مقدمة قصيرة جدا "معنى الحياة"

11 يناير  .   5 دقائق قراءة  .    793

الكتاب "معنى الحياة"

الكتاب: مقدمة قصيرة جدا "معنى الحياة"


النشر: صدر الكتاب الأصلي بالغة الإنجليزية عام 2008 عن دار نشر جامعة أكسفورد.

 

الترجمة العربية: صدرت هذه الترجمة عن مؤسسة هنداوي 2014.

 

عن المؤلف: تيرينتس فرانسيس إيجلتون، هو أحد أهم الباحثين والكتَّاب في النظرية الأدبية، ويُعد من أكثر النقاد الأدبيين تأثيراً بين المعاصرين في بريطانيا. وهو أستاذ الأدب الإنجليزي حالياً في جامعة لانسيستر وهو أستاذ زائر في جامعة أيرلندا الوطنية في غالواي. 

 

ولد إيجلتون في مدينة سالفورد عام 1943، وكتب ما يزيد عن 40   كتاباً من أهمها: كتاب"Literary Theory: An Introduction"، ويعد من أهم أعماله في النظرية الأدبية، وكتاب "The Gatekeeper"،  وهو مذكرات لإيجلتون يظهر فيها نشاطه الماركسي، وكذلك كتاب "After Theory" الذي يمثل تحولاً كبيراً في فكر إيجلتون حيث هاجم فيه النظرية الاجتماعية والأدبية الحديثة.

 

عن المترجم: شيماء طه الريدي ، خريجة لغة إنجليزية قسم اللسانيات -  جامعة عين شمس ، القاهرة،  تعمل في مجال الترجمة في الدور المصرية  اللبنانية منذ عام 2003 .

 

مقدمة:

أن نعرف معنى الحياة، أن نتحدث عنها؛ أما الحياة في ذاتها فليس لها معنى مثلما نتحدث عن غيمة  بوصفها حقيقة أو  زائفة. فالحقيقة والزيف هما وظيفتان من وظائف مفاهيمنا الإنسانية  المسبقة حول الغيوم . تعاني وجهة النظر   هذه من مشاكل كثيرة، مثلما تعاني وجهات النظر الفلسفية  ولو دققنا في  ما معنى الحياة ؟  لكان الجوهر هو علة  وجود أي شيء بإطلاق ، بدل من لا شيء. معالة وجود أي شيء يمكن إزاءه  أن نسأل "ما هو معناه" ؟  ينقسم الفلاسفة  حول  ما إذا  كان هذا السؤال حقيقا أو زائفا . في حين أن علماء اللاهوت  يرون أن الجواب  على هذا السؤال هو "الله" . فالله هو خالق الكون وعلة وجود كل شيء بدلا من لا شيء في هذه الحالة  فإن  الجواب على اللآهوت عندما خلق الله  العالم ليس في ذهنه هدف استراتيجي محسوب إنما بعثها في النفس الخلق ذاته . والسؤال الذي يريد هيدغر أن يجيب عليه "كيف جاء الوجود"؟

لقد أدرك فيتجنشتاين أن كثير من الأحاجي الفلسفية المعقدة  تصدر عن  أناس يسؤن استعمال اللغة . ليس حل هذه التساؤلات  بقدر ما هي تحليلها  وتبيان أنها تنتج من خلط  لعبةً لغوية. وعلى سبيل العبث ألحق فيتجنشتاين " بمقدمة  كتابه  مباحث في الفلسفة " من  الملك لير يقول :سوف أعلمكم الاختلافات . لنفهم أكثر عن معنى الحياة  حسب رأي الكاتب إيجلتون،  لندخل  في  نص الكتاب مبحرينا في عمق أفكاره وتوهان أذهاننا في الشرح والتفصيل. داعين إمكانياتنا بأن تسعفنا  في الفهم والمعرفة  ربما نصل إلى معنى الحياة .

 

 

تعريف: " ما معنى الحياة؟ " سؤال يتردد على أذهان كثير منا، فهل نعرف إجابه له؟ وهل السؤال عن "معنى الحياة" هو سؤال حقيقي أم زيف؟ في هذا الكتاب يوضح لنا إيجلتون كيف أن المفكرين على مدار قرون قد تناولوا بالدراسة هذا السؤال الذي أصبح إشكالية في عصرنا الحديث، فيقول إيجلتون أنه من الضروري  أن نشرع في إجابة هذا السؤال ، ثم يختم كتابه بتقديم أجابته الخاصة لنا.

 

ملخص عن الكتاب:

إفتتح إيجلتون  كتابه  بسؤال "ما معنى الحياة ؟"، وجاء جواب السؤال بالتحليل والتفكيك " لكلمة معنى"، وكذلك لكلمة " الحياة "، ضمن أربعة محاور (فصول) هي:

أسئلة وأجوبة، إشكالية المعنى، خسوف المعنى، هل تكون الحياة كيفما نشكلها ...؟

 

إن صناعة الأسئلة هي وظيفة الفلسفة، وتنشأ الفلسفة من بذور السؤال عن مظاهر الحياة والمصير الإنساني وارتباطه بالوجود، وفي تشكيل الوعي ونمط التفكير، فالسؤال الذكي يقدم نصف الإجابة، يمد خيوط الفكر التواصلي بين المتحاورين. 

هذه كانت لمحة سريعة عن دور السؤال ولنبدأ الآن بعرض لأهم النقاط التي وردت بالكتاب ، حيث قسمه الكاتب إلى أسئلة وأجوبة.

يبدأ الكاتب في فصله الأول بالتفكيك والتحليل لكلمة "معنى" ، ثم يتساءل هل السؤال عن "معنى الحياة" سؤال حقيقي أم زيف ؟

يقول إيجلتون "قضية المعنى هي مسألة لغة وليس مسألة أشياء، إنها مسألة الأسلوب الذي نتحدث به عن الأشياء وليست سمة من سمات الأشياء في حد ذاتها، وبناء على هذه النظرية يمكننا ان نضفي على حياتنا معنى من خلال حديثنا عنها. فسحابة السماء ليست باعتبارها حقيقة أو زيف ، الحقيقة و الزيف هنا وظائف للافتراضات البشرية عن السحب ولا يوجد شيء على الاطلاق بدل شيء.

 

يشير إيجلتون في مقدمته، أن سبب القلق الإنساني هو التهميش المستمر والمنتظم لما يطلق عليه " البعد الرمزي" للحياة الإنسانية والذي يضم ثلاثة جوانب: الدين والثقافة والجنس.

ففي عصور ما قبل الحداثة، لم يكن الدين مقتصرًا على خلاصٍ فردي، ولم تكن فكرة خصوصية العلاقة الإلهية الإنسانية مقبولة كما هي الآن، بل كان الدين هو الجزء الأكبر من سياسات الدولة ونفوذها، والعنصر الأساسي للأيدولوجيات القومية، والمحرك الأساسي لمصائر الشعوب ومواقفها من بعضها ومن العالم بأكمله. وفي الجانب الثقافي: لم يكن الفنان متقوقعًا على نفسه يبتاع مداد قلمه من عزلته أو من زجاجة بيرة، بقدر ما كان موظفًا له دوره الإنتاجي في المجتمع؛ كذلك كان الجنس محبوسًا داخل أعراف النسب والطبقات الاجتماعية وغيرها.

بعد الحداثة لم تتخلص من فكرة الإله مثل الطبيعة والإنسان والعقل والتاريخ والنفوذ والرغبة، وبدل من تفكيك تلك المنظومة العتيقة للميتافيزيقيا واللاهوت قدموا محتوى جديد لها. فالمعرفة عامل مساعد للسعادة.

 

الحداثة هيأت للفن أسئلة عن مصير الثقافة الغربية ومصير الإنسانية نفسها، وجاءت الماركسية السوفياتية لتوجد علاقة بين الحراك الثقافي والكساد الاقتصادي في فترة الحرب العالمية الأولى، إن فكرة التفكير بالوجود في القرن العشرين هو أن الحياة الإنسانية زهيدة بلا ثمن وأكثر دموية على مدار التاريخ. 

 

هذه المجالات التي ترتبط بالسؤال عن "معنى الحياة"، وقيمة وجود الأشخاص وعندما أجبرت الثقافة والدين والجنس كبدائل للقيم قلت قدرتها على القيام بذلك. إذن لكل شخص نظرة في هذا الإطار من منظور "نيتشه" و "وايلد" أن نكون فنانين في تشكيل أنفسنا فهي مشروع رؤية "لمعنى الحياة". 

