25 ديسمبر . 5 دقائق قراءة . 521
كانت ليلة قبل أن تكون حواء
هنا بدفء حب عارم الت ف حولي، هنا كان العمر واقفاً صامتاً تمامًا، عقاربه تخجل أن تحُرك ذاتها تثاقلت خطواتها وارتمت ترَقُبنا تتأمل بجسدك الحنون وهو يحتوي آخر صبري ونومي.
تلَتفتُ عقارب حياتنا إلى ما كناّ نََرمقه من بعيد تنسى أنها وقت، أنها زمن ولابدّ له من العبور تنُاظر قمرًا ألَجَمنا عن الكلام والأنفاس والرمش، كان بدرا ساطعاً متحدياً الكون معانقاً رؤوس الجبال وأشجارها، تلك الجبال المرتفعة حد الجنون المكتسية حد التخمة ثوبها الأخضر، المتفجرة بأصوات الينابيع الصغيرة الغضّة والملتحفة بسواد الليل الحالك.
كنّا هناك ثلاثتنا أنا وأنت والقمر في شرفة صغيرة لكوخ صغير معت ق بسنوات أكلت ذكريات لا يستطيع الزمن أن يحمل وزرَ هواها.
كنّا حبيبي كما لم نكن من قبل، أنا أعلم جيًدًا أنها ليلة كتاريخي كلّه ولن تعُاد وإن عادت الأماكن، فلن أغفو على خدّ الجنة ، ولن يُداعبَ وجهي نسيم الإله ، لن تراقصَ أنغام فيروز أذُناي بهذه اللهفة والشرود قط، كأني الآن اكتشفت فيروز، بل الآن ولدت فيروز، كيف لمكان وشعور أن يخُ لّدَ صوتاً؟ كيف لإحساس جاء صدفة تعمدها القدر أن يبعث بالميت روحًا نفساً عبقاً نبضًا.
لم تكن الليلة الأولى أبدا ،لكنك كُ نتَ الأول، الأول الذي لا يلحقه شيء لا يتبعه رقم محظوظ من عاش هذه الليلة، ومسكينٌ أيضًا سيقضى عمره محاولاً بعث الروح بالليالي القادمة، أملاً بعودتها.
هذه الليلة عذراء بكل تفاصيلها هذه الليلةُ عروسٌ شرقية ٌ تجر أحلامًا بحجم أثواب العرائس كافة، تجَر عيون المعجبين عيون الحاسدين عيون المُتأملين شغفاً بها ولها.
في هذه الليلة كناّ نرشف الحب صمتاً، ويحيطنا سواد لي ل حال ك، وقهوة بردت من انتظار شفاه جمّدتها أرواح الجَمال التي اجتمعت أمامها، اجتمعت ترقص تطَربُ وتطُربُ ما تبَقى من روحنا .
هذه الليلة كناّ نحضن العمر وليس الجسد نحضنه بهم س يلُجمُ أعتى الشعراء، و يُسكتُ كلّ المعلقات.
لأول مرة حبيبي أشعر أنني، أتنفس نومًا بين يديك، نومًا وأنتَ أعلم بأني عنيدة جًدًا ومدرستي السهر لأول مرة أغفو لساعات على يديك كانت عمرًا من الولادة.
ثلاثٌ وثلاثون عاما مرت على فصول حكايتي، لم يطرق النوم جفوني كما أسدل كل خرافاته ليل تهَا.
ماذا صنعتَ لي لأسرق من الجنة وسادة تحتضن رأسي؟
وهل تركت الجنة لتأتي بوسادة؟
نعم، وسادة وسادة تلك الليلة من الجنة وكما كناّ نحن البشر وسنبقى نرحل نترك نغادر الجنان ونعود لذاتنا نموت لنبدأ من جديد بالولادة، تلك هي طينتنُا تلك هي عادتنا منذ بدء الخلق إلى الإبادة.
كم حزنت جدا عندما استيقظتُ لأرى نفسي بين يديك صامتاً عن الحب مكتفياً بالنظر لي، كنت الملك بلا منازع أنت وكوب قهوتي البارد والشرفة الخشبية العتيقة والكوخ الذي حَمَلنا بأخشابه التي كانت تنبض حياة على ضفاف نهر عاتبَ الزمان خريره، وناجى العشاق زهره .
كنت السلطان الأوحد، أنت ونسمات الهواء التي تسللت من فردوس ما، لتلقي بثقل الجَمال الذي تحمله إلينا، كنت أنت والقمر تتنازعان أيكما أقرب لجسدي دمي والخفقات، كنت والنهر المنساب تحت الشرفة وفيروز يصارع صوتها أنغام النهر؛ لأن فيروز تغار لأول مرة فيروز تغار تلُقي بلحنها على مياه النهر تريد أن تثُبتَ لرؤوس الجبال والأشجار أنها الأجمل والأجدر بالحب.
كانت ليلة الصمت بلا منازع لم نتكلم عكس عادتنا، صمت شرود انسحاب كاملٌ من كلّ الحروب انغماس بالأنغام والعتمة والقمر والشرفة الخشبية والقدر، انغماس واحد متوحدٌ كناّ نأمله دون علم ونرجوه دون سعي، أتى وحيدا كصفعة غيرت معنى الحب .
كانت بكل حق ليلة ميلادي فلم أعش قبلها عمرًا قط
أيمكن لليلة أن تعادل عمرًا من الحب؟
أيمكن للصمت وصوت الطبيعة أن يخَ لقكََ من جديد؟
أيمكن أن تغار فيروز من غناء النهر؟
هل تمُنحَن الجنة لنا ليلة أخرى؟ أم سنبقى كآدم نرثي القدر.
آدمُ هناك وأنا هنا حواء قبل كل شيء أنا حواء وبعد كل شيء سأبقى حواء، تلك التي تهَبُ الشمس دفأها، والحياة نبضها تلك التي زُ رعَ فيها وبها مَنبت التاريخ، أنا حواء من الاحتواء .
لا تنسى يا آدم ما كناّ ننسج منه رداء الصبر والإلهام، هذه الروح لك ولذاتها تشتاق وهبتك الحب زهرًا، فلا تبخل بالثمر كنتُ لك كلّ الأيام والليالي وكلّ القدر، لن أرضى بالأنصاف ولن أسُلم وأستسلمَ للقدر، فكل حبّ البدايات يُنسى أمام عنفوان الذكرى، وكلّ قد ر يخلو مني ما هو إلا شقاء دربك.
هذه الروح تشتاق لذاتها هذه الروح لنفسها تشتاق ومضت وكأنما أعجبها الفراق.
هذه الروح لم تنح ن للهدوء المميت الملتف بأكفان الحياة هذه الروح تذبل تطفئ شمعتها وتمسح آخر الدمعات تعتزل الحب والحروف وتمتطي ركب الأموات مسكينة متعبة مرهقة مرهفة تلك الأنثى الصارخة الباذخة بكل ما هو مفقود تلك التي تأبى التكرار تأبى التعانق مع البرد مع الثلج مع الجدران.
حدود حبها الفضاء وآخر مائها بحر بلا قاع، وآخر نبضها نَزعُ الروح وآخر آخر طريقها الليل، بنت القمر فكرًا لا جمالا ذلك القمر الذي يأبى أن يكُررَ صور ةةَ ليله يلبس كلّ الجمال مكتملا منتصفا محاقا وهلالا ، يجافي الملل يراقص العابر والشريد كم هي متعبة أنا، كم هي مرهقة أنا، لو أن أنا تكون كأي أحد لو أنها تسكت تنصت ترضى بمثل الكل، لو تقَبض بكفها على كلّ شموع الروح وتغرسُ لحمها بلهب الأمل تقتل تجُهض تنُهي كل ّ النبض؛ لنعود وأعودَ وتعودَ لا شيء معي إلا أعمار هذه الروح تشتاق إليك هذه الروح لك تشتاق.
تعشقُ هدرَ العم ر عنادًا وكبرياء، تهوى قمم الفضاء، مجبولة بماء الرجل، طواعيةً مجبولة به لا كرهاً ولا إجبارًا، لكن تحت غطاء حضنها الدافئ الذي لا يفتح بابه لبرد قط ويغلق بوجهك كل أبواب الدفء أن كنت فأساً يقطع جذورًا ممتدة ً إلى أ مّنا حواء .
تلك الوليدة، تلك الشريدة، تلك العتيدة ، تلك العنيدة حواء، كيف أقطفها ؟
كيف أنثر بذارَ قلبي في أرضها، في حضنها، في نواة الحياة الناشئة نبضًا فيها؟ كم أنت بعيدة، كم أنت بعيدة .
أنا الأرض مولاي، أنا التراب الذي تنَشق منه الغابات والكون فكن لي مُزا رعاً مخلصًا، أكن لك كلّ الحقول كلّ الثمار كلّ الينابيع المتفجرة والأنهار.
وإلا لن أهب الحياة لبندقي ة، لمخر ز يدمي أر ق القلوب لن أهبك إلا الحطام، سيدي ومولاي لن أهبك إلا الحطام.
سفني القديمة التي تنَ صَبتَ مرساتها وكنت أنت القبطان أحرقتها سيدي أحرقتها وتركت الرماد منثورًا على الشطآن، أنا مرساة نفسي أنا البحر أنا الدف ة، والأشرعة، والحيتان.
نزعت خلفك بوصلتي وألقيتُ تعويذتي خلفي، ونصبت لك أجمل المراسم.
حتى بكَتكَ الأمواج والطيور المهاجرة الباحثة عن قضمة من خب ز مبل ل تقدمها يدُ سائ ح غار ق بجمال بحر مرمرة.
وداعًا سيدي فسيدان لا يجتمعان، وخوف وحب لا يمتزجان ،وأنا أنا وأنت أنت.
لن نخلط العود ياسمينا شرقيا، ولن تمُزج مع الدماء ماء ،لن يسجد شيطاننا لتراب، ولن نحَيكَ جرحًا آخر فَتأَتهُ الليالي والأيام يا سيدي يا سيدي سيدان لا يجتمعان.
مُرسل من قبل :
آيات عدنان صلاح.