كتاب اللاطمأنينة للكاتب فرناندو بيسوا

15 يناير  .   5 دقائق قراءة  .    1045

الكتاب: كتاب اللاطمأنينة 

الكاتب: فرناندو بيسوا

التصنيف: مترجم / شذرات يومية - روحانيات- أدب عالمي

ترجمة: المهدي أخريف

دار النشر: المركز الثقافي العربي 

عدد الصفحات: 560 

 

الكاتب فرناندو بيسوا:

هو أنطونيو فرناندو نوغيرا دي سيابرا بيسوا (1888–1935) هو شاعر، وكاتب وناقد أدبي، ومترجم وفيلسوف برتغالي، ويوصف بأنه واحد من أهم الشخصيات الأدبية في القرن العشرين، وقائد حركة الحداثة في البرتغال، ملهم الشعراء وواحد من أعظم شعراء اللغة البرتغالية. كما أنه كتب وترجم من اللغة الإنجليزية والفرنسية إلا أنه لم يحظَ بالشهرة على نطاق واسع إلا بعد بضع سنوات من رحيله، وهذا ما يشير إليه الإقبال الكثيف على ترجمة أعماله إلى أكثر من عشرين لغة أوروبية وغير أوروبية.

 

عن حياته: توفي والد فرناندو حين كان في الخامسة من عمره. تزوجت والدته مرة ثانية وانتقلت مع عائلتها إلى جنوب أفريقيا، حيث ارتاد بيسوا مدرسة إنكليزية. حين كان في الثالثة عشر من عمره عاد إلى البرتغال لمدة عام، وبشكل دائم في عام 1905. درس في جامعة لشبونة لفترة قصيرة، وبدأ بنشر أعماله النقدية والنثرية والشعرية بعد فترة وجيزة من عمله كمترجم إعلاني. في عام 1914 وجد بيسوا أبداله وهي شخصيات اخترعها ومن أهمها: ألبرتو كاييرو، ريكاردو رييس، ألبارو دي كامبوس. لم تكن هذه الشخصيات الوحيدة التي اخترعها بيسوا ولكنه اخترع أخرى عديدة قد تصل بين ٨٠-١٣٦ شخصية ترجمت تسميتها إلى العربية بالأنداد أو الأبدال. لم تكن هذه مجرد شخصيات مستعارة يكتب بها بيسوا وإنما كانت شخصيات مستقلة لهم أسلوبهم الأدبي وآرائهم السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية الخاصة منهم الناقد والمترجم والشاعر. بعضهم يكتب بالإنجليزية والبعض بالبرتغالية أو الفرنسية، كما ذكر بيسوا حياته الخاصة ومراسلاته معهم مما يعطي تصورا عن شخصية ذلك البرتغالي القلقة والغير مطمئنة.

بعد وفاة بيسوا، عثر على حقيبة تحوي على أكثر من 25000 مخطوطة عن موضوعات مختلفة منها الشعر والفلسفة والنقد وبعض الترجمات والمسرحيات، كما أنها تحتوي على خرائط لأبداله، وهي اليوم محفوظة في مكتبة لشبونة الوطنية ضمن ما يعرف بـ"أرشيف بيسوا".

 

المترجم المهدي أخريف:

هو شاعر ومترجم مغربي، يُعد أول من عرّف العالم العربي على أعمال الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا، إذ عمل لسنوات طويلة على ترجمة أعماله الكاملة، ولد في مدينة أصيلة عام 1953م، وفيها أنهى دراسته الإعدادية، وفي مدينة القصر الكبير انتهى من المرحلة الثانوية لينتقل بعدها إلى فاس، حيث التحق بكلية الآداب وتخرج فيها عام 1973م، له ما يزيد عن 6 دواوين شعرية، وعدد لترجمات من اللغة الإسبانية.

 

يقول أخريف عن كتاب اللاطمأنينة، إنه لا شك في أن ظهور «كتاب اللاطمأنينة» في طبعته الكاملة للمرة الأولى في لغته البرتغالية الأصيلة في لشبونة عام 1982 أي بعد وفاة المؤلف، سدّ شفرة أساسية في معرفتنا بواحد من أكبر شعراء العالم. قبل هذه الطبعة كانت معرفتنا بهذا الكتاب النثري الفريد جزئياً لا تتجاوز بعض النصوص والشذرات. ويشير أخريف الى الجانب الأبرز من الصعوبات التي واجهت «كتاب اللاطمأنينة» ويتمثل في افتقار مخطوط الكتاب الذي وُجدت أوراقه موزّعة على تسعة أغلفة، الى أي نوع من التنظيم والترتيب، وفي غموض الخط وسريته وحميميته في كثير من الشذرات التي خلا غالبها من التواريخ، ما دفع محققي الكتاب الأصلي الثلاثة الى إخضاع مقاطعه لترتيب موضوعاتي متدرج يحافظ على المادة ويترك الباب مفتوحاً للاجتهادات.

 

عن الكتاب: 

يعد هذا الكتاب بمثابة يوميات / شذرات / تأملات / خواطر لفرناندو بيسوا دونها على مدار نحو أكثر من عشرين عامًا وبقيت في الطي والكتمان حيث لم تنشر في كتاب خلال حياته، وقد استغرق ظهوره للنور أكثر من عشر سنوات بسبب العراقيل التي وجدها المترجم، فالكتاب هو مادة خام لم يتمكن بيسوا من تعديل أو إضافة أو تحقيق الكتاب. إن الجهد الذي بذله المترجم فاق كل حدود التصور، كما يجب الإشارة إلى أن هناك الكثير من المقاطع الغير مكتملة والتي إضطر المترجم إلى ترك فراغ يشبه هذا ( --- ) إشارة إلى أن جزء من النص مفقود أو () إشارة إلى أن هناك إضافة من الناشر.  هو ربما من نوع الكتب التي يصعب مراجعتها وتقييمها. بعض الفصول كانت استثنائية والبعض الآخر يشوبه الغموض وعدم وضوح المعنى. 

 

طريقة مختلفة ومغايرة في أسلوب السرد والتأليف. فهو ليس كتابا كلاسيكيا في طرحه وأفكاره. إنها مجموعة من التأملات والأفكار حول الحياة والوجود، بالمعنى الفلسفي الواسع والمعنى الروتيني الضيق. يحتاج الى كثير من التركيز والبطء والمجهود القرائي لسبر غور الأفكار التأملية الواردة. تم نشر الكتاب بعد وفاة بيسوا عام 1982، إلا أن الكتاب كتب في الفترة ما بين عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. هذه القطعة من الأدب الحديث تتحدى التصنيف. ولكي نتعرف على قلق ولاطمأنينة بيسوا لا بد من تعريف الطمأنينة بمعناها اللغوي، فالطمأنينة لغة الثقة وعدم القلق وطمأنينة النفس هي راحتها وسكونها وثباتها.

 

الطمأنينة أهم من السعادة، السعادة ترتبط بالمسرات. الطمأنينة ترتبط بالقناعة والسلوكيات. فالسعادة مؤقتة والطمأنينة دائمة، الطمأنينة هي الحياة الحقيقية السعيدة التي ينشدها كل الناس لكن لا يهتدون إليها. السعادة هي غاية كل إنسان في هذه الحياة، والطمأنينة هي العامل الأهم في تحصيل تلك السعادة. وبالعودة إلى لاطمأنينة بيسوا، كتب فرناندو بيسوا تحت العديد من الأسماء المستعارة في حياته، كان المؤلف الخيالي لكتاب اللاطمأنينة هو برناردو سواريس واحدًا من هؤلاء، وهو مساعد محاسب في لشبونة يعيش حياة منعزلة للغاية. حالم وكاتب نثر، فأتى الكتاب إجمالا عبارة عن مجموعة من الملاحظات والمقالات والشعر الرمزي والنثري الذي كتبه "برناردو سواريس".

 

 يتكون هذا الكتاب من أجزاء كثيرة بالإمكان ترتيبها بأي ترتيب. "سيرة ذاتية خالية من الحقائق" عن الحياة الداخلية لسوارس بدلاً من حياته الخارجية. الكتاب عبارة عن سلسلة من التأملات، لا توجد حبكة، فقط أفكار مفككة عن العالم. أكثر العناصر الفريدة في العمل هي نثره الجميل وفلسفة الحياة التي تتبنى أساسًا العزلة الشديدة لمنع خيبة الأمل وتعتبر الأحلام المصدر الوحيد الممكن للسعادة. 

 

 أمضى بيسوا حياته كلها في كتابة هذه النصوص، وتركت جميع الأجزاء في حالة من الفوضى، غير مكتملة وغير مصقولة.  لذلك فإن كتاب اللاطمأنينة الذي لدينا هو في الحقيقة عبارة عن عملية تنظيم وتفسير وترجمة وجمع قام بها المحرر، وليس بيسوا نفسه، لهذه النصوص حيث تم جمع التأملات الوجودية لهذا المحاسب البرتغالي الخيالي برناردو سواريس من صندوق في منزل بيسوا بعد وفاته. لا توجد حبكة، ولا قصة، ولا "شخصيات" فقط النثر الشعري الجميل لبيسوا صفحة تلو صفحة.

 

وفي هذا الكتاب يخبرنا بيسوا بأنه شعر بالحاجة إلى التعامل مع إحساسه بالتوحد عبر ملء العالم الواقعي بشخصيات خيالية تسكن حنينه بالعودة لبيته وخوفه من عدم تمكنه من ذلك للأبد، تم وصف تلك الحالة على أنها حالة مرضية أو شكل من أشكال الاكتئاب النوستالجي. بل إن أحد محرري أعماله المعاصرين، وجد في أرشيفه عدداً من الجرائد المتخيلة التي بدأ كتابتها في سن مبكرة. يقول بيسوا: "منذ كنت طفلاً شعرت بالحاجة إلى توسيع العالم بشخصيات متخيلة، أحلام لي صيغت بعناية، متصورة  بوضوح فوتوغرافي، وسبرت أغوارها حتى أعماق روحها"، لقد كان طفلاً منعزلاً وراضياً بذلك. لذلك انشغل بيسوا كثيراً بالآخر. ولكن الآخر لم يكن أحداً سواه. فهو كان هذا الآخر، ليس للآخرين وحسب  بل لنفسه أيضاً. كان في أعماقه شخصاً آخر، بل أشخاصاً آخرين لهم حيواتهم وأحلامهم وأحزانهم ومهنهم وأسرارهم. كانوا يتناقشون معاً، ويتساجلون، ويتبادلون الهواجس والأفكار. وإن كان بيسوا هو الذي صنعهم، فهم سرعان ما استقلوا عنه، وعن هذا قال: "اخترعتُ لهم أسماء، صنعتُ تاريخاً لكل واحدٍ منهم، ثم سرعان ما صرت أراهم واقفين أمامي بوجوههم وقاماتهم وملابسهم وحركاتهم. وهكذا فقد صار عندي الكثير من الأصدقاء الذين لم ألتقِ بهم قط ولم يكن لهم وجود على الإطلاق ".

 

 سواريس في كتاب اللاطمأنينة يستكشف الكون ... في أحلامه. كما يصف حالته الخاصة من التخلي عن العالم. يكتب سواريس عن الملل الذي يسكن روحه، عن تغير الفصول، عن أسرار وجمال الحياة، عن عدم الكفاءة، عن الله، الميتافيزيقيا، والأدب والشعر، والحساسية، وعدم قدرته على التعبير عن نفسه. يفعل ذلك بمهارة واهتمام دقيقين. ويهتم بالحياة والفن والوقت والأرق. هناك شذرات تتعامل مع القلق الوجودي والملاحظات الاجتماعية والتكهنات الفلسفية. الأديب لا يتحدث بلغة العقل بل بلغة الروح والباطن والمشاعر الخفية فيعبر عن معاني عميقة لا يفهم العامة والرمزية قد تكون بالأسلوب في صور البديع والبيان من التشبيه والتمثيل والاستعارة والمجاز والكناية ورمز الصور الخيالية في التعبير. معظم مقاطع الكتاب قصيرة جدًا وغالبًا ما تكون غير مرتبطة تمامًا بما يأتي قبله أو بعده.

 

هذا الكتاب هو تجربة. ولذلك هناك دائمًا إحساس بإعادة اكتشاف المعنى في كل فصل، بغض النظر عن طوله أو قصره. بعضها أفكار عبثية. علاوة على ذلك، تكمن عبقرية بيسوا في قدرته على صياغة شخصيات مختلفة عن هويته. هذا هو السبب في أن قراءة هذه السيرة الذاتيةأو الشذرات واليوميات غير المكتملة تشعر وكأن شخصًا ما يختبئ في فجوات الفضاء؛ في كل نفس من الفضاء والخط؛ في المقاطع النثرية والشعرية ويا له من كيان حزين ووحيد- ليكون حالمًا مليئًا بالأمل ولكنه يعاني من الكآبة والوحدة ليجد الراحة في محاولاته للسخرية والعبثية. أفكار وخواطر قد تدل على شخصية حساسة وإنسان متوحد متشائم حالم ووحيد وتأملات ناتجة عن الوحدة وصعوبة الحياة التي عاشها والعزلة ونقص الحب والدفء في العلاقات العديد من النصوص مبهرة وبعضها مزعجة، أخرى محيرة للغاية أو متكرر وبعضها ممل تمامًا. إنه كتاب مثير للقلق، من الأفضل تناوله بجرعات صغيرة، ليس سهل القراءة على الإطلاق. قد تحب هذا الكتاب السريالي والفريد من نوعه، فهناك الكثير من الاقتباسات الرائعة وقد تعجبك العديد من أفكار سواريس مثل بعض أفكاره حول الفن والأدب والدين والسياسة، لكن أفكارًا أخرى قد لا تستطيع فهمها تمامًا. كما كانت هناك بعض الأوصاف الجميلة للمناظر الطبيعية. الكتاب وجهة نظر مثيرة للاهتمام تجعل القارئ يفكر مليا في طبيعة الأشياء بطريقة مختلفة. كناب مغرق في أجواء التشاؤم والعدمية، إلا انه مليء بالمفردات الشاعرية والجمل الغريبة والصور المدهشة.

 

الخاتمة   

​كتاب اللاطمأنينة حقا مزعج، هو كتاب القراءة البطيئة جدا. هو نص مزدوج بل متعدد الهوية ومتعدد الأنماط بين التأملات والاستنباطات والتداعيات والتأمل في مقامات الوجود. زمنه هو زمن اليوميات يراقب الحياة من مكان المتفرج عليها وعلى نفسه. يحوي الكتاب الكثير من العبارات والملاحظات الجميلة التي تنفذ الى أعماق الروح المحبطة والمعذبة. 

 

اقتباسات

  • "نحن لا نحبّ أحدا أبدا. ما نحبّه فقط هو فكرتنا عمّن نتوهّم أننا نحبّهم. ما نحبّه هو مفهومنا عن ذواتنا."
  • "ذات يوم قد يدركون أنني أكملتُ، كما لم يفعل أيَّ شخص آخر، واجبي منذ الولادة كترجمان لجانب من جوانب قرننا هذا؛ وعندما يدركون ذلك عليهم أن يعلموا أنني لم أكن مفهوماً في العصر الذي عشت فيه، وأنني عشت وسط أجواء من الجفاء واللامبالاة وأنّه من المؤسف أن هذا ما حدث لي وأنّ من يكتب هذا الآن سيكون في العصر الذي يكتبه فيه غير مدركٍ مثلَ من يحيطون به لشبيهه في الزمن المستقبلي، ذلك لأن الأحياء يتعلّمون فقط من أجدادهم الذين ماتوا والأموات وحدهم هُم من نعرف تعليمَهم القواعد الحقيقية للحياة".
  • "أحدّق إلى الخارج من نافذة غرفتي، وأرى عددا هائلا من النجوم. لكن لا شيء هنا غير ذلك العدد الهائل من النجوم. "
  • "أنا هوامش مدينة ليس لها وجود، أنا التعليق المسهب على كتاب لم يكتب، لست بأحد أنا، لا أحد. لا أعرف كيف أحس، لا أعرف كيف أفكر، لا أعرف أن أرغب، أن أريد. أنا نموذج في رواية ينبغي أن تكتب، يمر مرور الأثير، ويتوارى، بدون أن يكون قد وجد، في أحلام من لا يعرف منحي الاكتمال. "
  • "عزلتي ليست بحثا عن سعادة لا أملك روحا لتحقيقها؛ ولا عن طمأنينة لا يمتلكها أحد إلا عندما لا يفقدها أبدا، وإنما عن حلم، عن انطفاء، عن تنازل صغير."
  • "روحي عبارة عن أوركسترا خفيفة لا أدري أي الآلات تعزف فيها أو تصر، أوتار وقياثير، نقارات وطبول بداخلي لا أتعرف على ذاتي إلا كسيمفونية وحسب."

 

بقلم: د. شهيرة إبراهيم التركماني والسيدة سهام جبريل 

تحرير ومراجعة: د. مايا أبوظهر 

 

 

  1
  2
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال