21 مايو . 3 دقائق قراءة . 802
يستقبل العالم السنة الجديدة في مطلع شهر يناير/ كانون الثاني كل عام إلا في هولندا! حيث تنتظر هولندا حلول فصل الربيع بشهر مارس / آذار لتكتسي أراضيها بسجاد من التوليب الملون ليغطي مساحات كبيرة بألوان زاهية. تشعر وأنت تمر بجانبها وكأنك تسبح داخل أمواج ملونة. وتعلن حديقة الكوينكهوف فتح أبوابها لتستقبل زوارها معلنةً بدء موسم جديد لها، ولتهدينا سلاماً وطمأنينة نحتاج إليها في خضم هذا العالم المجنون الذي نعيش به.
تعود تسمية المعرض إلى حقبة خلال القرن الخامس عشر في قلعة كبيرة، على مشارف مدينة أمستردام الجميلة حيث يوجد هناك مدينة صغيرة اسمها ليسه كانت تعيش بها الكونتيسة الهولندية جاكلين فان بيرين. كانت تهتم الكونتيسة بحديقة مطبخها والتي يطلق عليها بالهولندي (keukenhof)، كانت تقوم بزراعتها بما تحتاجه يومياً من خضار وفواكه وأعشاب . على مر الأيام توسعت هذه الحديقة لتغطي 200 هيكتومتر. بعد سنوات تم إعادة تصميم هذه الحديقة على يد أحد أشهر المهندسين، وهو نفسه الذي قام بتصميم حديقة فوندل بامستردام. حملت الحديقة طراز المناظر الطبيعية الإنكليزية واحتفظت بها حتى الآن والتي تشكل أساس حديقة كويكنهوف. بعد قرن من ذلك الزمان توصل مجموعة مهندسين زراعيين إلى فكرة تحويل هذا المكان إلى منتزه ربيعي. مليء بأزهار التوليب الأكثر شهرة في العالم، حيث يمكن للمزارعين من كافة أنحاء العالم من عرض هجائنهم الجديدة. وأطلق عليها اسم كويكنهوف تبجيلاً لحديقة مطبخ الكونتيسة جاكلين.
لعامين على التوالي لم تستطع الحديقة من استقبال زوارها بسبب الاغلاق الكلي بسبب جائحة الكورونا التي أصابت العالم ككل. عام 2120 كان من المفترض أن يقدم النسخة رقم ٧٢ من كويكنهوف. تم فيه استقبال ٢٧٠٠٠ زائر فقط خلال فترة تجريبية في بداية الربيع لمدة ستة أيام ، إلا ان القرار تم اتخاذه بإغلاق الحديقة هذا العام أيضاً. وتم السماح للزائرين بالقيام بجولات افتراضية مجانية على أمل أن تفتح الحديقة أبوابها من جديد عام 2022.
الحديقة تمتد على مساحة تبلغ 320 ألف متر مربع، بها 280 مقعداً و15 نافورة و32 جسراٌ وطاحونة قديمة كرمز هولندي، بالإضافة للعديد من المطاعم والأماكن المخصصة لبيع الهدايا والزهور والتذكارات. ارتاد على مدى السنوات الماضية أكثر من 50 مليون زائر من حول العالم. حيث تعتبر أحد أهم الوجهات السياحية في هولندا. فهي من أكبر وأجمل الحدائق في العالم. تقع بالقرب من مدينة أمستردام ومدينة لايدن. تضم سنوياً أكثر من سبع ملايين زهرة توليب. تفتح أبوابها للزوار الذين يصل عددهم كل عام إلى حوالي المليون زائر في فصل الربيع ابتداءً من أواخر شهر مارس / آذار حتى منتصف شهر مايو / أيار. في العشرة أيام الأخيرة للحديقة يتم عرض أكثر من مائة نوع من زهور الزنبق بالإضافة للورد الجوري والأور كيديا والقرنفل.
التوليب تعد واحدة من أكثر أزهار العالم شهرة وتميزاً. ارتبط معنى هذه الزهور بالشكل المحدد والزهور الملونة التي تجعل منهم اختيارًا مريحاً. فهي ليست أنيقة جدًا أو رومانسية جدًا أو كبيرة جدًا أو صغيرة جدًا أو مشرقة جداً؛ التوليب هي دائماً خيار معتدل. إنها تشبه البنطلون المفضل من الجينز أو البسكويت الطازج الذي تعده والدتك، لهذا هي تعبر عن الراحة الحقيقية والرفاهية المعتدلة بكل أشكالها.
نشأت التوليب منذ قرون في بلاد فارس وتركيا، حيث لعبت دوراً مهماً في الفن والثقافة في ذلك الوقت. فقد جرت العادة أن يتم تعليق زهرة توليب واحدة على عمامة الزي التركي التقليدي. أطلق الأوروبيين بالصدفة اسم التوليب على هذه الزهرة، والتي تأتي من الكلمة الفارسية التي تعني العمامة. بدأت شهرة التوليب تنتشر عندما بدأ الأوروبيون في التولع بزهور التوليب وخاصة الهولنديين. وانتشرت شعبية الزهرة بسرعة، حيث ظهرت ظاهرة أطلق عليها اسم هوس التوليب (توليبمانيا) في وقت ما خلال القرن السابع عشر. أصبح التوليب غالياً جداً لدرجة مخيفة وغير منطقية على الإطلاق. وصلت بهم الحال في وقت من الأوقات أنه تم مقايضة بصيلة توليب واحدة بمنزل أو بعدة أراضي! وانهار السوق فجأة كما ارتفع فجأة. أصبح يزرع التوليب الآن في جميع أنحاء العالم، ولكن لا يزال الناس يشيرون إليها بأنها "التوليب الهولندي”.
وللتوليب شعبية يتفق عليها شعوب العالم كلها. فالتاريخ يروي قصة التوليب مع كندا في أثناء الحرب العالمية الثانية. حيث فرّت الأميرة –في ذلك الوقت- جوليانا إلى أوتاوا في كندا مع ابنتيها: الأميرة بياتريكس والأميرة إيرينه. وأثناء إقامتها في كندا تم التحضير لولادة طفلتها الثالثة. ولضمان حصول الطفلة الملكية الجديدة على الجنسية الهولندية فقط، دون حصولها على الجنسية الكندية كما يقر قانون البلاد لمنح الجنسية الكندية لمن يولد على أراضي كندا. فقد أقر البرلمان الكندي قانونًا خاصاً معلناً جناح الأميرة جوليانا في مستشفى أوتاوا المدني بأنه "خارج الحدود الكندية". أي أنه أصبح تابعاً لأراضي المملكة الهولندية. أربعة غرف خصصت للأميرة جوليانا وللطفلة الملكية الرضيعة وللممرضة ولفريق الأمن الخاص بهم.
وفي 19 يناير / كانون الثاني عام 1943م ولدت الأميرة مارغريت. وبعد يوم من ولادتها رفع العلم الهولندي على برج أوتاوا للسلام، وكانت هذه هي المرة الوحيدة في التاريخ أن لوّح علم أجنبي فوق مبنى البرلمان في كندا. ودقّت الأجراس أنغام النشيد الوطني الهولندي إيذاناً بميلاد الطفلة الملكية الجديدة. وبعد أن انتهت الحرب وتم تحرير هولندا من قبل الحلفاء، بما في ذلك القوات الكندية، عادت العائلة المالكة الهولندية إلى مملكتها. واعترافاً منها بجميل كندا أرسلت الأميرة جوليانا مائة ألف بصلة لزهور التوليب ليتم غرسها هناك. وتلتها في العام التالي هدية مماثلة أخرى بقيمة 20,500 بصيلة توليب مع طلب مرفق بأن يتم زراعة جزء من هذه البصيلات على أرض مستشفى أوتاوا المدني حيث ولدت مارغريت. وما ان أزهرت البصيلات ورأى الكنديون زهور التوليب حتى أغرموا بها. فألهمت الكنديين هذه الهدايا من زهور التوليب وتولد لديهم الاهتمام بها وتحول الأمر كفكرة لجذب السياح. فأصبح يقام هناك كل عام معرض لزهور التوليب حيث يمكن للناس أن يتمتعوا بألوانها المتعددة، وبالثقافة الهولندية. فباتت الزهرة بما فعلته أميرة هولندا رمزاً للصداقة بين الشعبين واعترافاً بالجميل.
التوليب بصورة عامة يعني الحب المثالي. ومثل العديد من الزهور، غالبًا ما تحمل ألوان التوليب المختلفة معانيها الخاصة. التوليب الأحمر مرتبط ارتباط شديد بالحب الحقيقي، بينما يرمز اللون البنفسجي إلى الملكية. وتطور معنى زهور التوليب الصفراء إلى حد ما، من زهرة تمثل الحب الميؤوس منه إلى كونها الآن تمثل الأفكار المشرقة. يستخدم التوليب الأبيض للمطالبة بالصفح والمسامحة. وهناك التوليب ذو الألوان المتنوعة، التي تعتبر من بين الأصناف الأكثر شعبية بسبب دمج الألوان المدهش.
مع كل المشاعر والمعاني التي تحملها التوليب، فإنه ليس من المستغرب أن تستمر شعبيتها، وتجذب كل هذه الأعداد من السياح لزيارة معارضها سنوياً والتي تقام في الكثير من أرجاء العالم. تتيح المجموعة الواسعة من الألوان والأصناف المتوفرة استخدامها في العديد من المناسبات المختلفة. إن زراعة ورعاية حدائق التوليب هي هواية مجزية للعديد من محبي الزهور. باعتبارها واحدة من أكثر الزهور المحببة في العالم، فإن هدية من زهور التوليب هي فرحة أكيدة، ساحرة بجمالها وبساطتها. فبالرغم من التطور الالكتروني الذي حصل وبرغم الإمكانات الحديثة المتوفرة إلا أنه مازالت للزهور مكانتها الحقيقية ومعانيها السامية التي تفرض نفسها علينا دونما إستئذان، والتي مازالت تجذب اهتمام البشر وتعبر عن مشاعرهم وأفكارهم. ومازال الناس حتى وقتنا هذا يتبادلون تحياتهم (وإن أصبحت الآن افتراضية) بإرسال الزهور الجميلة أو بإرسال صور الزهور كرسائل محبة وسلام.