ضياع فنان في سرايا السلطان

Mohamed Khassif

26 أكتوبر  .   3 دقائق قراءة  .    359

تجليات ظهور اللوحة التصويرية بالمغرب

                                                                                                                                                   ـ 2 ـ

 

 

 

 

 

يعد جوستوس شتويلينج  Justus Stuijling (1595 ـ 1624)، حسب ما توصل إليه بحثنا، ثاني رسام أجنبي زار المغرب، وكان ذلك عام 1620، ليشتغل في بلاط السلطان السعدي مولاي زيدان، يصمم ويسهر على إنجاز جداريات فنية بقصر البديع بمراكش. قضى، قسرا بمحلة الشريف، أربع سنوات يتنقل بين جنبات المدينة الحمراء، ثم انقطع أثره فجأة في العام 1624.

ضياع فنان في سرايا السلطان

 

كثير من الغموض يشوب مقام الرسام الهولندي* يوستوس شتولينج ببلاط السلطان مولاي زيدان**، ثم انقطاع أثره المفاجئ! 

هل غادر المغرب بعد 1624؟ هل لقي حتفه بطريقة ما، خصوصا وأن البلاد في ذلك العهد لم تكن تعرف استقرارا سياسيا، بسبب الفتن والصراع على الحكم بين أبناء أحمد المنصور؟ هل اعتُقِل ورُمِي به في سجون السلطان؟ هل تم استرقاقه، كما جرت العادة مع المسيحيين الذين تعرضوا للقرصنة؟ هل سافر مع أحد أقاربه إلى البرازيل الهولندية***، كما يدعي بعض المؤرخين؟ وهذا يستبعد في رأينا، وإلا كانت هولندا قد توصلت ببعض أعماله كغيره من الفنانين الذين التحقوا بالمستعمرة الأمريكية، وأدرج اسمه ضمن لائحة فناني العصر الذهبي الهولندي.

أسئلة يصعب الإجابة عنها في غياب مصادر تدون حياة هذا الفنان الهولندي الضائع. والأرشيف الهولندي نفسه، لا يتوفر على ما يشفي الغليل فيما يخص حياته. ففي ذلك العهد، إلى نهاية القرن الثامن عشر، كانت قلة من الأجانب يتنقلون بحرية في أنحاء المغرب. ومَن يُصادَف في الطريق يكون إما من أسرى الحرب، أومن المتمردين الهاربين من شبه الجزيرة الإيبيرية، أو من بحارة ومغامرين تقطعت بهم السبل، أو من القناصلة والسفراء، يتنقلون في مواكب رسمية ومحمية، أومن المبعوثين الكنسيين الذين كانوا يفدون على السلطان قصد تخليص ضحايا القرصنة من الأسرى والمعتقلين. (Lepses ص.36)

ما يمكن ترجيحه أن قضية الرسام يوستوس شتولينج لم تشغل بال السلطان ولم تكن من اهتماماته، خصوصا أنها رفعت إلى الولايات العامة من طرف صديقه ألبيرت رويل Albert Ruyl، الذي صدرت منه تصرفات لم ترض مولاي زيدان، فرفع شكوى ضده إلى الحكومة الهولندية. وكان ألبير رويل أيضا عنصرا غير مستساغ من طرف السفير جوزيف بالاش**** Joseph Pallache (1580 – 1638؟)، التاجر اليهودي المغربي، الذي عينه السلطان مولاي زيدان عام 1608، مع شقيقه صمويل بلاش مبعوثين إلى الحكومة الهولندية في لاهاي، فكانت العلاقات بين الرجلين متوترة للغاية، لدرجة أن بلاش حجب رويل عن مقابلة السلطان، وألزمه البقاء بأسفي سبعة أشهر دون أن يتيح له فرصة تفقد منطقة رأس كانتين التي قدم من أجلها. ففي العام 1622، فوضت الولايات العامة الهولندية لألبيرت رويل مهمة تتبع مشروع ميناء رأس كانتين الواقع على ساحل المحيط الأطلسي بين مدينتي الدار البيضاء وأسفي. وبعد فشله في مهمته، سُمح له بالعودة إلى هولندا بصحبة السفير المغربي الجديد، يوسف بسكاينو Youssouf Biscaino، الذي كان حاملا شكاية السلطان إلى الولايات العامة بشأن سوء تصرف رويلخلال مقامه بالمغرب.

على الرغم من أن ألبرت رويل فشل في مهمته، إلا أنه ترك مذكرات مهمة تقدم الكثير من المعلومات حول الوضع الاجتماعي والسياسي في المغرب آنذاك، وفيها يشير إلى لقائه مرتين بالرسام يوستوس شتولينج. 

مما جاء في مذكراته: " الجمعة 31 ماي، استقْلَلْتُ برفقة بعض التجار قارب سفينتنا (...) كان فرحي كبيرا عندما وجدت نفسي خارج هذا البلد التعيس. أتوجه بالشكر من كل قلبي إلى الله تعالى. ومع ذلك، شعرت بالأسى لرؤية أن يوستوس شتويلينج، من روتردام، الذي كان رسامًا لجلالة الملك منذ أربع سنوات، ولم يتلق فلساً واحدا خلال العامين الماضيين، لم يتمكن من الحصول على إجازته، رغم العديد من الطلبات التي توسل بها إلى جلالته". (SI du Maroc, T. 3 p.533) 

روى الكاتب الهولندي جيروين ستولك Jeroen Stolk  في مؤلفه "  Delft gezien door de ogen van het Delftse geslacht Stuijling  الصادر عام 2014، أن شخصا اسمه بيتر ميرتنسز كوي ذهب إلى المغرب، بناء على طلب من الولايات العامة لمقابلة رسام هولندي، ولم يذكر اسم الرسام الذي قابله آنذاك. 

مع استحالة العثور على أثر ملموس للرسام جوستيوس، يستحضر الكاتب جيروين ستولك، المسار البرازيلي. فقد كتب يقول: "كانت البرازيل الهولندية المكان المثالي للرسامين، وبما أننا لم نسمع به من قبل في بلده، فمن المحتمل أنه مات أو ذهب إلى البرازيل".  حقيقة أن كورنيليس لامبريشتس ستولينج أحد أبناء أعمام جوستوس ستويلينج التحق بالمغرب كسكرتير بإدارة التاجر إسحاق بلاش، أحد أقرباء الدبلوماسي المغربي صامويل بالاش. يقول الكاتب الذي يتذكر أن إسحاق بالاش غادر المغرب في خريف عام 1639 متجهاً إلى مدينة ريسيفي البرازيلية: «إنها أكثر من مجرد صدفة إذا كان جوستوس على اتصال بعائلة بلاش المغربية ". وأن إسحاق بلاش غادر المغرب في خريف 1639 متوجها نحو البرازيل وبصحبته الرسام جوستوس. ومن المحتمل أن هذا حدث بعد وفاة السلطان زيدان عام 1627.

هوامش:

* بدأت العلاقات الرسمية بين المغرب وهولندا لأول مرة في عهد المولى زيدان، وكان ذلك في لاهاي بتاريخ 24 ديسمبر 1610 م. ومن سفراء المولى زيدان إلى هولندا وفرنسا أحمد الجزولي قاضي تارودانت وسوس وناصر قرطة والقائد يوسف بيكاستر وأحمد بن قاسم الحجري. وكان ممثل المغرب في هولندا زمن المولى زيدان هو اليهودي المغربي بلاش، المنحدر من آل بلاش وهي أسرة معروفة بالمغرب. وكتب بلاش إلى المولى زيدان باقتراحات حول هولندا. (ويكيبيديا)

**هو زيدان الناصر بن أحمد السعدي الحسني أو مولاي زيدان هو تاسع سلاطين المغرب السعديين. حكم بين 1613 -1628، بعد أن خلف والده أحمد المنصور الذهبي. كان زيدان فقيها مهتما بالعلوم. (ويكيبيديا بتصرف)

*** البرازيل الهولندية، تعرف أيضاً باسم هولندا الجديدة، كانت الجزء الشمالي من البرازيل، يحكمها جمهورية هولندا خلال الاستعمار الهولندي في الأميركتين بين 1581 و1654.

**** جوزيف بالاش (حوالي 1560 - 1638/1648/1657) ، كان تاجرًا يهوديًا مغربيًا ودبلوماسيًا من عائلة بلاش ، الذي ساعد شقيقه ، كمبعوث ، على إبرام معاهدة مع الجمهورية الهولندية في 1608.

عائلته من إسبانيا الإسلامية ، حيث كان والده حاخامًا في قرطبة. خلال النصف الأول من القرن السادس عشر ، بعد الفتح المسيحي لإسبانيا الإسلامية (la Reconquista) ، فرت العائلة إلى المغرب.

 بعد توجه وفد من هولندا إلى المغرب لمناقشة تحالف مشترك ضد إسبانيا والقراصنة ، عيّن السلطان زيدان أبو معالي في عام 1608 الأخوين التجاريين صموئيل وجوزيف بالاش كمبعوثين له. إلى الحكومة الهولندية في لاهاي. رسمياً ، خدموه "عملاء" وليس سفراء. في 24 ديسمبر 1610 ، وقع البلدان معاهدة الصداقة والتجارة الحرة ، وهي اتفاقية تعترف بالتجارة الحرة بين هولندا والمغرب وتسمح للسلطان بشراء السفن والأسلحة و ذخيرة للهولنديين. كانت واحدة من أولى المعاهدات الرسمية بين دولة أوروبية وأخرى غير مسيحية.

بعد وفاة شقيقه صموئيل في عام 1616 ، ورث جوزيف منصبه كعميل رئيسي للمغرب في هولندا. عندما ذهب إلى المغرب ، عمل ابنه ديفيد بالاش كمساعد له. خلال إحدى رحلاته إلى المغرب ، حاول هو وشقيقه موسى بناء ميناء جديد بالقرب من كاب كانتين  لكن المشروع فشل.

يختلف تاريخ وفاة بالاش على نطاق واسع في التقارير، حيث يظهر سجل الدفن الخاص به فجوة مدتها 10 سنوات تبلغ "1639 أو 1649".

 

مراجع:

  • عبد الهادي التازي ـ التاريخ الدبلوماسي للمغرب، المجلد الثامن السعديين، 1988
  • عبد الهادي التازي ـ قصر البديع بمراكش من عجائب الدنيا، وزارة الشؤون الثقافية الرباط 1977.
  • شربا داغر ـ الفن العربي الحديث ظهور اللوحة، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى 2018
  • محمد الصغير اليفرني ـ روضة التعريف بمفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف، حققه عبد الوهاب بن منصور، الطبعة الثانية، المطبعة الملكية الرباط 1995
  • عبد الرحمان بن زيدان ـ المنزع اللطيف في مفاخر المولى إسماعيل الشريف، تحقيق عبد الهادي التازي، مطبعة إديال الدار البيضاء 1993
  • http://verhalenwiki.nl/index.php?title=Hofschilder,_De_vergeten&redirect=no
  • Michel Abitbol, Histoire du Maroc, Paris, Perrin, 2009, p. 358.
  • Lope de Vega, Mémorial informatif des peintres dans le procès (...) sur l'exemption de l'art de la peinture , réuni dans Calvo Serraller, Francisco, Peinture de la Théorie de l'âge d'or , Madrid, Chaise, 1991.
  • Marlène Lespes ـ De l’orientalisme à l’art colonial : les peintres français au Maroc pendant le Protectorat (1912-1956), THÈSE de Doctorat, Université Toulouse Jean Jaurès 2017
  • Le Comte Henty de Castries – Sources inédites de l’histoire du Maroc, 1ère Série, Pays-Bas, T. IV, Requête de Ruyl du 15 novembre 1624, p. 46.
  • Khalil M’rabet – Peinture et identité l’expérience marocaine, ed. L’Harmattan, Paris 1987
  • CRUZ YÁBAR, María Teresa, «El viaje de Blas de Prado a Berbería en 1593 y el regreso del pintor», en Actas del XX Congreso Nacional de Historia del Arte (CEHA), El Greco en su IV Centenario : Patrimonio Hispánico y Diálogo intercultural, Toledo, 2014, Documento 2

 

 

 

 

 

  1
  1
 0
مواضيع مشابهة

26 أكتوبر  .  3 دقائق قراءة

  1
  1
 0

09 أكتوبر  .  3 دقائق قراءة

  3
  3
 0

10 نوفمبر  .  1 دقيقة قراءة

  3
  6
 0

03 يناير  .  1 دقيقة قراءة

  0
  2
 0

19 يوليو  .  1 دقيقة قراءة

  3
  3
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال