05 أبريل . 3 دقائق قراءة . 553
"زملاءنا الأعزاء،
في هذا الصباح التالي لإعلان الحكومة الفرنسية تعليق الدوام الحضوري في المدارس لثلاثة أسابيع، يهمنا التشديد على حرصنا على تقديم الدعم اللازم لكم في هذه الفترة الصعبة، خاصة من الناحية المعنوية والنفسية. بناءً عليه، تلقينا توصيات من أطباء العمل بضرورة عدم الانقطاع عن إجراء اجتماعاتنا وجهاً لوجه، مع الحفاظ بالطبع على إجراءات الوقاية والتباعد المكاني.
والتزاماً بالقرارات الحكومية بضرورة العمل عن بعد، أوعزنا إلى رؤساء الأقسام بإجراء اجتماع تقييم الأداء لشهر نيسان مع كل موظف على حدى، وسيكون ذلك في منزله. سيتعين بالتالي على رؤساء الأقسام الذين سيقومون بالزيارات الخضوع لاختبار PCR بشكل يومي حفاظاً على سلامة الجميع.
نتفهم طبعاً أن هذا الإجراء قد يشكل إرباكاً للبعض، ولكم مطلق الحق بعدم قبوله، بعد تقديم ما يوثّق سبب الرفض.
نتمنى أن يساعدكم هذا الإجراء على تخطي هذه الأيام الصعبة علينا جميعاً، ويمكّن من الحفاظ على الحد الأدنى من الروابط المهنية التي وضعها الوباء على المحك.
ملاحظة ١: سنوافيكم تباعاً بمواعيد الزيارات. بالإمكان تهيئة وجبة فطور أو غداء أو سناك خفيف بحسب موعد الاجتماع.
ملاحظة ٢: نتيجةً لتعليق الدوام في المدارس، نتفهم وجود أطفالكم أثناء الاجتماع. قد يضطر رؤساء الأقسام بدورهم لاصطحاب أطفالهم إن لم يكن لديهم من يبقونهم معه. نشكر تفهمكم بالمقابل.
لا تترددوا بإرسال تساؤلاتكم إلينا،
بانتظار اللقاء بكم وجهاً لوجه.
الإدارة."
بهذه الرسالة افتتحتُ فترة بعد الظهيرة في عملي اليوم. بات السخط ردة الفعل الأولى على كل طارئ، لأنه ما عاد يطرأ سوى ما يستحق السخط.
أستجدي جرعةً من الإيجابية من والدتي.
"سئمتُ بذل جهد للتأقلم مع المتغيرات..." أقول لها.
"مفاجآت وليس متغيرات" تصحح لي، "أنتِ أصلاً ما بتحبي الروتين...".
أتلو فعل الندامة على لحظةٍ سخطتُ بها على الرتابة في كل ما كنا نعيشه.
أعود للسخط مجدداً...
ليس لدي ما يحول دون تقبّل نمط العمل "ما بعد بعد الحداثة" المطروح في الرسالة، كما ليس لدي ما يحول دون ذهابي إلى مقرّ الشركة متى أردت، وأنا التي بتّ أنافس جورج كلوني في فيلم Up in the Air على جمع الـ"Miles" بالنظر لما أقطعه أسبوعياً من مسافاتٍ برية وجوية منذ بدء الوباء وحسب. أما الإجراءات الحكومية التي أُعلنت بالأمس (لو غازون توتال)، فلم تضف لحياتي أو تنقص منها شيئاً. والأكيد الأكيد أني لستُ من سيخضع لفحص PCR يومياً كرمى لصحة زملائه النفسية.
لعل هذا بالتحديد ما أخرج رؤساء الأقسام، الضحية الأولى للمزحة السمجة، عن صمتهم بعد دقائق، فما عاد يكفيهم السخط همساً -يقال بالمناسبة إنّ للسخط جهراً، ولو خلف الكمامة، أثرٌ إيجابيّ في الحد من ارتفاع ضغط الدم إثر نوبات الغضب، فهنيئاً، إن صحّت المقولة، لمن امتلك رفاهية ذلك.
كان الموقف على بساطته أشبه بورقة اللعب الأخيرة التي يتداعى على إثر ثقْلها قصرٌ من ورق. لا أدري إن كنا مثقلين حدّ عدم القدرة على تقبل أية مبادرة خارجةٍ عن المألوف بغاية "تلطيف الأجواء"، أو أن كل ما عشناه ونعيشه خارجٌ عن المألوف ويتطلب تكيفاً آنياً دون طرح كثيرٍ من الأسئلة، لدرجةٍ تسقط معها صفة الخارجٍ عن المألوف عن أي مستجدٍّ بظرف لحظات، فيغدو و"الروتين" صنوان، لكنّ الأكيد أنه ما عاد لأيٍّ منا قِبَلٌ بمزيدٍ من المتحولات الظرفية، وأننا سنحتاج عُمْراً آخر لنسترد صحةً نفسيةً لن تتعافى بدعابةٍ أو بزيارةٍ عابرة.
إقرأ أيضا
تطبيقات نظرية التبادل الاجتماعي