي الأسطوري لشركة ديزني (Disney)، كيف كان ستيف جوبز (Steve Jobs) سيُظهر له إطلاقًا مُسبقًا لمنتجات آﭘـل (Apple)، أو كيف اتصل به صباح يوم السبت ليُدردش وإياه؛ فـَ جوبز لم يتوانَ عن إظهار نجاحه لصديقه إيجر ، بل شجّعه وحفّزه على التقدّم. إنّه مثال صادق عن العلاقات المفيدة والجيدة؛ ففي النهاية، كانت تلك العلاقة هي الشيء الوحيد الذي مكّن إيجر من شراء بيكسار (Pixar)، وهي خطوة تجارية مهمة بالنسبة إلى ديزني (Disney)؛ فقد ساعدتها معنويًّا على إعادة البدء التي كانت في حاجة إليها.وخير دليل على ما نتحدّث عنه، قول المؤلّف ورجل الأعمال كيث فرازي (Keith Ferrazzi):
"عملة الشبكات الحقيقية ليست الجشع بل الكرم."؛
فبقدْر ما تكون كريمًا، سيتدفّق العطاء إليك، والعكس صحيح.
بمجرد أن تبدأ في رؤية بعض النجاح في حياتك، تبدأ الفرص في الظهور يمينًا ويسارًا؛ إذ يقدّم لك أصدقاؤك شراكات عمل، ويبدأ الأصدقاء القدامى بدعوتك إلى الحضور لقضاء عطلة نهاية الأسبوع أو المشاركة في حدَث خيري. وهنا؛ عليك أنْ تُظهِر نفسك ضعيفًا أمام الجميع لدرجة أنك لا تعرف حتى من أنت بعد الآن. بتعبير أوضح، حاول أن لا تبدو ناجحًا وقادرًا ومتمكّنًا، كي لا تقبل إلّا بالفرَص التي تستحق القبول.في هذا الشأن، يتقن الأشخاص الناجحون قول: "لا". وفقًا لوارن بافيت (Warren Buffet)
إنّ مَنْ يقوم باستثمارات قليلة يبعث على السخرية منه. لكنّ العكس صحيح؛ ففي حياتك، يجب أن تتأرجح بين بضع عشرات من الملاعب فقط، ويجب أن تقوم بواجب منزلي دقيق بحيث تكون التأرجحات القليلة التي تقوم بها بمثابة ضربات.
مارِس القليل من الأعمال، وأتقِنها؛ تكُن الإخفاقات أقلّ، وشيئًا فشيئًا، ستصبح النجاحات مضمونة.
كل الناس لديهم 24 ساعة في اليوم، وجميعهم يملكون الكميات نفسها من الطاقة تقريبًا. هناك سبب يجعل أشخاصًا مثل إيلون ماسك (Elon Musk)
، قادرين على الحفاظ على أسبوع عمل مدته 100 ساعة لأعوام؛ فهم يقصُرون دائرتهم الاجتماعية على الأشخاص الذين ينشطونهم. نعم، الأمر بهذه البساطة، يعمل
مسك وأمثاله على حدّ علاقاتهم بالأشخاص، وتصنيفهم بين أشخاص محبِطين وينشرون الطاقة السلبية، وأشخاص فاعِلين ومشجّعين يحفّزونهم ويدفعونهم إلى الأمام. وبالطّبع، هم سيبتعدون عن الصنف الأول، ويتعاملون مع الصنف الثاني؛ وفي النتيجة، إذا فعلت ذلك ستتأثّر بالأشخاص الإيجابيين، وستكون مثلهم؛ فالبخيل سيجعلك بخيلًا مثله، والمُشتكي سيجعلك مُشتكيًا مثله، والناجح سيجعلك ناجحًا مثله، والفاشل أيضًا... وهكذا.خير مثال على ما نقول،
أليكس ليبرمان (Alex Lieberman) ، وهو أحد رواد الأعمال ومؤسس نشرة مورنينغ برو (Morning Brew) الإخبارية، كان يعمل 6 أيام في الأسبوع، ينشر نشرة إخبارية يومية ويتحدث في الجامعات المحلية منذ أن كان في الثانية والعشرين من عمره تقريبًا، كما أنه يعاني من القلق والوسواس القهري. ومع ذلك، فقد أنشأ نشرة إخبارية بقيمة 13 مليون دولار في 4 سنوات فقط. إنه لم يستسلم لمعاناته النفسية، بل بإرادته الصلبة وبتقليص دائرته الاجتماعية؛ حقّق ما لا يستطيع تحقيقه شخص سليم تمامًا. كيف يرى ليبرمان دائرته الاجتماعية؟ يقول:
"أشعر بالرضا الشديد عندما ألتقي بأشخاص أذكياء حقًّا، أقضي الكثير من الوقت في ارتشاف القهوة مع أشخاص أذكياء حقًّا. بالنسبة إليّ، هذا هو الوقت الذي أشعر فيه بالرضا بشكل عام"
؛ فَـليبرمان يرى السعادة الحقيقية في مجالَسة الأذكياء، الذين يمدّونه بطاقة الذكاء التي يملكونها؛ فيتأثّر بهم لا شعوريًّا ويحقق الذكاء والنجاح معًا.بناءً على ذلك
،
ينبغي لنا أن نمشي وفق قاعدة أساسية وجوهرية، مفادها:
النجاح في الغالب هو القضاء على الأشياء التي تجعلك عالقًا.
بتعبير أدقّ، كل أنواع المُعيقات التي يمكن أن تعترضنا، من مرض أو حزن أو خوف أو أيّة ضُغوطات على المستويات كافةً... يجب علينا أن نسيطر عليها ونفتّتها؛ بهذا فقط، نحقق النجاح الذي نريد. أن تصبح ناجحًا يشبه إلى حد كبير كتابة مقال جيد. إن الأمر لا يتعلق عادةً بعدَد الأشياء التي يمكنك إضافتها، ولكنّه يتعلق بعدَد الأشياء التي يمكنك إزالتها؛ فبقدْر العوائق التي تزيلها من طريقك، تكون واثقًا من نفسك، وتحرز التقدُّم والتفوُّق.الأشخاص الناجحون بارعون في تحديد الأولويات، ووضْعها على رأس القائمة لديهم، والقضاء من دون رحمة على الأنشطة والأشخاص الذين لا يتطابقون مع أهدافهم، مهما كانوا مقرَّبين. من بعض النواحي، تُعَدُّ حياة روّاد الأعمال الناجحين هي الأكثر تسبّبًا بالملل؛ لأنهم يقضون 90٪ من وقتهم في الأنشطة القليلة التي تولد 90٪ من القيمة في حياتهم؛ لكنّهم يعرفون كيف يستغلّون كل لحظة في حياتهم، ويجعلونها لحظات ذات معنى وفائدة.ولكن، لا تقلْ لا أعرف، أو لا أستطيع أن أكون مثلهم؛ فالحقيقة أنه
لا يمكنك ملء كوب ممتلئ بالفعل
. معظمنا يعرف من دون وعي الأنشطةَ التي يجب أن نتخلى عنها لنصبح أكثر نجاحًا. لكنّ الفرق بين مَنْ يفوز ومَنْ يفشل هو أن الأول يمضي قدمًا ويتصرَّف، فيما الثاني يتقاعس، يقول ولا يفعل.
تصفح أيضًا عبر مرداد:
هايدغر: قائد الفلسفة إلى ما بعد الحداثة
قراءة معاصرة في بنية الفلسفة الوجوديّة
في الختام، لا بدّ من إضافة نقطة مهمة تتعلّق بالأشخاص الذين يحاولون أن يكونوا جيّدين بطريقة خاطئة، من دون أن يُدركوا أنّهم يُسيئون إلى أنفسهم في المقام الأول. هؤلاء الأشخاص هم مَن يستنزفون طاقتهم التي وهبهم إياها الله، في سبيل الآخَرين. مخطئ حقًّا مَنْ يَسعى إلى إرضاء الناس على حساب إرضاء نفسه. إذا كانت متطلّبات الآخَرين ورغباتهم تتنافى مع قدراتنا؛ فلا شيء يرغمنا على تنفيذ ما يريدون منّا. إنّنا لن نرتاح ولن نعيش بسلام ما دُمنا نحقق سعادة غيرنا على حساب سعادتنا. هذا لا يعني أن نكون على خصام معهم، أو أن لا نفعل الخير لأجلهم، لكن الأمر بكل بساطة يكمن في استغلال الآخَرين لنا واستنزاف طاقتنا؛ فحين تصل الأمور إلى هذا الحدّ، علينا أن نتوقف عن قول "نعم" لهم من أجل إرضائهم من دون أن نضع راحتنا في الحُسبان، وأن ننظر إلى أنفسنا بما يتناسب مع رغباتنا وما بوسعنا فعْله...
الخُلاصة
كل منّا يحب النجاح ويتمنّاه لنفسه. ولكنّ للنجاح أبوابًا ومفاتيح إذا اكتشفناها؛ حقّقنا ما لا نحلم به، وما لم يخطر على بالنا يومًا. وأهم هذه المفاتيح التي أمسك بها الناجحون جدًّا، والتي يجب أن نمسك بها أيضًا، قَوْل
"لا"
لمعظم الأشياء التي من شأنها أن تقلل من مستوى عطائنا. ومن أبرزها أربعة:
ترجمة صفاء الشيخ لفريق مرداد
21 سبتمبر . 6 دقائق قراءة