16 يناير . 6 دقائق قراءة . 931
كثر في الأعوام الأخيرة الكلام في مجتمعاتنا حول "العنف القائم على النوع الاجتماعي"، والذي بالمجمل أخذ بوضوح منحى الدفاع عن المرأة. خاضت في هذا المجال العديد من المنظمات الإنسانية ذات الطابع الدولي ومنحت الكثير من التمويل للجمعيات الأهلية والمحلية لتنفيذ أنشطة موجهة ومحددة ومبرمجة، بالإضافة إلى التدريبات التي تعطى للموظفين للتأكيد على تمرير المعلومات لأكبر شريحة مجتمعية. كما أنها دخلت ضمن سياسات الجمعيات والتي تطالب بها الجهات المانحة من أجل الحصول على تمويل. أيضا نشطت العديد من مؤسسات المجتمع الأهلي والمثقفين وأجهزة الإعلام لتسليط الضوء على الكثير مما له علاقة بمواضيع "الجندر"، والتي بدورها أصبحت بشكل مقصود أو غير مقصود تركز على المرأة.
وبعد تتالي الأزمات والنزاعات في منطقتنا العربية والشرق أوسطية، ما هو التغيّر الذي حققته هذه الدعوات؟ كيف يمكننا قياس الأثر الذي وصلت له هذه الجهود، تبعاً للمؤشرات التي بنيت عليها؟
ما هي الأحداث التي من شانها أن تحرّك الرأي العام وأن تجعل من هذا الحدث، "قضية رأي عام"؟ وهل قضايا المرأة تحظى باهتمام شعبي كبير؟ وأخيراً إلى أي مدى يمكن لقضايا الرأي العام أن تقود التغيير من المستوى الاجتماعي العام ليصبح نهج تتبناه السلطة على مستوى التغيير في التشريع والتنفيذ؟
مع مطلع العام الجديد هزّت دمشق، العاصمة السورية، جريمة قتل الشابة آيات الرفاعي، والتي كما وصلت للمتابعين وبحسب تعبير الجُنات أنها تمت بكل دم بارد! ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة بكثرة من حيث العدد ومن حيث النوع بين الناس، استطاع الكثيرون الاطلاع ومتابعة مجريات التحقيق، الذي كما علمنا أنه توجّه نحو صفة الجريمة وأصابع اتهام، بسبب النداء الذي وجهته إحدى الجارات، والتي فيما بعد أصدرت وزارة الداخلية في سوريا بيان شكر لها، وبإيجاز ملخص الجريمة أن زوج الضحية وحماها وحماتها عنفوها حتى فقدت الوعي، وعند إسعافها إلى المستشفى وجد الطاقم الطبي أنها فارقت الحياة، ليستتبع ذلك تهديد أخو زوجها لأهلها بالأذى في حال اللجوء إلى السلطات.
تداول معظم الناس القصة إما بحوارات في العمل أو في النادي، في السوق، المطاعم، تغريدات على تويتر، منشورات على الفيسبوك، وصور على الإنستغرام، وبإجماع شعبي على هول الفاجعة وبشاعة الفعل الذي ارتكبه المجرمون الثلاثة (الزوج – والده – والدته).
اليوم؛ وبعد مضي ما يقارب عشرة أيام على الحادثة، أين هي القضية؟ ما هو مصير هذه الفورة التعاطفية؟ إلامَ تحولت قصة آيات؟
-------------------------------------------------------------
إقرأ أيضاً على منصة مرداد
آليات وحلول لقضية العنف الأسري
أثر الثقافة والقيم الاجتماعية على العنف الأسري
أربع نظريات تفسّر مسببّات العنف
الاغتصاب وآثاره الصحية المدمّرة وموقف القانون منه
-------------------------------------------------------------
إذا ما تتبعنا الخط البياني والإحصائي البسيط، المبني على الملاحظة المباشرة فقط، ولاحظنا مجموعة من الأحداث التي سبق وأثارت الحراك في الشارع، نجد أننا نكاد لا نتذكر أياً منها، ولا حتى بالاسم!! فهل يمكننا اليوم القول إن آيات هي قضية رأي عام؟
إن ما يحصل يرتبط مباشرة من حيث النتائج والمنطلقات وحتى من ناحية الصورة العامة، بحالة مجتمعاتنا، التي تفتقد ربما إلى القدرة على الاستمرار بسبب قلّة التنظيم من جهة، وضعف الخبرة بالعمل الجماعي من جهة أخرى، وبالتالي تجدنا نثور بسرعة لقصة هامة لكي نعود ونخمد بعدها سريعاً، وهذا يدّل بشكل واضح على انخفاض في معدل التماسك الاجتماعي. فحتى إن أجمع الكلّ على رأي واحد تجاه قضية ما كقضية آيات مثلاً، تجدهم غير قادرين على بناء مجموعة أو جماعة تتبنى صياغة هذه الآراء لقيادة التغيير ضد المعوقات العديدة التي ستواجههم.
ثم كيف يمكننا تحويل مجرى مثل هذه القصص والقضايا من واقعها الشخصاني (المرتبط بالشخص والحادثة بذاتها) إلى حالة عامة أو إلى موضوع عام؟ ذلك لتجنيب كل فرد من أفراد المجتمع أن يكون ضحية لأي شكل من أشكال العنف. فقضية آيات اليوم هي أمام القضاء، كما نرجو أن ينال كل متورط جزاءه العادل.
ولكن كم من شخص آخر يتعرض لتعنيف ولا يسمع صوته!؟ ما يمكننا فعله هو ضبط هذه القصص، ومنهجة التكلم عنها وتوظيفها في سبيل التوعية. مثلا الإجراءات التربوية في المدارس بين المعلمين والتلاميذ، وتفعيل الحملات على الإعلام بشكل حملات إعلامية وليس فقط برامج وندوات طويلة، في دور العبادة .... إلخ
هكذا يمكننا الانتقال من حالة التعاطف الإيجابي والذي هو محرّك هام، إلى مرحلة الفعل وإيجاد القنوات الحقيقية للتعبير عن هذا التعاطف وهذه العاطفة، بدلاً عن الاكتفاء بشجب ومقاطعة فيديوهات الاعترافات. وتوجه كافة المحطات والإذاعات لبيت الوالدين المفجوعين.
على صعيد آخر، ونتيجة الهزّات هذه، تطفو إلى السطح أهمية الدور الذي تقوم به مجالس الشعب والحكومات في مراجعة القوانين القائمة وسن قوانين جديدة تتماشى مع التغيرات العامة. وتفعيل وتوسيع دور مراكز رعاية النساء المعنَّفات، وتخصيص خط ساخن يمكنهن الاتصال به كما هو الحال في سوريا، وأن تعلم النساء في المجتمع بوجود خط كهذا. لكن الذي بدا من ردة الفعل المجتمعية السورية هو أن النسبة قليلة جداً، وأن اللواتي تعلمن بوجود مساعدة كهذه قد يكنّ بعدد أصابع اليد! لابد من الإشارة أيضاً إلى أن التغيير الآتي من قاعدة الهرم الاجتماعي كثيراً ما يحتاج إلى وقت وجهد أكبر بكثير من التغيير الذي يأتي من أعلى الهرم، كونه يمتلك مفاصل القرار الرسمي وبيده القدرة على التشريع مما يسرع عملية التغيّر الاجتماعي على كافة الصعد.
يبقى الأهم، والصورة الأكمل، هي الوصول إلى دائرة اجتماعية متوافقة من حيث الرؤية والأهداف والقرار والتطبيق، وبالتالي التزام شعبي بتطبيق هذه القرارات حتى قبل صدورها رسمياً ووضعها حيث التنفيذ. وذلك لأنها بالأساس كانت وليدة احتياج حقيقي أولا وتوافق تكاملي ثانياً.
بالطبع لن تنتهي المشاكل على كوكبنا، ولكن الهم العام والسعي الدائم هو للتقليل قدر الإمكان من الحوادث المؤذية لحياة الناس والمجتمع. ولجعل حياة الناس أفضل وأكثر اماناً واستقراراً من كافة النواحي.
فالتحوّل المرجو هو على مستوى تضافر الجهود، الاستعداد الاجتماعي، انفتاح السلطة، تدخل الجمعيات، والتزام المنظمات بخصوصية المجتمعات قيد التطبيق، وعدم قولبة الواقع تبعا للبرامج، بل قولبة البرامج وانشطتها تبعا لدراسة اجتماعية محلية تأخذ بعين الاعتبار خصائص وخصوصية المجتمع.
بهذا الشكل ومع الكثير أيضا من الأفكار يمكن لقضية آيات، أن تتحول لتكون آية في العمل الاجتماعي.
شادي رزق – مدير تحرير قسم الإنسانيات في منصة مرداد
21 يونيو . 7 دقائق قراءة