06 يونيو . 12 دقيقة قراءة . 1418
جلسة : 18 فبراير 2020
الرواية : الجميلات النائمات
المؤلف : ياسوناري كواباتا
المترجم : ماري طوق
عدد الفصول: 5
عدد الصفحات : 140
تاريخ النشر: 1961
الطبعة الثانية (المترجمة) 2006
دار النشر: دار الأداب للنشر والتوزيع
ياسوناري كواباتا ( 1972 - 1899 ) روائي ياباني حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1968 عن مجمل أعماله، ليصبح بذلك أول أديب ياباني يحصل على الجائزة العالمية. ولد كاواباتا في مدينة "أوساكا" في طوكيو. فقد والديه قبل أن يبلغ الرابعة من عمره، وفقد جدته أيضا وهو في السابعة، ثم ماتت أخته وهو في التاسعة. عاش مع جده العجوز الأعمى. كانت لهذه التجربة القاسية المثقلة بالموت أثراً بالغا في نفسه. استطاع كاواباتا أن يؤرخ محنة موت الجد وقت حدوثها وحسب تسلسلها الزمني حين كان في السابعة عشرة من عمره. لقب "بسيد المأتم" وهو يقترب من الستين، وذلك بسبب المقالات الرائعة التي كتبها إحياءً لذكريات المبدعين الراحلين الذين سبقوه. هو أيضا شاعر ألف مجموعة شعرية واحدة بعنوان "جوجوكا، قصائد وجدانية" وهي مفعمة بالأسى والحنين.
تأثر كاواباتا بالتراث البوذي وبخاصة في نظرته إلى الموت. ولعل هذا الإحساس بالرحيل الذي ينتظرنا، هو الذي جعله يبحث عن مواقع الجمال في الفن والحياة ويحتفي به، وهو ما نراه في أعماله مثل "العاصمة القديمة كيوتو"، وفي "ألف من الكراكي". وكانت "راقصة إيزو" 1926 من أجمل أعماله، كتبها وهو في السابعة والعشرين من عمره، ثم عمله "جماعة أساكوسا القرمزية". أصدر كاواباتا مجلة أدبية مع عدد من رفاقه المبدعين في الجامعة بعنوان "تيارات الفكر الجديدة"، ونال العديد من الجوائز، كما صار رئيسا للجنة التحكيم في جائزة " أكتاجاوا " للأدباء الشباب. كانت له تجربة فاشلة في الحب وهو في الحادية والعشرين. وبعد ذلك بسنوات بدأ بكتابة عدة روايات منها رواية "بلاد الثلج" عام 1948 . لم يشارك كاواباتا في الحرب وأمضى هذه السنوات في متابعة لعبة يابانية قديمة "جو - الشطرنج الياباني"، والتي أوحت له بكتابة رواية "سيد الشطرنج" أو "معلم الشطرنج شوساي". وتعد رواية "صوت الجبل" عام 1954 من أهم روايات كاواباتا، ثم رواية "الأحلام ليست إلا أشباح"، وآخر روايات كاواباتا هي رواية " الجميلات النائمات" عام 1961. انتحر كواباتا في عام 1972 بخنق نفسه بالغاز، ولا يعرف حتى الآن السبب وراء إقدامه على الانتحار.
المترجم
مارى طوق هي كاتبة ومترجمة لبنانية، من مواليد 1963، حصلت على إجازة فى الأدب الفرنسى من الجامعة اللبنانية عام 1990، تعمل حاليًا فى مجال التعليم فى مدينة "جبيل" بلبنان. نشرت قصصًا قصيرة، ومقالات نقدية فى الصحف اللبنانية والعربية، ونقلت إلى الفرنسية قصائد لعباس بيضون، وعبده وازن، ومجموعة سيناريوهات للمخرجة الراحلة رندا الشهال. كما صدر لها كمترجمة العديد من الأعمال الأدبية العالمية منها "الجميلات النائمات" لياسونارى كواباتا، و"المرأة العسراء" لبيتر هاندكه، و"خفة الكائن التى لا تُطاق" لميلان كونديرا، و"أوريليا" لجيرار دونرفال، و"تاريخ بيروت" لسمير قصير، و"ملْك الغائبين" لإلياس صنبر، و"المثقّفون" لسيمون دى بوفوار، و"جبل الروح" لغاو شنغجيان ، بالاشتراك مع الشاعر والمترجم الراحل بسّام حجّار، و"العصفور الأزرق وحكايات أخرى" لماري كاترين دونوا.
المقدمة
يقول غابرييل ماركيز فى مقدمة الرواية " ........، كنت قد اعتقدت على الدوام أن لا شئ في الوجود يفوق جمال امرأة جميلة، بات مستحيلا أن أفلت ولو دقيقة من سحرهذا المخلوق الخرافي النائم إلى جانبي. كان نومها ثابتا للغاية حتى أني خشيت أن تكون قد تناولت أقراصا للموت بدل النوم،............لكن خلال خمس ساعات من الطيران تأملت فيها الجميلة النائمة، أدركت بسرعة وبقلق منزوع من المستقبل أن وضعي النعيمي شبيه بعمل أدبي رئيسي في الأدب المعاصر وهو "منزل الجميلات النائمات" للياباني ياسوناري كواباتا.
وفي ختام مقدمته قال ماركيز " على كل حال ، الكتاب الوحيد الذي وددت أن أكون كاتبه هو "منزل الجميلات النائمات" لكاوباتا. غابيريل ماركيز1982
الرواية
تحكي رواية الجميلات النائمات عن "إيجوتشي" ، وهو رجل في السابعة والستين من عمره، نصحه أحد الأصدقاء بأن يذهب إلى أحد البيوت السرية، والذي يعرف باسم "بيت الجمال النائم" ليتمتع جنسيا بمشاهدة فتاة نائمة. يتضح لـ "إيجوتشي" فيما بعد، أن هذا البيت مخصص فقط للعجائز من الرجال، وأنه يوفر لرواده فرصة النوم بجوار فتاة صغيرة عذراء نائمة تحت تأثير المخدر، مع قوانين صارمة وضعت لرواد البيت ، بهدف الاستمتاع بملامستها ، والنوم بجوارها طوال الليل بدون ممارسة الجنس معها، فهي فتاة عذراء نائمة بفعل مخدر قوي والأمل في استيقاظها منعدم.
لا نعلم على وجه التحديد ماذا فعل الرجال العجائز الذين يترددون على هذا البيت السري مع الفتيات النائمات، لكن "إيجوتشي" ينقل لنا تجربته التي لا تخلو من الدهشة والمراجحة بين القبول والرفض، كما يأخذنا الراوي في رحلة لكشف هذه التجربة ببطء، بدءًا من وصف المكان بتفاصيله وألوانه، وحتى وصف إحساسه كرجل تجاوز سن الستين.
في لقائه الأول، يُسحر "إيجوتشي" بوجود الفتاة نائمة بجواره، جسدها يذكره بتجاربه وهو شاب وبفتيات عاش معهن متعًا جنسية شهية، كما يذكره بشيخوخته وبانه قريبا سوف يكون عاجزا عن التواصل الجسدي مع أي امرأة. يصر "إيجوتشي" على التمسك بفكرة أنه ما زال يملك قدرة جنسية على إختراقها، وأنه أفضل من باقي العجائز الذين يترددون على هذا البيت السري، والذي في اعتقاده، يحبون النوم بسلام بجوار الفتيات الصغيرات لأنهم ليس لديهم ما يفعلونه. ويؤكد مراراً على تلك الفكرة التي تعطيه تقديرا أكبر لذاته رجلا، ويتقزز من هذا البيت السري الذي يسمح للعجائز بأن يمارسوا حزنهم وشفقتهم على أنفسهم. ومع تواصل اكتشاف أجساد الفتيات الصغيرات، ووصف دقيق لأجسادهن، يتذكر السيدات اللاتي دخل معهن في علاقات حميمية في شبابه. كانت دائما تسيطر عليه رغبة لانتهاك قوانين ذلك البيت السري، ففي المرة الثانية قرر أن يمارس الجنس مع فتاة، ومن هنا اكتشف أنها عذراء، فكان يريد إيقاظهن أو تجرع نفس المخدر الذي احتسته الفتيات، لكنه كان يستسلم لنوم هانئ بعد أن يأخذ جرعته المتوفرة من المنوم ، ويستسلم لكوابيس أو لأحلام جنسية غريبة.
لقد دخل إيجوتشي هذا البيت السري بدافع الفضول في بادىء الأمر، ثم تطور إلى دافع الرغبة. فوصلت عدد زياراته إلى خمس زيارات، التقى خلالها بست فتيات نائمات. كل رائحة وكل فعل لا إرادي يصدر من أي منهن يثير في نفسه ذكرى ما. فأول فتاة تصاعدت منها رائحة مثل رائحة الحليب التي تفوح من الرضع، جعلته يشعر بالوحدة والحزن، لأنها ذكرته برائحة أحفاده وبناته وذكريات أخرى مع نساء في ماضيه. أما الفتاة الثانية فجعلته يغوص في رؤى جديدة متعلقة بذكريات قديمة كأزهارالكاميلية منزوعة البتلات، كانت هذه الأزهار مرتبطة برحلة قام بها مع بناته المتزوجات، وذكريات مع فتيات أُخريات، فتوهم أن الفتاة الراقدة بجانبه تنتمي إلى نساء هذه الفترة. ومع الفتاة الثالثة تذكر امرأة الملهى الذي اصطحبها الى فندق كوب، كانت متزوجه ولديها طفلان، وهي صاحبة مقولة "الغرق في نوم قاتل"، وعاهرة الرابعة عشرعامًا. كما ذكرته الفتاة الرابعة التى كانت رائحتها نفاثة وقوية أيضاً برائحة الرضع. ومع آخر فتاتين، إحداهن كانت سمراء، تذكره بأمه؛ المرأة الأولى في حياته، واستحضر ذكرى مرضها ووفاتها، ثم أفاق بعدها على موت الفتاة السمراء.
