22 يناير . 5 دقائق قراءة . 1295
العقلانية ليست تياراً فكرياً محدداً من السهل رصده تاريخياً بل هي نزعة ومنهج في التفكير ينحو إليه المفكرون والفلاسفة و رجال الدين داخل منظوماتهم الفكرية والفلسفية والشرعية، معتبراً العقل مركزياً في توليد المعرفة الصحيحة لذلك يمكن النظر إلى العقل باعتباره أداة لإنتاج الأفكار العقلانية في كل مرحلة من مراحل التي يسود فيها التفكير العقلاني الفلسفي أو التفكير العقلاني الديني أو العقلانية العلمية التي هي أوج العقلانيات وباختلاف المرحلة التاريخية والتيارات الفكرية اختلفت الآراء حول تحديد مفهوم العقلانية.
(rationalism) rational)): الجذر الاشتقاقي الذي تشتق منه كلتا الكلمتين هو الاسم اللاتينيratio ومعناه العقل reason. وهكذا يفهم من كلمة العقلاني rationalist عموماً الشخص الذي يؤكد قدرات الإنسان العقلية تأكيداً خاصاً ولديه إيمان غير عادي بقيمة العقل والمحاجّة العقلية وأهميتها. إن الإيمان بقيمة المحاجة العقلية وأهميتها هو الشرط المسبق لكل بحث فكري جاد.
وكان أول أبطاله في التراث الغربي هو سقراط الأثيني، وله الحق المشروع في أن يعدّ الأب المؤسس للفلسفة. ولم يكف سقراط عن الإلحاح على أنه ينبغي لنا ألاّ نكون راضين بالهوى الشعبي أو الرأي المقبول بل علينا أن "نتابع المحاجة إلى حيث ترشدنا"، ويجب استخدام العقل من أجل تحليل معتقداتنا ومفهوماتنا ومن أجل إخضاعها للتفحص النقدي "الحياة التي لا تمتحن غير جديرة بالعيش"، ولم يكن شعار أرسطو هذا تبجحاً فارغاً فقد آثر أن يذهب إلى حتفه 399 ق م. على أن يتخلى عن التزامه بالتحري النقدي والممارسة الاستقلالية للعقل. وبعد ذلك قدّم أرسطو نظرية في الطبيعة الإنسانية التي جعلت العاقلية (rationality) هي الصفة المميزة التي تعرّف الإنسان. فالإنسان (حيوان عاقل). وقدراته لا تشمل الاستعدادات الطبيعة للتغذي (التي يشترك بها مع النباتات) والقدرات على التنقل والحس (التي يشترك بها مع الحيوانات) وحسب، بل كذلك الملَكَة العقلية: فالإنسان لا يتغذى وينتقل ولديه أحاسيس تجعله مدركاً البيئة وحسب، وإنما هو يفكر ويعقل كذلك. وقدرتنا عل العقل – على تنظيم أفكارنا في شكل منطقي متماسك – هي أكثر قدراتنا البشرية تميزاً وحسماً، وهي القدرة التي تميزنا عن المخلوقات الأخرى القادرة على الحس. ويمضي أرسطو في كتابه الأخلاقيات أبعد من ذلك ليؤكد أن سعادة الإنسان السامية تكمن في النظر في ممارسته قدرات العقل النظرية الخالصة. ( كونتنغهام, 1997، 13 ).
وبما إن العقلانيات هي نتاج العقل خلال صراعه الطويل مع الطبيعة فسنبدأ بتحديد مفهوم العقل.
العقلReason : في طبيعة العقل أولاً "العقل يأخذ في علم الكلام معنى المعلومات الأولية، ويكون العمل بهذه المعلومات هو النظر أو الاستدلال. ويذهب المعتزلة مذهب فلاسفة اليونان في تعريف العقل انطلاقاً من نظرية المعرفة عندهم التي ترى أن العقل النظري – الذي هو "قوة على اكتساب العلم" بالنظر والاستدلال يؤدي المرحلة الأخيرة من مراحل المعرفة العقلية. حتى وإن تباعدت المدارس الكلامية في تعريفها للعقل النظري، فإنها تتفق بأن العقل العملي هو الحس السليم والحس المشترك بوصفهما ينصهران في استشفاف الحلال والحرام. وهذه المدارس كلها تخاطب الإنسان العاقل وتثق به من أجل تحقيق المثل الأعلى للسلوك الأخلاقي – الديني.
عندما نتساءل عن كينونة هذا المفهوم وماهيته، نجد أن العقل كلمة أتت من مفهوم عقال الجمل وفيها معنى الكابح، فكما يمنع العقال الجمل من الحركة يمنع العقل الإنسان من الخضوع لرغباته وأهوائه، وهو ما يقابل الغريزة التي لا اختيار لها. وهو ما يكون به الاستدلال والتفكير والتركيب للتصورات والتصديقات بحيث يميز به الحسن من القبيح والخير من الشر والحق من الباطل. وهو بالنهاية ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات الأخرى. (مبيض، 2000، 924 – 931).
العقل بوصفه قوة قادرة على التعلم وعلى التميّز بين الخير والشر والقدرة على ضبط عواطف الإنسان فكيف يختلف العقل العربي عن العقل الغربي؟ بالتأكيد هناك شروط اجتماعية وتاريخية لتشكل نظام العقل فهي تعكس تنظيم الجماعة لواقعها على مستوى بنيتها الذهنية.
يحدد الجابري مفهوم العقل العربي بأنه: الفكر بوصفه أداة للإنتاج النظري صنعتها ثقافة معينة لها خصوصيتها، هي الثقافة العربية بالذات، الثقافة التي تحمل تاريخ العرب الحضاري العام وتعكس واقعهم أو تعبر عنه وعن طموحاتهم المستقبلية كما تحمل وتعكس وتعبر، في ذات الوقت، عن عوائق تقدمهم وأسباب تخلفهم الراهن. (الجابري، 2009، 13-14).
فالعقل بهذا المعنى يعبّر عن تاريخ محدد ومرحلة معينة. أما وظيفة العقل فتتجلى في الكشف عن الاتساق في الواقع كشرط لاستيعابه والتعامل معه وهو ما تحيل إليه العقلانية.
أما معاني العقل في الغرب كما عند (لالاند): أحصى (لالاند) في الواقع خمسة معانٍ للمذهب العقلي:
1- المذهب القائل إن شيئاً لا يوجد دون سبب وجوده.
2- المذهب القائل إن كل معرفة يقينية تصدر عن مبادئ لا تدحض دحضاً قبلياً، مبادئ بديهية.
3- المذهب القائل إن التجربة لا تكون ممكنة إلاّ في حالة عقل يملك سبباً.
4- الإيمان بالعقل والبداهة والبرهان.
5- المذهب القائل بأن لا ثقة إلاّ بالعقل ورفض قبول ما لا يعترف بمنطقية العقائد الدينية. (باية، 1996، 9).
لمعرفة المزيد عن العقل والعقلانية تابع مقال: العقلانية- أليست هي ذاتها العقل؟ ما العلاقة بينهما؟ ما مبادئها؟ ما استعمالاتها؟