نظرية التبادل الاجتماعي (نظرية ميكروسوسيولوجية في علم الاجتماع)

01 يناير  .   9 دقائق قراءة  .    5637

Photo by Priscilla Du Preez on Unsplash

ما هي نظرية التبادل الاجتماعي في علم الأجتماع 

إن الخوض في تحليل وتفسير مختلف جوانب الحياة الاجتماعية ومحاولة إعطائها صبغة موحدة في مختلف المجتمعات البشرية ربما يعد ضرباً من ضروب الخيال، فظاهرة الطلاق مثلاً لا يمكن قوننتها ضمن نظرية واحدة تفسر هذه الظاهرة أينما وجدت على هذه الكرة الأرضية بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها، ومن جهة أخرى لا يمكن الركون أو القبول–على الاقل بين أوساط المثقفين والأكاديميين- بتفسير هذه الظواهر الاجتماعية بالأمثال والمقولات الشعبية أو كما تفسرها المراجع التقليدية في المجتمع؛

إذ لابد من مرجع علمي يقدم تفسيراته مقرونةً بأدلة وثوابت -نسبياً- مقنعة لهذه الظواهر الاجتماعية. وبالرغم من محاولة النظرية الاجتماعية التي كانت تسعى إلى تفسير تطور المجتمع الإنساني والثقافة البشرية وصراع المعسكرات والأيديولوجيات والثقافات ضمن منظور كلي؛ إلّا أنها أغفلت الكثير من الوحدات الصغرى في المجتمع، لذلك كان لابد من ولادة نظريات اجتماعية أخرى تتعاطى مع جزئيات الحياة الاجتماعية وتحاول تفسيرها. وهذه مهمة علم الاجتماع المستمرة منذ ولادته، فهو يسعى إلى الوصول والكشف عن قوانين ثابتة نسبية تحكم وتسيّر الظواهر الاجتماعية. وعلى عكس ما يجده بعض منظرو ما بعد الحداثة من أن المجتمع الذي تصفه هذه النظريات بعيد عن المجتمع الواقعي بدرجة كبيرة؛ فإنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال إنكار عدم نجاح بعض النظريات الاجتماعية في محاولة تقديم التفسيرات المقنعة لظاهرة ما أو أكثر. وهنا سنحاول في هذه المقالة تقديم لمحة عن نظرية التبادل الاجتماعي.

تعد النظرية العلمية نسق فكري استنباطي متسق حول ظاهرة أو مجموعة من الظاهرات المتجانسة، يحوي إطاراً تصورياً ومفهومات وقضايا نظرية توضح العلاقات بين الوقائع وتنظمها بطريقة دالة وذات معنى، كما أنها ذات بعد إمبريقي بمعنى اعتمادها على الواقع ومعطياته، وذات توجيه تنبئي يساعد على تفهم مستقبل الظاهرة ولو من خلال تعميمات احتمالية.

بينما تعرف النظرية الاجتماعية بأنها نظرية علمية تحمل في شكلها ومضمونها خصائص النظرية العلمية وشروطها، بوصفها أركانا ضرورية تمكنها من أداء أدوارها، بالنسبة لعلم الاجتماع وما تنجز خلاله من بحوث. ويجب أن تعبر تعبيراً واضحاً وشاملاً عن موضوع علم الاجتماع، وتحمل في نفس الوقت طابعه الذي يميزه عن غيره من العلوم الإنسانية التي تنشغل بجانب أو أكثر من جوانب الحياة الإنسانية. أما التبادل الاجتماعي فهو تفاعل اجتماعي يشمل تبادلاً صريحاً أو ضمنياً للمكافأة أو التكاليف، ويقوم هذا التفاعل على التوقعات المأمولة بين طرفي التفاعل بأنهم سيحصلون على المنافع نتيجة لتبادل التفاعل.

تعد نظرية التبادل الاجتماعي إحدى النظريات الاجتماعية الحديثة؛ حيث تنطلق فكرة هذه النظرية من جذرها الفكري الاقتصادي القائم على "أن خير الأنظمة هي تلك التي تأتي بأعظم قدر من الفائدة والرفاهية والحرية لأكبر عدد ممكن من الناس". ونظرية التبادل الاجتماعي هي نظرية اجتماعية تؤمن بأن الحياة الاجتماعية ما هي إلا عملية تفاعلية تبادلية، بمعنى أن أطراف التفاعل تأخذ وتعطي لبعضهما البعض، والأخذ والعطاء بين الطرفين المتفاعلين يسبب ديمومة العلاقة التفاعلية وتعميقها، وهي نظرية عامة وواسعة يمكن أن تفسر جميع زوايا ومظاهر وعمليات النظام الاجتماعي والحياة الاجتماعية؛ أي أنها تفسر الجوانب الديناميكية والتحولية.

لقد جاءت نظرية التبادل الاجتماعي لتهتم بالجزئية الاجتماعية المرتبطة بالعلاقة الثنائية، فاهتمت بما يدور بين الأفراد من ظواهر ومشكلات وأفعال. بعد أن أهملته النظرية الاجتماعية التي كانت تدرس تطور المجتمع الإنساني والثقافة البشرية وصراع المعسكرات والأيديولوجيات والثقافات. فتنبه علماء الاجتماع المعاصرين لهذه الجزئية فركزوا على دراسة تبادل الأفراد وعلاقاتهم.

ويتفق ريتزر مع كنور-سيتينا على أن نظرية التبادل الاجتماعي، وعلم الاجتماع الظاهراتي، وعلم الاجتماع الوجودي... الخ، زادت قوتها في علم الاجتماع منذ السبعينيات، وباتت تهدد بأن تحل محل النظريات الكبرى (مثل الوظيفية البنائية، ونظرية الصراع، والنظريات الماركسية الجديدة) كنظريات مهيمنة في علم الاجتماع.

لقد ركزت هذه النظرية على ما يمكن تسميته "الربح النفسي"؛ إذ قدم هومنز تلك النظرية ليبين كيف يحدث التفاعل الاجتماعي، وفيها يؤيد المعني الذي قدمه علماء التعلم السلوكيون؛ حيث إن إثابة السلوك تدعمه وتقويه وأن عدم إثابته تضعفه، لكن هومنز اشترط في الثواب أن يكون ذا قيمة نفسية عند الفرد المثاب كي يشعر بالربح والمكسب النفسي، وأن يتجنب الخسارة النفسية التي تحدث عندما يتعرض الفرد للعقاب، لذلك فالفرد يستمر في التفاعل إذا كانت الإثابة التي يحصل عليها مساوية أو تفوق في قيمتها النفسية قيمة ما يقوم به من سلوك، بناء على ذلك يزداد قرب الزوجين من بعضهما ويزداد حبهما لبعضهما، بل إن الزوجين عندما يشعران بالربح النفسي جراء زواجهما، فيعدل كلاهما مشاعره وأفكاره وسلوكياته حتى يقترب من مشاعر وأفكار وسلوكيات الطرف الآخر، وبذلك يستمر التفاعل الإيجابي بينهما، مما يترتب عليه زيادة التوافق الزواجي.

وحسب نظرية ثيبو- كيلي في التبادل الاجتماعي، فإنه إذا أعطى الزبون البائع نقوداً وأعطاه الأخير ما يطلبه من بضائع فإننا نسمي ذلك بالتبادل، ولأن الزبون مفترض فيه أنه يطلب بضائع، والبائع مفترض به أن يأخذ نقوداً، فبمعنى عام نقول أنه حدث تبادل للمكافأة. ويرى ثيبو- كيلي أن كل التفاعلات الاجتماعية تشمل تبادلاً صريحاً أو ضمنياً للمكافأة أو للتكاليف. وأوضحا بما لا يدع للشك أن نظريتهما اجتماعية وليست فردية الاتجاه في التبادل الاجتماعي، فهما لا يهتمان بسمات الأفراد بل بالتفاعل بينهم. وكان الموقف الأساسي مركزاً على أنماط الاعتمادية القائمة في الثنائيات (فرد - فرد)، وفي الجماعات الأكبر. (ت أ اسكورج سكوبلر).

وتقوم نظرية التبادل الاجتماعي على المفاهيم الآتية:

  • التبادل: هو اشتراك فاعلين على الأقل في تفاعل اجتماعي مستهدفين الحصول على مكافآت متوقعة كل منهما في الآخر.
  •  المكافأة: هي حالة الرضى والإشباع التي يستمتع بها شخص. وقد تكون هذا المكافأة مرغوبة (ثوابا)، وقد تكون غير مرغوبة (عقابا)، وإذا كانت المكافأة مرغوبة (ثوابا) فإن هذا يقوي العلاقة ويزيد التوافق والتبادل الاجتماعي بين الفاعلين، وعلى العكس إذا كانت المكافأة (عقابا)، كما أن التبادل الاجتماعي بين الفاعلين يتحقق عندما يشعران بالطمأنينة والرضا.
  • التكاليف: إن التكاليف تتضمن الجهد الذي يبذله الفرد للوصول إلى مراده. فهي العوامل التي تؤثر في منع فعالية سلسلة من الأفعال أو تحجيمها. وتعد التكاليف عالية حينما يحتاج أداؤها إلى جهد بدني أو ذهني كبير، أو حين حدوث مضايقات أو توتر يصاحب الأداء، أو حينما يواجه الشخص قوى متصارعة، أو استجابات متنافرة من أي نوع.
  •  النواتج: هي محصلة المكافآت التي يحصل عليها الشخص والتكاليف التي يؤديها. وإن حساب المكافأة والتكلفة في التفاعل الاجتماعي يتأثر ببعض العوامل منها: توقعات كل من المتفاعلين من الآخر، وإدراكه لتلك التوقعات، فإن كلا المتفاعلين يقبل على الآخر عند ما يجدان في تفاعلاتهما معا ما يشبع رغباتهما، مما يحقق الربح والمنفعة لهما ويجنبهما الخسارة، ويقوي التبادل الاجتماعي بينهما.

أما فيما يخص أعلام نظرية التبادل الاجتماعي؛ فيمكن تصنيفهم تبعاً للأسلوب المتبع في دراستهم. فهناك أسلوبان يمكن تحديدهما، وهما نظريات التبادل الفردي والآخر الجمعي. يمثل الأسلوب الأول الفردي-الأمريكي، حيث وجد هذا الأسلوب في أعمال جورج هومنز عام 1961 وبيتر بلاو عام 1964، واتبعوا بذلك المؤهل الفردي والرؤية النفعية التي يبحث الأفراد فيها عن الإكثار من إرضائهم الذاتي. أما الأسلوب الثاني وهو التأكيدات التقليدية في التبادل الجمعي في علم الاجتماعي-الفرنسي التي اقترنت مع مارسيل موس وكلود ليفي شتراوس، اللذان أكدا على التبادل العام المتضمن ثلاثة أفراد على الأقل، والتي تكون فيها إسهامات الفرد متميزة لكنه لا يستسلم بقدر ما يعطي بالمقابل. ويتضمن التبادل اشتراك القيم والثقة وتوقعات تجبر الأفراد على الالتزام بمعايير الجماعة أو المجتمع الذي ينتمون إليه أكثر من البحث عن مصالحهم الذاتية ومتابعتها. وأخيراً يمكن القول:

  • إن نظرية التبادل الاجتماعي باعتبارها إحدى نظريات علم الاجتماع فلا بد أن تنطبق عليها جميع خصائص وسمات النظرية العلمية.
  •  إن نظرية التبادل الاجتماعي وعلى الرغم من محاولاتها تحقيق التواؤم بين المستويات الماكروسوسيولوجية والميكروسوسيولوجية إلا أنها تبقى محصورة في المستويات الصغرى.
  • إن نظرية التبادل الاجتماعي ترى أن التبادل الاجتماعي يحدث من خلال تفاعل الفاعلين معاً وقضاء حوائجهم، حيث يقوم أحدهما بسلوك ما قد يكلفه بعض التكاليف، مقابل الوصول لهدفه والحصول على المكافأة من ذلك السلوك وهو تحقيق ما يصبو إليه.
  • إن المنفعة المتأتية من العلاقة التبادلية تتأثر بقيمة المكافأة وكلفة النشاط المراد قيامه.
  • ونجد أن نظرية التبادل تفسر لنا التناقض والتماسك الاجتماعي من خلال زاوية المنفعة التبادلية، حيث عدم التوازن في العلاقات التبادلية يؤدي إلى ظاهرة الصراع بين الفاعلين.

منصة مرداد #التبادل_الاجتماعي نظرية ميكرو سوسيولوجيا #الحياة_الاجتماعية 

  1
  1
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال