25 يناير . 8 دقائق قراءة . 1059
جاء اليوم الذي حكم فيه فيلسوفٌ وزاهدٌ اسمه ماركوس أوريليوس إمبراطورية روما العظمى التي احتلّت أكثر من نصف العالم. أمّا كتب هاري بوتر فقد احتلّت المكتبات والرفوف وتربّعت على عرش أكثر الكتب مبيعًا ودخلت أفلامه كل بيت... فما الذي يربط الإمبراطورية الرومانية بظاهرة هاري بوتر؟ هل هو فقط مبدأ غزو عسكري أو فكري أم ارتباط فلسفي وعملي؟
لقد حكم ماركوس أوريليوس روما من عام 161 إلى عام 180 ميلادي. خلال مدّة حكمه هدّدت إمبراطوريّته حروبًا عدّة وانتشر الطاعون وضربت المجاعات سكّانَها. هذه التحديات الكبرى وغيرها واجهها حاكم روما بسلاحٍ فكريِّ تميّز باستعماله وهو: "الفلسفة الرواقيّة". الرواقية هي مدرسة فلسفيّة يونانيّة قديمة أسّسها زينون الفينيقي، وتقوم على مبادئٍ أخلاقيّة ومناهجٍ عمليّة للعيش بتناغمٍ مع العقل الكلّي أو العناية الإلهيّة التي تحكم الطبيعة... كذلك ترتكز على تحفيز الشجاعة وطاقات الفكر في النفس وإدارة المشاعر السلبية لمواجهة التحديات والمخاوف. لقد خلّد التاريخ أوريليوس بكتابٍ واحدٍ تمّت تسميته بعد وفاته "تأمّلات" واحتوى على يوميّاتِه بكتابةٍ وجدانيّةٍ تملؤها العظة والحكمة.
قد تكون الرواقيّة منهجًا عمليًّا يرتقي بالإنسان إلى مصافي المواجهة الشجاعة مع مصاعب الحياة وتحمّل ضرباتها، وطريقًا لتذليل عقبات الخوف من الخطوات الأولى لتحقيق الأحلام. ألم نطمح لذلك جميعًا ؟ ولكن... هل أنقَذَها غِنَاها الفلسفي من شِراك الزمنِ؟ وهل ما زالت أساليبُها صالحةً للتطبيق في عصرنا الحالي؟
إن القِيَمَ الأخلاقيّة والمبادئ الإنسانيّة تتخطى حدود الزمان والمكان بلا شك. ولكنّ غياب التجدّد في طرح بعض المدارس الفكرية والفلسفيّة - ومنها الرواقيّة - جعل الإلمام بمبادئها والسير على دربِها مسألةٌ في غاية التعقيد. ومع تطور الفكر البشري ودخول عصر المعلومات والذكاء الاصطناعيّ، أصبَح الإنسان بأمسّ الحاجة للعودة إلى محوره وتحقيق التوازن في مختلف أبعاده النفسيّة والجسديّة... لذا، قد يتفاعل بعض عشّاق الفلسفة بكتب سينيكا وديكارت وقرّاء علوم النفس بكارل يونغ وسيغموند فرويد، ولكن ماذا عن النسبة الأكبر من البشريّة؟ هل اختلاف اهتماماتها يمنع عنها سُبُلِ التنمية والتطوّر الداخلي؟ هذه نفسها الأغلبيّة التي تضع الأنظمةَ الحياتيّةَ المتعددة وتتّخذ القراراتِ تلو الأخرى (خصوصًا مع بداية هذه السنة).... لكن معظمها مشاريع معرَّضة للفشل إلاّ القليل منها الذي ينجو بأعجوبة، أو عن طريق الخطأ... وكما يقول المثل الشعبي: "حتّى السنجاب الأعمى يجد حبّة بندق بين الفينة والأخرى..." فلمَ كل هذا العذاب؟ وعذرًا لقساوة الكلمات - إنّها الحقيقة المرّة.
إنّ المدارس الفكريةُ والفلسفيّة كالأنهارِ، مهما تشعّبت وتفرّدت يبقى بحر المعرفة والنموّ الداخلي مصبّها. أمّا الزمن فهو لعبةُ تَكَيُّفٍ أتقن فنَّها روّاد كلِّ عصرٍ. لذا، إِنْ قُدِّرَ للخيال العلمي أن يحاكي هذا الزمن، لتتالت صورٌ من باحة قصر الإمبراطورِ تُظهر حفنةً من العلماء تلاحقهم أعين المتطفّلين. يدنو منهم أوريليوس مبتسمًا ومفتخرًا بإنجازهم، فاليوم (في روما القديمة عام 170) يدخل بسيفه ولباسه الملكي آلةً تنقله عبر الزمن فيسافر عقودًا منه. واليوم أيضًا (في نيويورك عام 2004)، يصادف العرض الأوّل لفيلم "هاري بوتر وسجين أزكابان".
في قاعة راديو سيتي للموسيقى، تسمّرت أعين الإمبراطور أوريليوس على الشاشة الكبيرة وبجانبه الحسناء ج.ك. رولينج، كاتبة سلسلة روايات هاري بوتر. ينقله الفيلم إلى صفّ الأستاذ "لوبين" وخزانة الملابس - يمكنكم مشاهدة مقطع الفيلم على الرابط التالي - حيث قدّمت الروائيّة نظرة جديدة لتعامل التلامذة مع خوفهم. ابتدعت حينها كائنًا أسمته "بوجارت" وعرّفته كالتالي: "إنّه كائنٌ متحوّلٌ يستطيع أن يتّخذ شكل أيّ شيءٍ مخيفٍ". وفي صفّهم، وقف التلامذة أمام خزانة الملابس التي تحتوي على "بوجارت" وباشرت التخيّلات بالتسلّل إلى عقولهم وقلوبهم... منهم أرهبته العناكب وآخرٌ طارَدَتْه مومياءٌ في نومه، فالمخاوف تتشكّل على قدر التجارب... أوعز "لوبين" لكل طالب بالتقدّم والتعاقب على حمل عصاهم السحريّة وتَخَيُّل الـ"بوجارت". ومع تنصّل الأخير من الخزانة، حثّهم الأستاذ على تركيز قواهم الذهنيّة لإضافة شكلٍ مضحكٍ على هذا الكائن المتحوّل وعلى إطلاق صرخة "ريديكولاس - Ridiculous " أو "سخيف"... مع تبدّل الأصوات من متردّدة إلى واثقة، تدحرج العنكبوت فوق أرضيّة الحجرة وانفصلت إحدى أربطة المومياء وسقطت على وجهها فتعالت القهقهات وتبدّدت المخاوف...
لقد حرّكت دقائق المقطع هذا فضول أوريليوس - وجسده - فانحنى نحو رولينج ليهمس في أذنها: " تطوّرت البشريّة ولم تتبدّل تفاعلات الإنسان، فمخاوف الكهف عادت لتتّخذ أقنعةً جديدةً في كلّ عصرٍ، من روما إلى نيويورك. إنّ الـ"بوجارت" هو كائننا (المخلص)، نعطيه الأشكال والألوان والنكهات المتعدّدة لكنّه سرابٌ وضبابٌ، لا ميزة فعليّة له. إلا أن القاسم المشترك بين المتحدّرين من سلالة الـ"بوجارت" الأب هو استحواذ هذه الكائنات على تفاصيل ومنعطفات فكرنا ومشاعرنا، فتصوّر لنا حياتنا بأزمانها الثلاثة بشكلٍ مؤلمٍ جداً... والحقيقة هي أن الماضي مصدر الغذاء والمستقبل لا يحدث أبدًا بالطريقة نفسها التي نتخيلها، فمن أين نأتي بمثل هذه الرؤى المؤلمة؟ شكراً لإبداعك سيّدتي"... شعرت رولينج برقيّ الهمسات لزاهدٍ سافر عبر الزمن وحكيمٍ في كل الأزمان... فاحمرّت خجلاً وردّت قائلة: " الشكر لك أستاذ إمبراطور، فأنا رواقيّة البنية وعصريّة الهوى، ومرجعي هو كتاب (تأمّلات)...". لكنّ رغم الهمسات، كان بطل هاري بوتر الممثل دانيال رادكليف يسترق السمع، فشرد في الحديث واستوى فكره متسائلاً:
" كيف يمكن دمج إبداع رولينج بعمق الفلسفة الرواقية وفحوى الدور الذي لعِبْتُه في الفيلم؟ الهدف هو خلق أساليب عمليّة لا تخلو من المرح وحلول ترتقي بالإنسان وتؤدّي لمضاعفة فرص النجاح في تحقيق الصلابة الذهنية والشجاعة في خوض التحديّات".
إنّ الصعوبات والمشكلات التي تواجه الفرد متعدّدة ومتفرّعة، أمّا منهجيّة التعامل معها بسيطةٌ وخاليةٌ من التعقيد. نطبّق فيما يلي هذه المنهجيّة على مشكلة سائدة في عالمنا هي الإفراط في التفكير(over-thinking) . مَن كان من القراء لم يُعِد فكريًّا تكرار شريطِ أحداثٍ حياتيّةٍ ماضية أو توقّعاتٍ مستقبليّةٍ مقلقة، فليضغط على رمز "x” أو العودة إلى "الرئيسيّة" لإقفال المقال. وهذه مشكلة ترتبط بالصحة العقلية وتُوازي في تأثيرِها السلبيِّ على النفس آثار الاكتئاب والقلق واضطراب الكرب التالي للصدمة (Post traumatic stress disorder).
إن بحثنا عن أساليبٍ عمليّةٍ لمعالجة الإفراط في التفكير (عبر غوغل - للحلول التقليديّة) يقودنا إلى النتائج التالية:
· اتّباع خطّة مكتوبة،
· القيام ببعض التمارين الرياضية،
· القيام بأمور عفويّة،
· ملاحظة المبالغة في التفكير،
· التأمّل،
· القراءة،
· التخلّص من الخوف،
· التوقف عن الجري خلف الكمال،
· التركيز على حلّ المشكلات،
· تحدّي الأفكار،…
إنّ هذه الأساليب البديهيّة المطروحة أعلاه تقع ضمن مخطَطٍ محكمٍ يستحثّ الإرادة والمثابرة ويتطلّب التزامًا جدّياً... وحيث يكمن الحلّ تكمن المشكلة... وهذه أيضًا حقيقةٌ مُرّةٌ. في المقابل، إنّ تطرّف الفكر يُدخله في دوّامة تنطلق بأفكارٍ مبدئيّة لا تأثير لها لتتفاقم وتمسي أكثر جديّة يصعب عليه الخروج منها (كتأثير كرة الثلج تمامًا) ... فما هو الأسلوب العملي المباشر المطروح بناءً على حبّ أوريليوس المستجدّ لـ(بوتر)؟
إنّ صوت فكر الإنسان يشبه أو يتناغم مع صوته الحقيقي... حين يلاحظ الفرد أن ذهنه بدأ بالانحدار تجاه المبالغة في التفكير ، فليتذكّر صوتاً طريفًا أو طريقةً مضحكةً بالتكلّم، وليقم بإسقاطهما على أفكاره. يمكنه إعادة الأحاديث بصوتِ ولدٍ صغيرٍ مثلاً إن عاند للحصول على مبتغاه، أو بصوتٍ رفيعٍ جدًا إن شَعَرَ بتصلّب فكره. يمكنه أن يقف كذلك أمام المرآة ويقوم بحركاتٍ طريفةٍ تعكس فكره الزائد، أو حتى يذكر الـ"بوجارت" ويصرخ "ريديكولوس"... الحلول لا تُعدّ وترتبط بشخصيّة المفكّر إلاّ أنّ متعة التمرين واحدة وستنعكس إيجاباً على حالته النفسية فتتبدّل ويصبح بإمكانه المضي قدمًا دون إضاعة المزيد من الوقت...
إنّ للتفكير (خارج الصندوق) وبطريقة مبسّطة فِعْلُ المعجزات على النفس، فتقيها التشعّبات المُضلّة والعقد اللامتناهية. أما العطاء والمشاركة فمفعولهما كالسحر، يضفيان طمأنينة داخليّة وحسًّا بالانتماء. فشاركنا عزيزي القارئ في التعليقات مشكلةً واجهتَها، حلاّ تقليديًّا وبديهيًّا (من غوغل) وحلّا مبدعًا طبّقته في حياتك أو استلهمته من المقال...
مشكلة:
حلّ تقليدي وبديهي:
حلّ مبدع: