22 يناير . 4 دقائق قراءة . 1418
بدايةً، ما هي العقلانية Rationality أصلاً؟
العقلانية هي ذلك التفكير والسلوك الواعي الذي يتفق مع أحكام المنطق والمعرفة التجريبية والذي يتسم بأهدافه المتماسكة والمتزنة التي يمكن تحقيقها من خلال الواسطة الموضوعية العلمية. لقد اعتمدت الفلسفة الغربية لفترة طويلة من الزمن تزيد على 2000 سنة على أسلوب مركزي ينص على أن العقلانية أو السببية إنما هي صفة جوهرية تميز أبناء الجنس البشري. غير أن هذا المبدأ الفكري تعرض للانتقاد بسبب اعتماده المطلق على العامل العقلاني أو السببي وإهماله للعوامل الأخرى التي يعتمد عليه المجتمع البشري كالعوامل البيئية والمادية. وقد استعمل البروفيسور (هوبهاوس) مبدأ العقلانية في سياق نظريته عن التقدم البشري واعتبره مبدأ عضوياً يمكن الاعتماد عليه في تحقيق التوازن بين نواحي الحياة الاجتماعية. واستعمل ماكس فيبر اصطلاح العقلانية أكثر من أن يستعمله أي عالم اجتماع آخر.
صنف (ماكس فيبر) الفعل أو الحدث (action) إلى أربعة أقسام هي:
1-الفعل العقلي المعتمد: وهو الفعل الذي له واسطة تكفل تحقيق الهدف الذي يتوخاه الفعل.
2-الفعل العقلي القيّمي: وهو الفعل الذي ينطبق مع المقاييس القيمية التي يتفق عليها المجتمع.
3- الفعل الغريزي.
4-الفعل التقليدي: أن الفعل الغريزي والتقليدي إنما هما بعيدان كل البعد عن المبدأ العقلي والمنطقي الذي يقرّه العقل السليم والفكر السوي.
ويستعمل فيبر مبدأ العقلانية في تفسير نواح متعددة من المجتمع كالنواحي المتعلقة بالسلطة والقيادة والقوانين. علماً بأنه يقسّم القوانين إلى أنواع كثيرة منها القوانين التقليدية والقوانين الكارزماتيكية والقوانين العقلية المنطقية. ويعتقد بأن مبدأ العقلانية هو المبدأ الوحيد الذي يستطيع إخضاع الحياة الاجتماعية إلى تنظيم ورقابة دقيقة. وتطبيق عمليات الإحصاء والرياضيات على الاقتصاد بصورة دقيقة، واستعمال الطرق العلمية في الإنتاج، تلك السمات التي أخذت تميز المجتمع الغربي الصناعي، لكن في الوقت نفسه تتناقض الصفات العقلانية التي تميز المجتمع الصناعي الغربي مع الطرق التي تستطيع إشباع الحاجات الإنسانية في هذا المجتمع على حد تعبير فيبر.
كيف يستعمل علم الاجتماع مبدأ العقلانية ؟
إن مبدأ العقلانية يستعمل من قبل علماء الاجتماع في مقصدين:
المقصد الأول: يستعمله الطريقيون الذين يفسرون الحدث الإنساني بالذهاب إلى الأسباب والدوافع والتي تدفع الإنسان إلى الحركة والسلوك.
المقصد الثاني: ويستعمل اصطلاح العقلانية من حيث هو معرفة وسائل وأهداف السلوك ومعوقاته. (الحسن، 1999، 415- 416).
ويفرق الباحثون بين (العقلانية Rationality) و(المذهب العقليRationalism)، من حيث أن الأولى اتجاه في التفكير بصفة عامة، أو هي موقف يعتز بالعقل ويجعله حكماً ومرجعاً في جميع نواحي الحياة. في حين أن المذهب العقلي يقتصر على الجانب الابستمولوجي في اعتماده على العقل. فالمذهب العقلي في نظرية المعرفة هو الصورة التي تقابل التجربة الحسية، أو هو الصورة التي تجعل معيار الحقيقة ليس حسياً بل عقلياً واستنباطياً، والرياضيات هي ملهمة المذهب العقلي ويباهي العقليون بسمو المنهج الاستنباطي ويعتبرونه منهج اليقين، ولهذا السبب كانت المعرفة عند العقليين كلية وضرورية. ومعنى ذلك أن العقل يمكن أن يقال في مقابل التجربة من الناحية الابستمولوجية، لكنه يمكن أن يقال في مقابل الدين أو الوحي وهذا هو المجال الثاني للعقلانية، كما أنه يمكن أن يقال ثالثاً في مقابل العاطفة أو الشعور في ميدان الأخلاق. (إمام، 1985، 11-12).
ما هي مبادئ العقلانية ؟
ومهما اختلف الفلاسفة في تحديدهم لمفهوم العقلانية يبقى هناك مبادئ أساسية تقوم عليها العقلانية:
نجد في تاريخ العقلانية مجموعة مشابهة من الملامح:
1- أحد خيوط العقلانية هو (الفطرية)، وهي نفسها مجموعة معقدة من المفهومات تشمل فكرة أن الذهن مزودّة منذ الولادة ببعض المفهومات الأساسية أو بمعرفة بعض الحقائق الأساسية. الخيط الآخر هو
2- (القَبلية) أي الإيمان بإمكانية الوصول إلى معرفة بمعزل عن الحواس. والخيط الثالث هو
3- (الجبرية) الفكرة القائلة بأن الفلسفة يمكن أن تكشف الحقائق الضرورية عن الواقع. (كوتنغهام، 1997، 20).
06 فبراير . 9 دقائق قراءة