 

يقول الفيلسوف فيتجنشتاين في كتابه "تحقيقات فلسفية " من خلال طرحه أسئلة للتفريق بين سؤال الزيف والحقيقة "لِمَّ لا تغرب عن وجهي...؟ فيما تحدق...؟"، شكل السؤال مقبول ولكن صيغ بطريقة عشوائية (دون وعي). إذن الألغاز الفلسفية تنشأ من سوء استخدام اللغة مثل: لدي ألم - ولدي قبعة - هل هذا نفس الشيء يقول فيتجنشتاين بجوابه مفرق بينهما "أستطيع إهداء قبعتي ولكن ألمي خاص لا استطيع فعل ذلك". 

ليست المسألة في حسم التساؤلات بل في إظهار الألعاب اللغوية في استخدامات الكلمات بوجود كثير من التجانس والتماثل حيث تبدو اللغة مماثلة ففي مسرحية لير سوف أعلمك، انها نوع من العلاج اللغوي (التفكيك)، كما يقول الفيلسوف دريدا "إن طبيعة السؤال في طرح المعنى ودوره في استحقاق البحث ". الحركة الفكرية التفسيرية تقول إن الواقع أيا كان شكله يقدم اجابه، حيث وجدت مشكلة  وجد لها حل... جهل "معنى الحياة" ربما يكون جزء من "معنى الحياة". ويرى شوبنهاور أن حاجاتنا لأوهامنا هي لمواساتنا وهذا أيضا رأي نيتشه وفرويد. 

 

يقول إيجلتون معنى الحياة في التراجيديا، في أرقى صورها، هي انعكاس للطبيعة الأساسية للوجود الإنساني ويقود أصولها إلى الثقافة الإغريقية، فالعالم قابل للاختراق من خلال الضوء الهزيل للعقل، وأفعال الماضي تلقي بظلالها على طموحات الحاضر لخنقه في مهده، ومسرحية سوفوكلس " أوديب ملكا" والتي أصدر فيها حكمه النهائي الكئيب قد تكون إجابة لمشكلة الوجود. إذا التراجيديا بأقصى صورها هي سؤال بلا إجابة. 

 

هناك من يقول إن الوجود الإنساني لا مبرر له، وبالتالي السؤال عن "معنى الحياة" لا مبرر له كالسؤال "هل تؤمن ببابا نويل؟". فالدين والأساطير موجودين من أجل توجيهك فللحياة وظيفة ضمن كيان كلي، والمعنى والتأويل هي رسائل وآليات خفية، وأعماق متراصة.

 

إشكالية المعنى: إن استخدام المعنى للكلمة مثلا أن هذا السحاب يعني هطول الأمطار، أو صابون الاستحمام، أو الحمار المرقط، كل هذه الاستخدامات للكلمة هو عبارة عن تخطيط داخل العقل يرتبط بأصل عقل الاعتزام والنية. والمعنى المدلول محدد والمعنى كفعل، أنها تعني الفعل والنية. إن الكلمات ليست قشور ميتة في انتظار محدثين إحياء لبث معنى، ففكرة المعنى مرتبطة بوظيفة الكلمة داخل منظومة لغوية يمكن أن يقال لشخص "فهمت" كلماتك... لكني لم "أع" كلماتك. 

 

كلمة "حياة" هي الشيء نفسه، وليست تفسير الذين يرون الحياة بلا معنى، إن حياتهم تفتقد المدلول (يعني الغاية والجوهر والهدف) والقيمة ليست قصور في فهم الحياة.

 

إن مهمة الكاتب الواقعي: ليس في ابتداع قصة خرافية بل في تفسير المنطق الخفي وراء تلك القصة. والأساطير ليست أخطاء بل أوهام مفيدة تنتج لنا الازدهار والنجاح، وهي ليست أكثر من حداثة بيولوجية ولكن حداثة تنتظر الحدوث. تطورت في داخلنا عشوائية تعرف بالعقل  وتقنيا من معرفة المخيف بعرضية وجودنا. معنى الحياة مسألة الأسلوب الذي تعيش به هذه الحياة وليست مسألة محتواها الفعلي، فالعالم رغبة ملحة عقيمة و دراما سيئة بشكل صاعق. فهي أساس الجوهر الداخلي للإنسان، فالتاريخ الإنساني عبارة عن قصة بؤس واستغلال أكثر من كونه أسطورة أخلاق وتنوير.

 

خسوف المعنى: في مسرحية تشيخوف الشقيقات الثلاث،" أنظر إن الثلج يتساقط " ما معنى هذا….؟ إنه ليس محاولة لقول أي شيء. إن الثلج منسوب إلى منظومة جوية تديرها قوانين نستطيع فهمها مما يجعل الثلج ذا دلالة ضمن مشروع إنساني، والرد على شخص يقول "الحياة بلا معنى" لابد أن يكون رده مصاغا في إطار المعاني، فلا يتحسروا لعدم وجود معنى أي أنها تفتقر لغاية أو هدف معين. لقد شعر كل من تشيخوف وكافكا وبكيت بالإحباط وبالذهول من خسوف المعنى باعتبارها كرب أو فضيحة بين الحاجة المستمرة للمعنى والاحساس المزعج بمراوغته يمكن للحداثة أن تكون تراجيديا، فالحياة ليست سطحية  حيث لا يمكن أن يكون لك أسطح دون أن يكون لك أعماق. إن فكرة الحداثة في فكر سارتر في روايته "الغثيان والتحدي" والتراجيدي لألبير كامو حيث يواجه عالما بلا معنى هو جزء من مشكلة من غير المعقول أن تشعر بعدم قيمة العالم لحد الغثيان.

 

إن المعنى لا يكمن في الأشياء مثلما يتواجد الحب في الزجاجة، فقد يكون هناك مقصد ذو دلالة، كما أن المعاني المتأصلة في الأشياء هي أجزاء اللغة التي تهدف إلى إدراك ما هو قائم. فرويد يعتقد أن "معنى الحياة" هو الموت، أما نيتشه يقول "إذا وجدت حياتك خاوية فلماذا لا تملأها بسؤال". يمكن "للحياة" أن تقاوم "المعنى" الذي نحاول أن نضيفه عليها كون "المعنى" كامنا، لأن "المعنى" لغة وليست مسألة أشياء، كل المعاني عبارة عن أعمال من صناعة الإنسان. فالصحة والسعادة والرحمة والحب والدعاية والسلام من فئة المعاني المتأصلة، ومسرحيات شكسبير تركز على أوجه التشابه بين "القيمة" و"المعنى". فنحن غارقون في عمق المعنى. والجوانب الأخرى كالنشاط الاجتماعي والضحك والحزن والموت والعمل والمرض هذه جوانب عامة.

 

هل تكون الحياة كيفما نشكلها؟: كلمة "حياة" تمثل إشكالية مثل كلمة "معنى" إنها لا تعني ما تدل عليه ضمنها بقدر ما تعني، خلاصتها يمكن أن نتوصل إلى استدلالات منطقية من الواقع الذي نلم به عن الواقع الذي لا نلم به. الانتماء البشري يجعل الأشياء مشتركة بينهما. والعولمة هي الرأسمالية التي تتخطى حدود القومية، وساعدت على تحويل الإنسانية إلى كيان واحد. إذن "معنى الحياة" يكمن في الهدف المشترك للبشرية، الشيء الذي يكافح البشر من أجله، إنها "السعادة "يقول أرسطو في كتابه الأخلاق: "لا يمكنك أن تسأل بشكل عقلاني ومنطقي، لماذا يجب أن نكون سعداء... ففكرة السعادة تبدو حيوية وفارغة بنفس الوقت". 

 

بالنسبة لأرسطو "السعادة" تكون عن طريق الفضيلة، وهي جزء من أسلوب عملي للحياة وليست من داخل خاص. أما مناقشة الفيلسوف جوليان للسعادة في كتابه "عم يدور الأمر" فقد فشل في توصيل الفكرة، إذا كنت في سعيك نحو السعادة ورأيت شخص يغرق في الرمال المتحركة بالطبع قم بإنقاذه بدل سعيك وراء سعادتك. يقول بعض الفلاسفة إن المتعة شعور عابر، بينما السعادة، في أفضل صورها، حالة مستمرة في الوجود. فالسعادة حالة ذهنية قد تكون في تحقيق القوة، والقوة في فكر نيتشه هي تميل لتحقيق الذات ومنه إلى السيطرة والهيمنة، والسمة الأساسية للحياة في إرساء البنية التحتية المادية للمعيشة. فرويد يقول "معنى الحياة" رغبة في مسألة عوز ونقص.. “إن معنى الحياة" هي مسألة العيش بأسلوب معين وليست مسألة ميتافيزيقية بل مسألة أخلاقية، إذا معنى الحياة هو الحياة ذاتها...

 

ملخص كتاب مقدمة قصيرة جدا "معنى الحياة" 

عن ملتقى الراويات،

كتابة: من سهام جبريل 

تحرير: داليا أبو العطا

 

  2
  3
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال