01 يناير . 10 دقائق قراءة . 1482
مقدمة:
قد تكون مقولة موريس بلوندل (ليس هناك ملحدون بمعنى الكلمة) مدخلاً ملائماً لفهم وتحليل أهمية فكرة الدين عند جيمس، فلم يكن الدين عنده كموضوع بحث في ذاته، ولكن في آثار الانفعال الديني، وهل هذه الآثار حسنة تحقق الأمل؟ وهل يمكن الحصول عليه بطريقة أخرى؟ وهكذا كان بحث جيمس في الدين القائم على أساس سيكولوجي وليس على أساس ميتافيزيقي.
النقطة الأساسية في فلسفة جيمس الدينية هي حق الاعتقاد لكل شخص، ويعد الاعتقاد هو الإيمان بشيء يمكن الشك فيه من ناحية نظرية أو هو الرغبة في العمل، فالاعتقاد هو الاستعداد والتأهب للعمل.
فيرى جيمس أن الاعتقاد بداية كل موقف فلسفي وغير فلسفي وليس الإقناع والعقل فإنه يرى أن طريق العقل إما أن ينتهي إلى الشك وإما إلى الفلسفة الواحدة أو المطلقة وكلاهما لا يلائم الحياة الدينية.
وهكذا قد شعر جيمس بأن الدين في مأزق حرج فإما أن نقول مع أصحاب المذهب العقلي والمذهب المطلق بأقوالهم البرهانية ولا جدوى فيها في سلوك الأفراد في أن الذهن ليس كل الطبيعة الإنسانية وإنما أيضاً يصاحبه الوجدان والإرادة وأما أن نخلص للعلوم التجريبية وبهذا سنبطل الدين وسنعنى فقط بالوقائع.
وبما أن الدين عند جيمس يعتمد على الإيمان بعالم غير منظور وأن العقل عاجز على المبرهنة على وجودهم ولكن عجز العقل لا يبرر رفض هذا الوجود لأن ما يحقق وجود هذا العالم الخفي هو الوجدان والغريزة وليس العقل.
وهذا يتفق مع قول كانط في كتابه (نقد العقل الخالص) بأن العقل البشري عاجز عن إنتاج حقيقة فيما وراء عالم الحس الذي ينتهي إلى الاستحالة الفعلية لتأسيس معرفي ميتافيزيقي.
وبما أن هناك أفكار لا يمكن الحكم عليها بأنها صحيحة أو كاذبة أي أنها لا تدخل ضمن دائرة المحسوس والمعقول فما العمل إزاءها؟
يرى جيمس أنه في مثل هذه الحالات نأخذ بأنفع الفروض ويكون النفع هنا بعينه صدق الفرض الذي أخذنا، وعليه فالاعتقاد بالصواب في مثل هذه الحالة قد خلق الصواب فعلاً. وعليه فالاعتقاد سيكون في الحالات التي لا تحسم فيها الشواهد، وإنما يتوقف على إرادة الإنسان المعتقد.
إذن معالجة جيمس بالمسألة الدينية تقتضي الابتداء أولاً برؤيته إلى الاعتقاد أو إرادة الاعتقاد.
1- إرادة الاعتقاد:
يتفق البراجماتيون على أن الجملة لا تكون ذات معنى إلا بمقدار ما لها من نتائج عملية تقع في خبراتنا البشرية، لكن جيمس يستطرد بالنظرية إذ يجعل أن جملة مثل (الله موجود) ذات معنى ويوضح ذلك بقوله: "إن وجود الله يستحيل بالطبع إثباته إذا احتكمنا إلى خبرتنا العملية لأننا لا نراه أو نسمعه ولا نمسه، وإذا فلا يجوز أن يكون ذلك طريق إثباته، ومع ذلك فهناك طريق غير مباشر إلى إثبات ذلك إذا رجعنا في ذلك لا إلى النتائج الحسية المباشرة بل إلى النتائج العامة التي تحدث في وجهة نظر المؤمن بصدقها فالذي يؤمن بأن الله موجود يختلف شعوره في حياته كمن لا يؤمن بذلك فتراه مثلاً متفائلاً قوي الرجاء وبالتالي هو مستبشر بحياته فرح مطمئن، على خلاف زميله المنكر إذ يغلب أن يكون هذا متشائماً مقبض النفس معدوم الرجاء والأمل وهذا الاختلاف في وجهة النظر كاف وحده أن يجعل الجملة معنى لما لها من نتائج".
وبهذا فإن الاعتقاد سيكون عاملاً لتحقيق ما نؤمن أو نريد والاعتقاد يساعد على تحقيق ما نريد كون العقل ليس مجرد بل هو محكوم بالرغبة أنه يختار فمن حقنا أن نعتقد في شيء ما يتخطى حدود ما هو معروف فالإيمان يحقق نفسه بنفسه.
إذن مصدر تثبيت العقيدة الدينية هو الوجدان والرغبة وليس الذهن لأن مجال الاعتقاد لا يستلزم برهاناً ولا دليلاً فكل إنسان حر في صياغة آرائه الخاصة.
وعليه يرى جيمس أن جوهر الإيمان ليس العاطفة أو العقل بل الإرادة فإننا في مجال الدين لا نحتاج إلى الأدلة واليقين العقلي بل إلى الإرادة.
وبالتالي ليس هناك لاهوت عقلي، لأنه يرى أن الصحة العقلية أمر شاذ بالنسبة للدين، باعتبار أن الدين شيئاً فوق العقلي إذا لم يكن فوق الطبيعي، لذلك قال بالنزعة (الفوق الطبيعية).
لذلك رفض القبول بالأديان السماوية الثلاث ومن جميع الحجج العقلية التي قدمها لاهوتيوا الأديان لإثبات عقائدهم ومنها وجود الله وكل ما قدمته الفلسفات المثالية لإثبات عالم روحي، فما يهم جيمس هو الديانة الشخصية. وبالتالي رفض إمكانية جعل الدين كلياً، لأنه يرى أن الإنسان حر بصياغة آرائه الخاصة.
فإذن معالجة جيمس لإشكالية الدين ترتكز عنده على رؤيته بطبيعة الاعتقاد أو إرادة الاعتقاد.
2- موقف وليم جيمس في العاطفة:
ينكر جيمس أن يكون جوهر الإيمان العاطفة، لأنه يرى بأن لا وجود لعاطفة يقال لها عاطفة دينية، بل لا يوجد أساس لافتراض وجود انفعال ديني مجرد، إنما نجد مخزونات من الانفعالات، فهو ينظر إلى الانفعالات الدينية على أنها مجرد أمور نفسية لها وجودها وتتميز عن بقية الانفعالات المحسوسة الأخرى، وهي جميعاً حالات محسوسة للعقل قائمة على وجدان أولي متميز بذاته قائم لكل خبرة دينية بلا استثناء وكي يبدو أنه ليس هناك انفعال ديني أولي وإنما خزين عام من الانفعالات قد تستدعيها موضوعات دينية لأننا لا نتصور إمكان وجود إثبات سلوك ديني أولي معين يضاف إليه موضوع معين ولكن الأساس لافتراض وجود انفعال بسيط كوجدان عقلي مثل (الحب الديني أو الخوف الديني وغيرها).
وبالتالي ليس هناك سوى وجدانات ترتبط بموضوعات دينية ارتباطا وشعوراً بعالم غير منظور ليس حتماً أن يكون إلهاً، بل لا يمكن أن نسمي شخصاً متديناً دون أن يكون معتقد بوجود إله.
فالدين عند جيمس هو الاعتقاد بعالم غير منظور، وأن خيرنا الأسمى كائن في إيجاد تلائم بيننا وبين ذلك العالم، وما يدلنا في وجود ذلك العالم هي التجارب الدينية والصوفية والنفسية، وعليه فإن جيمس يقدم لنا تحليلاً سيكولوجيا يرفض على أساسه أن يكون جوهر الإيمان العاطفة والعقل بل الإرادة وهو ما نحتاج إليه.
3- نظرية الشعور:
عرفنا فيما سبق أن علم النفس الجيمسي جوهره إرادة الاعتقاد، فهو ينهي بحثه على أساس أن الدماغ مرن ووجد ليوجّه، والواضح أن الشعور وجد ليوجه ويميّز، وبالتالي الدماغ والشعور يجب أن يعملا معاً إذن هناك تفاعل ما بين الدماغ والشعور ولكنه في علم النفس رفض وجود هذا التفاعل كمسألة علمية وإحالته إلى القسم الميتافيزيقي.
وقد قدم جيمس تحليلاً لطبيعة الشعور، فالشعور حسب وصف جيمس (مقاتل من أجل غايات) أو هو تيار كشيء مستمر ترتبط أجزاءه فيما بينها ارتباطا عضوياً ومن المتوقع بعد هذا منه أن يؤدي وظيفته كعضو، لكن حين حاول أن يجعل هذا النشاط العقلي المتحد صالحاً لعالم مادي عناصره ذرية وعلاقاته خارجية رأى أن مهمته ميؤس منها لأن الوقائع الوحيدة طبقاً لفلسفة الأجسام أو الفلسفة الآلية هي أن الجزيئات المنفصلة أو الخلايا التي تجمع في المخ وهم من الأوهام، ومثل هذا الوهم لا يمكن أن يكون من الزاوية الموضوعية بمثابة نسخة مطابقة لأية حالة نفسية، لأن الواقعة المادية الخالصة هي وحدها التي يمكن أن تنتهي في مثل هذا الدور.
ولكن الواقعة الجزئية هي الواقعة المادية الوحيدة الخالصة، ويترتب على ذلك أنه يبدو أننا إذا كان علينا أن نحصل على قانون نفساني مادي مبدئي أن نرتد إلى الوراء إلى شيء معين قبيل النظرية الخاصة بالذهن، إذ أن الواقعة الجزئية من حيث هي عنصر من عناصر المخ التي تبدو مطابقة لا لمجموع الأفكار، بل لعناصر الفكر.
إن جيمس يرى أن كل معارفنا تبدأ من ميدان الشعور وليس كما كان يعتقد جون لوك عدد معين من العناصر التي هي إحساسات وصور وأفكار والتي يجب أن نفرض بينها علاقات خارجية حتى نتمثلها حقيقة متميزة متعالية.
وهكذا فإن الثورة التي ظهرت في علم النفس اعتبرت أن المعطي لكل معارفنا هو ما يسمى بميدان الشعور وتعني حالة الشعور الكلية في وقت من الأوقات عند شخص مفكر وأن الخاصية المميزة لهذا المعطي الجديد أنه بدلاً أن يكون محدود المعالم، يصبح له امتداد لا يمكن تحديد نهايته بالضبط ذلك أن حالة الشعور تتركب في بؤرة هامشها يزيد أو يقل في التحديد، وهذا الهامش ويتعلق بطريقة مستمرة بمنطقة ثالثة لا يمكن بأي درجة قياسها، لا من حيث الامتداد أو العمق ولا يدركها شعورنا ولا حتى إدراكا غامضاً مما هو معطى حقاً وهو البداية الصحيحة لكل نظر وعمل.
فليس المجموع المتوهم لحالات شعورنا، بل هذا الميدان غير المحدود الذي لا تكون فيه بؤرة المعرفة والواضحة إلّا نقطة تتعدل على الدوام بما لها من علاقات مع الأوساط المرتبطة بها، وهذه البؤرة شديدة التعقيد ولا تُرد إلى عدد محدود من العناصر التصورية فهذه هي المعطيات الأولية التي بها يباشر ذهن الإنسان نشاطه
#سيكولوجيا_وليم_جيمس #وليم_جيمس #العاطفة #الشعور