28 نوفمبر . 4 دقائق قراءة . 10238
بقلم سلوى القدومي
تعد رواية كتاب الأمير مسالك أبواب الحديد من أهم الروايات والأعمال التي صدرت للكاتب والروائي الجزائري الشهير الدكتور واسيني الأعرج، وقد لاقت هذه الرواية شهرة كبيرة واحتلت مكانًا مميزاً في قائمة الكتب الأكثر مبي ًعا في الجزائر وكذلك في الوطن العربي ككل، حيث حصلت على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الرواية. يتحدث الكاتب في الرواية عن رحلة جهاد الأمير عبد القادر الجزائري، ساردا دوره في تاريخ الجهاد والتحرير الجزائري والأسباب التي أدت به إلى الاستسلام وعقد الهدنة مع الفرنسيين، وعن سجنه في قصر "أمبواز" بفرنسا لخمس سنوات متتالية، كما يتحدث عن علاقته بالقس المسيحي "مونسنيور ديبوش" الذي أعجب بشخصية الأمير وعمل جاهدا من أجل إطلاق سراحه ورفع الظلم عنه ودفع فرنسا لتنفيذ وعودها له حسب الاتفاق المبرم. ومن المنتظر صدور جزء ثان يغطي الفترة التي قضاها الأمير عبد القادر في اسطنبول وسوريا بعد ذلك.
المؤلف: واسيني الأعرج النوع: الرواية تاريخية اللغة: العربية

الناشر: دار الآداب تاريخ الإصدار:1/7/2005 عدد الصفحات: 632 الجوائز: جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الرواية
نبذة عن الكاتب:
يعتبر واسيني الأعرج أحد أهم الأصوات الروائية في العالم العربي وهو قامة عالية في عالم الفكر والأدب والإنسانية وصاحب مشروع روائي استثنائي. يكتب بالعربية والفرنسية بفكر عالمي مستنير ولغة عرف كيف يطوعها حتى تقول ما لا نستطيع قوله وذلك برقة شاعر ورهافة فنان ذو بصمة مميزة. ولد الكاتب في 8 أغسطس 1954 بقرية سيدي بوجنان في تلمسان وهو يشغل حاليا منصب استاذ كرسي بجامعتي الجزائر المركزية والسوربون الفرنسية حيث يعيش. ترجمت العديد من رواياته إلى عدة لغات منها الإسبانية والألمانية والإنجليزية والعبرية والدانماركية والسويدية والفرنسية التي يكتب ويدرس بها. صدر له أكثر من أربع وعشرين رواية، آخرها رواية ليليات رمادة التي تم تحويلها مؤخرا إلى عمل مسرحي، هذا بالإضافة إلى إصداراته من الكتب والأبحاث والعديد من المقالات. تم اختيار روايته حارسة الظلال سنة 1997 ضمن أفضل خمس روايات صدرت في فرنسا كما تم اختياره في سنة 2005 كواحد من ستة روائيين عالميين لكتابة التاريخ العربي الحديث. وقد ترشحت رواياته للقائمة الطويلة لجائزة البوكر عدة مرات وحصل على العديد من الجوائز مثل جائزة الإبداع العربي التي تمنحها مؤسسة الفكرالعربي عن رواية أصابع لوليتا 2013، جائزة كتارا للرواية العربية لفئة الروايات المنشورة عن روايته مملكة الفراشة.
مراجعة الرواية:
يُقرأُ التاريخ في هذه الرواية من زاوية مختلفة ومن خلال سرد روائي يعطي المعلومة في قالب من المتعة والابداع. إنها ليست رواية بديعة ملهمة وقيمة فقط، بل هي "كتاب" كما أطلق عليها كاتبها وشهادة في حق الأمير عبد القادر الجزائري، الذي لم يأخذ حقه قبل هذه الرواية من الاهتمام والبحث والتوثيق.

تجيب الرواية عن الكثير من التساؤلات حول حياة الأمير: عن نضاله ومنفاه، عن ايمانه وثقافته وكتاباته، عن المقاومة والتمسك والاستسلام والتضحيات والخيانات، عن خياراته وإنجازاته وهزائمه وانتصاراته، وعن انسانيته التي لم تغب حتى في أصعب الظروف.
تسير الرواية في خطين متوازيين يتقاطعان ويتداخلان ليكونا نص الرواية، ما بين حكاية الأسقف المسيحي "ديبوش" الذي كان في الجزائر، ثم اختبر المنفى وتقاطعت حياته مع حياة الأمير عند توسطه لديه للإفراج عن الأسرى. أصبح بعدها صديقا للأمير يزوره في منفاه ويسأله ويحاوره آخذا على عاتقه
مهمة كتابة رسالة إلى نابليون الثالث يوضح فيها موقف الأمير والظلم الذي تعرض له، وضرورة أن تفي فرنسا بوعدها للأمير وأن تطلق سراحه من سجنه في قصر "امبواز" مع أهله وخاصته؛ وبين حكاية الأمير الذي قاوم الاحتلال بكل إخلاص وذكاء وحنكة، القائد الفذ والإنسان المثقف والمتدين المناضل
الذي اضطرت فرنسا أيامها على إقالة أربعة جنرالات وتعيين غيرهم في محاولاتها للتغلب على هذه الثورة التي قادها. هو الأمير الذي لم تمنعه الحرب من معرفة ما ينقص شعبه من أدوات ومعدات ووحدة فعمل جاهدا على توفيرها، هو المجاهد الذي لم يكتب عنه الكثير إلا ما ذكر في كتب التاريخ مع أن أساليبه في الدفاع والهجوم والمناورة تصلح لأن تدرس. كيف خطط ودبر وكيف حاول أن يستغل الهدنة التي لم تدم طويلا من أجل بناء جيش قوي! وتحضير أسلحة ومعدات للحرب وتأسيس نظام عسكري وسياسي لم ينفرد فيه بالسلطة! بل كان يؤسس ليبني دولة ولكن الخيانات والقوة المعادية وقلة الإمكانيات لم تساعده على الاستمرار.
تشعر وانت تقرأ هذه الرواية كأنك تعيش مع الأمير في حروبه وانتصاراته، وفي طموحاته ونضاله. تقف معهم تحت الأمطار وتعبر معهم نهر الملوية، تشاهد مدينته وهي تبنى ثم وهي تهدم وتعجب من الزمالة، تلك العاصمة المتنقلة المنظمة، ومن هذه العبقرية العسكرية والاستراتيجية. وتقبع مع الأمير في سجنه كما تشعر بالمرارة التي تتملك المنفي عن أرضه، ثم يتملكك العجب من هذه القدرة على التأقلم والتعامل مع
تغير الظروف والخروج من وضع لم يعد الاستمرار فيه خيارا صائبا. هذه الشخصية العظيمة التي نحتاج سنوات لدراستها وفهم طريقتها وافكارها أبهرت القراء. كم لدينا من عظماء وكم لدينا من خونة، وكم نحن مغيبون وبعيدون عن تاريخ كان علينا أن نتدبره ونتمثله ونعلمه لأولادنا عن قائد عظيم وانسان مثل الأمير.
ربما يرى البعض أن حوار الأديان في الرواية هو الموضوع الأبرز ولكن من ناحية أخرى نجد في الرواية توثيقا فنيا بديعا لسيرة رائعة مشرفة ومؤثرة فيها الكثير من الدروس والعبر للإنسانية. وكان من الأفضل إرفاق ترجمة عربية ولو على الهامش لبعض الفقرات التي أدرجت باللغة الفرنسية، والحد من الإطالة والتكرار في الفقرات التي تخص حياة الأسقف "ديبوش"، لكن ربما كان هذا مما يستلزمه بناء الرواية. وتبقى هذه الرواية تحفة أدبية وقراءة تاريخية، التي لا بد أنها تطلبت الكثير من الجهد والبراعة في جمع تفاصيلها والبحث عنها وفي بناء هذا السرد الجميل الذي أوصلها لنا الكاتب واسيني الأعرج بأسلوب بارع وصادق وبديع.
بقلم: سلوى القدومي
تحرير ومراجعة: شذى عاصم شلق ، شذا القعود، د. مايا أبوظهر
12 نوفمبر . 8 دقائق قراءة
09 مايو . 5 دقائق قراءة