10 أغسطس . 7 دقائق قراءة . 1237
لم يزل العالم يعاني جائحة كوفيد 19، والتعامل مع تبعاتها، إلا وقد تفاجئنا بانتشار أخبار تنذر باحتمالية حدوث جائحة أخرى، ألا وهي انتشار مرض الفطر الأسود، خاصة في الهند.
إن مرض الفطر الأسود من الأمراض الخطيرة جداً على الإنسان؛ إذ أنها تهدد حياته في حالة الإصابة بها. ومع ذلك فإن الإصابة بمرض الفطر الأسود كان نادر الحدوث. حيث تفيد الإحصائيات بأن عدد المصابين به لا يتجاوز شخصان من كل مليون شخص على الأرض، فيما عدا الهند التي سجلت نسبة حدوث إصابات تتخطى النسبة الطبيعية ب 80 ضعف.
اقرأ ايضاً:
نحو لقاحٍ مشتركٍ ضد كلٍّ من كورونا والانفلونزا الموسمية
يحدث مرض الفطر الأسود نتيجة تنفس حويصلات الفطر spores التي تنتشر في الهواء بالقرب من مصادرها، وكذلك يمكن للإصابة أن تحدث نتيجة احتكاك حويصلات الفطر مع منطقة مجروحة من الجلد، أو مصابة بالحروق.
يطلق على مرض الفطر الأسود اسم mucormycosis، وهو أحد أفراد عائلة Mucorales من فئة ال Zygomycetes.
يتميز الفطر الأسود بوجود خيوط إسطوانية الشكل تتفرع من الحويصلة لتعطي سلاسل من الخلايا. كما يتميز هذا النوع بعدم وجود حواجز في خيوط الفطر، على عكس باقي الأنواع، مع عدم تماثل سُمك الخيوط من كل الجوانب.
كما تتميز خلايا الفطر الأسود بوجود قشرة سميكة من مادة الميلانين تحيط بالخلية من جميع الجوانب، هذا بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى مثل الكاروتينويد. وهذا ما يمثل درع حامي لها يساعدها على التأقلم مع ظروف البيئة المحيطة الصعبة.
لا تعد الإصابة بمرض الأسود في الهند حديثة العهد، حيث تم تسجيل أول حالة إصابة عام 1855 بواسطة العالم فريدريك كوشينمستر. أما عن أول وصف دقيق للمرض وكيفية تطوره لقد قام به العالم Ludwig Lichtheim عام 1884، حيث أعلن عن اكتشافه فصيلتين من الفطر. وفي عام 1943 فقد تم تسجيل إصابات ٣ حالات بالفطر الأسود، كما أعلن ارتباط الإصابة به مع مرض السكري؛ حيث يعتبر مرض السكري أحد عوامل الخطورة التي تزيد من احتمالية الإصابة بالمرض.
أما عن الإصابات في الولايات المتحدة الأمريكية فقد بدأت في منتصف الستينات، ولم يحدد عن الإصابات بالضبط. وقد اعتقد الأطباء في بداية الأمر أن المسبب الرئيسي لهذا المرض هي أدوية المضادات الحيوية، والكورتيزونات.
ولكن في عام 1953 تم فصل حويصلات الفطر الأسود Saksenaea vasiformis المسببة للمرض من تربة إحدى الغابات الهندية.
اقرأ ايضاً:
دِراسةٌ حول لَقاحات كورونا المتوفِّرة والمُعتمَدة حول العالَم.
بمجرد دخول الحويصلات spores الجسم تبدأ خلايا الجهاز المناعي المعروفة بال phagocytes بالتهامها كرد فعل مناعي طبيعي للجسم عبر عملية ال phagocytosis. فإذا حدثت الإصابة في جسم ذو جهاز مناعي قوي، ففي الغالب ستقضي خلايا جهاز المناعة على حويصلات الفطر. أما في حالة كان الجهاز المناعي ضعيفاً، فلن يستطيع التصدي لعدوى الفطر الأسود، وستبدأ الإصابة بالتفشي في أنحاء الجسم كله.
وتساعد العديد من الأمراض في إضعاف الجهاز المناعي، ولكن ارتفاع سكر الدم، وزيادة حموضة الدم من أشهر الأسباب المؤدية لذلك؛ حيث تساهم هذه الحالات في تسهيل نمو الفطريات داخل الجسم.
كما أن الفطر الأسود يمتلك القدرة على إفراز إنزيم يسمى ketone reductase الذي يساعده على التعايش في هذه البيئة.
بعد دخول الفطر الجسم، يبدأ بمهاجمة الخلايا حيث ترتبط حويصلاته بها عبر مستقبل يسمى GRP78، ويوجد هذا المستقبل على سطح الخلايا نفسها. وبمجرد حدوث هذا الارتباط تبدأ الخلايا في التحلل.
وعلى الصعيد الآخر، فلا يتوقف تأثير الفطر عند الخلايا فقط، إذ يبدأ بالتسلل إلى الدم عبر مهاجمة الأوعية الدموية، مما يتسبب في الإصابة بالجلطات، وتلف أنسجة الجسم.
اقرأ ايضاً:
أسس سلامة لقاح كورونا على محك الأعراق
تلعب مستويات الحديد وعملية الأيض ( الاستقلاب) خاصته دوراً حيوياً في عملية الإصابة بمرض الفطر الأسود؛ حيث وجد أن مستويات الحديد المرتفعة في الدم تدعم نمو الفطريات، وتساعد على انتشاره بسرعة في أنحاء الجسم المختلفة.
هناك العديد من الأنواع المختلفة للفطر الأسود، منها ما يصيب الجهاز التنفسي، ومنها ما يرتبط بالجلد، وأخيراً هناك ما يؤثر على الجهاز الهضمي.
السعال، والصداع، وارتفاع درجة الحرارة، وآلام في الصدر، واحتقان شديد في الأنف، وصعوبة في التنفس.
تلون الجلد باللون الأسود، ومن هنا سمي بالفطر الأسود، وإصابة الوجه ( غالباً تكون الإصابة في نصف الوجه) بالتورم والاحمرار، كذلك تظهر على الجلد البثور والتقرحات.
صحيح أن مرض الفطر الأسود ليس بجديد على العالم، إلا أن انتشاره مؤخراً ارتبط بشدة مع كوفيد 19؛ ويرجع ذلك إلى أن معظم الحالات المتعافية من كورونا قد أصيبت بالفطر الأسود. ليس هذا فحسب، بل إن الهند قد سجلت عدد ٤٨ حالة لقيت مصرعها بسبب إصابتها بالفطر الأسود بعد تعافيها من كوفيد 19.
يرجع هذا الارتباط نتيجة انخفاض المناعة بشدة لدى المرضى المصابين بكوفيد 19، ولكن كيف يحدث هذا؟
حسناً، كما وضحنا سابقاً بأن الفطر الأسود يدخل الجسم عبر تنفس حويصلاته المنتشرة في الهواء، فبمجرد دخولها الرئة التالفة بالفعل بسبب الإصابة بكورونا، ومع انخفاض جهاز المناعة نتيجة للأدوية المعالجة لكوفيد 19 يسهل عليها الاستقرار في خلايا الرئة، والبدء بالنمو، بل والانتشار إلى باقي أجزاء الجسم.
بالرغم من أن حويصلات الفطر الأسود تدخل وتستقر في الرئتين، إلا أن الأنف والجيوب الأنفية هي المكان الأكثر تأثراً بالمرض. حيث تنتقل الإصابة منها إلى العيون مما يتسبب في فقدان الرؤية، أو إلى المخ مما يسبب نوبات الصرع، والصداع الشديد.
وقد أشار الأطباء أن السبب في انخفاض المناعة لدى المرضى المصابين كوفيد 19 نتيجة للأدوية التي يتم استخدامها للتعامل مع المرض.
إذ يتم التعامل مع كوفيد 19 بواسطة مثبطات المناعة مثل الستيرويدات التي أثبتت فعالية في تقليل نسب الوفاة لدى المصابين بكورونا.
اقرأ ايضاً:
لماذا يستخدم دواء بروموناز فورت
وقد أشارت بعض التقارير احتمالية وجود بعض الأسباب الأخرى لانتشار المرض، مثل تلوث الأدوات الطبية كالمحاليل بالحويصلات، وكذلك الأطعمة إذ أن التربة من المصادر الطبيعية لوجود حويصلات الفطر الأسود.
مرض السكري من أكثر عوامل الخطورة مساهمة في الإصابة بالمرض؛ حيث تساعد حموضة الدم على نمو الفطر وانتشاره.
وقد سجلت الهند حالات إصابة بمرض السكري وصلت إلى ٤٠% من إجمالي عدد السكان. وقد أشارت دراسة حديثة توضح العلاقة بين الإصابة بالفطر الأسود كعدوى ثانوية عقب الإصابة بكوفيد 19 ومرض السكري أن حوالي ٩٤% من الحالات كانوا مرضى سكري بالفعل.
وفي الختام، يمكننا القيام بالحد من الإصابة بعدوى الفطر الأسود عن طريق ارتداء قناع عازل في المناطق المليئة بالأتربة، ومنع تلامس الأيدي والأقدام مع التربة وذلك في حالة المزارعين. كما أن التوجه للمستشفى لتلقي العلاج بمجرد ظهور الأعراض من أهم طرق الوقاية من المرض؛ إذ أن العلاج في المراحل الأولى أسهل.
تصفّح أيضا عبر مرداد :
تجارب شخصيّة
المصادر
03 أغسطس . 8 دقائق قراءة