04 أكتوبر . 3 دقائق قراءة . 851
سلام ناصر الخدادي
الادب والفن
إعتمدت الأديبة العراقية والروائية هند العميد في روايتها "تفاحة حواء" بعد أن تناولت شريحة من المجتمع العراقي في زمن الإنفلات الأمني واللاقانون وسلطت الأضواء عليها بإظهار الصراع النفسي والتناقضات بكل تجلياتها لشخصيات روايتها .
والمتتبع لقصص الكاتبة يجد هذا الصراع بأبعاده المختلفة بشكل وبآخر في اعمالها السابقة .. حيث تشتغل على تحليل نفسية ابطالها لتظهر مكنوناتهم وخفايا حياتهم من خلال الحوار ، حين تأخذك دوامة أفكارهم المتناقضة وتحيك خيوطها المتشابكة بإحكام ، ثم تُخرجك منها بكل سلاسة ويسر !
رواية تفاحة حواء ، حالة استثنائية في الأدب القصصي العربي عموماً والنسوي على وجه الخصوص .. استطاعت الكاتبة أن تُدخل القاريء في دهاليز عالمٍ خاص ، وتطوف به حيث المكان _ساحة الأحداث_ لتنقله عبر حوارات مكثّفة المضمون ، عميقة المغزى ، الى حجم الفكرة وما رسمت له من مساحة الحركة !
الرواية ، مجموعة قصص متداخلة _ الحقائق السبعة_ تصلح كل حقيقة منها أن تكون رواية كاملة ! لكن اسلوب الكاتبة المتمكن وسيطرتها على أدواتها ، استطاعت بمهارة فائقة من ربط حلقات هذه السلسلة وصهرها في بودقة واحدة مكتملة الملامح واضحة المعالم .
لقد سلّطت الأديبة هند العميد الضوء على الجانب الخفي المظلم للنساء المضطهدات بعد احتلال العراق وتحديدا في زمن جائحة الكورونا .. واسقاطات المشهد السياسي بكل اشكالاته وما أفرزت هذه الحقبة المريرة القاتمة من كوابيس أثرت سلباً على عموم المجتمع العراقي وخصوصاً الشريحة الأضعف : النساء !
مع قراءة الأسطر الأولى لمذكرات ثريا ، في الحقيقة الأولى _ لحم رخيص .. تكتشف هوّة الصراع النفسي الذي تعانيه وكمية الكبت والمحظور في حياتها التي أفنت عمرها لإخفاءه وما رافقها من منغصاتٍ وألم : "لمريضٍ يستجدي نفحةَ هواءٍ من مروحةٍ شبه مهجورة الكهرباء" ...
بهذه الجملة ، عبّرت الكاتبة عن مدى القهر والجور الذي عانى منه الشعب العراقي ..
لتبحر في تجليات الواقع المرير وحالات الإنهزام الذاتية ، في حوارات نساء المحلة ، وتداخل الصراعات النفسية مع المكابرة وازدراء الواقع الفاسد المنتج لهذه الضحايا ! وكان اختيار اسم "لحم رخيص" للحقيقة الأولى كصفعة بوجه تجار الدم والحكام !
تتسارع وتيرة الأحداث مع الحقيقة الثانية _رغبات_ لتدخلنا في صراع آخر ، وهو صراع الأضداد ، لينفجر بثورة بركان هائج بين فائزة المرأة المسلوبة الإرادة أمام زوج سكير وسارق ! وبين الطموح والرغبات ، تتوالى الهزائم وتنهار القيم : "حبرُ قلم يطرح عذرية نقاء الورقة أرضاً" !!
أما الحقيقة الثالثة _رعشة_ استطاعت هند العميد وبقلمها الساحر واسلوبها الرصين ، أن تأخذنا الى عوالم الليل الخفيّة .. وتفكّ مغاليق أبوابه ، وتطوف بنا بين الأجساد في الليالي الحمراء .. وتوقظنا في ذروة النشوة ، برعشةٍ أصابت الهدف : "ها انا أحارب رعشةَ جوع أطفالي بثمن رعشةٍ"
بهذا الإقتدار أوصلتك الكاتبة لنبع الماء ، دون أن تتذوّق منه شيئاً !!
ونتابع شخصيات الرواية وهي تصارع من أجل البقاء ، وتوفير لقمة العيش لبطون جائعة ، في بلدٍ انتهكت سيادته وشعبٍ سُلبت ارادته بعد أن حكمه حفنة من اللصوص والمتاجرين بدماءه !
ويأخذنا السرد المفعم بالأحداث والخفايا الى الفضيحة في الحقيقة الرابعة ! لنصل الى ذروة الحدث في الرواية .. حين أباحت ثريا بسرّ عمرها الدفين ، ليصل الى مسامع حشري متطفل ليطير فرحاً به !
في _يقين الحقيقة الخامسة_ تأخذنا الكاتبة في خضم صراعات تدور رحاها حول أقطابٍ هم بالحقيقة في لبّ الحدث في تسارعٍ دراماتيكي بين هواجس الظنون وشكوك اليقين ! لعبة جديدة رسمتها أنامل تحسست مكامن نوازع النفس وسبرت أغوار ضمائر ابطالها لتنسج لنا احداثاً واقعية معاشة قائمة رسمت بدقةٍ متناهية .. "عثرت في نفسها على ألف جندي محارب لاحتلال وطنٍ ليس لها" !
وتتداخل ألوان الطيف مع بعضها بلوحة باهرة في الحقيقة السابعة _يوميات ملونة_ وهي تسرد واقع حال مزري ، وتفكك أسري كنموذجٍ صارخٍ مصغّر عن خرابٍ أكبر .. وإدانة كبيرة بحجم الرفض كله ..
فكم من "مظلومة بطعم الحلال" ؟؟ وكم "أخذوا منها بالمجّان ، رغماً ما تعطيه الآن بثمن" !! بهذه الحوارت العميقة ، نطقت شخصيات الحدث !
في محطتها الأخيرة ، كانت الإدانة الواضحة لأبشع الصفات .. النفاق ! وكانت التعرية وكشف المستور حين وضعت "الحاج" عنواناً للحقيقة السابعة!
لتتجلى بوضوح أخلاقيات هؤلاء الأدعياء وخفايا اعمالهم !
رواية "تفاحة حواء" ، ساحة صغيرة بحجم الوطن المبتلى !
تسابقت فيها خيول جامحة .. وركضت بمختلف الأتجاهات .. وما أن نمتطي صهوة أحداها ، ونمسك زمامها ، حتى قذفتنا أقدارنا لثانية وثالثة .. ولما شارفنا النهاية لنترجل ومازلنا داخل الحلبة !!
استطاعت الكاتبة من مسك جميع الأعنة بحزم دون أن تفلت من يدها !
07 سبتمبر . 1 دقيقة قراءة