تنتهي الرواية بحادثة موت أحد رواد هذا البيت أثناء وجود "إيجوتشي" مع فتاتين في هذه الليلة، الأمر الذي اعتبره إيجوتشي بمثابة نهاية سعيدة للعجوز "فوكورا "، لأنه مات بجوار فتاة جميلة.
ناقشت "الراويات" الصراع الدائر الذي رصدته هذه الرواية الغريبة بين معاني الجمال والقبح، وبين الشباب والشيخوخة، وبين الحياة النابضة والموت الموحش، وذلك من خلال عددة محاور رئيسية هي : شخصيات الرواية المحورية، البيت السري وما يقدمه، معني الجمال النائم وتأثيره على رواد البيت، واخيرا التناقضات المنعكسة في هذه الرواية بين الجمال والقبح، الحياة والموت، الشباب والشيخوخة، والصلات التي تربط بين هذه التناقضات. انقسمت آراء الراويات ما بين مؤيد ومعارض لفكرة الراوية، لكن استطاع الكاتب بإسلوبه المتميز وبراعته المتقنه في السرد والوصف ولاقت استحسانا كبيرا.
أشادت "الراويات" بعمق الرواية، وبراعة الكاتب في نقل الأحاسيس والمشاعر، واستدعاء صور من الماضي والتنقل عبر الروائح أو الألوان إلى ذكريات عن أمه وبناته ونساء مررن في حياته الماضية. استطاع الكاتب من خلال هذه المشاهد أن يغوص الى أعمق مناطق النفس البشرية وأكثرها تعقيدا : الموت والحياة ، الجنس والحب، والشباب والشيخوخة.
الفكرة الأساسية التي بنى عليها كاوباتا روايته هي "الشيخوخة" وما صاحبها من "عجز". فالشيخوخة هي تلك المرحلة المرعبة التي يفقد فيها الرجل رغبته الجنسية التي يعيش من أجلها ، وبالتالي يفقد جدوى الحياة فينعزل وحيدا، يترقب فى رعب موعد الرحيل. لكن كواباتا أراد منا تغيير هذا المنظور وتقبل عجز الشيخوخة للاستمتاع بالحياة بهذه المرحلة. فجعلنا نعيش في الرواية الشيخوخة التي سنمر بها يوما ما ونصحنا بالاستعداد لها.
وأيضا من الأفكار المثيرة التي أشارات إليها الراويات في الرواية " حياة يمكنك لمسها بكل أمان" ففى داخل هذه الدار لا يحدث شىء غير اللمس وكثير من التأمل لجسد فتاة عذراء شبه ميت تم تخديره، حتى لا تشعر الفتاة بعجز الكهل ولا يشعر الكهل بالحرج من عجزه.
رُصد من خلال الرواية بعض من صور الحياة الإجتماعية والثقاقية اليابانية مثل المرأة العذراء وصورها المختلفة في التاريخ، وكذلك مفهوم الجمال في الثقافة اليابانية. وظهر واضحا لنا تأثر الكاتب بالديانة البوذية التي تنظر إلى الانتحارعلى أنه نوع من أنواع تحمل المسؤولية.
رأت الراويات أن الكاتب أخذنا في رحلة روحية من الولادة وروائح الحليب، إلى الشباب وعلاقاته الغرامية، وأخيرا إلى "الموت" في نهاية الرواية؛ موت العجوز المتوقع والموت المفاجىء للفتاة السمراء الجميلة منوهاً بذلك إلى أن الموت لا يقتصر على العجائز فقط.
أنست الراويات إلى لغة كاوباتا البسيطة والسلسة الخالية من أي مصطلحات مركبة يصعب على القارئ فهمها، وألمحت إلى أن أحداث الرواية جاءت سريعة مليئة بالتفاصيل الدقيقة لتعطى صوراً كاملة للحدث. كما رأت الراويات أن الكاتب نجح فى استخدام عنصر التشويق والإثارة الذي لازم الرواية حتى نهايتها. وفي نظر الراويات، جاءت النهاية بسيطة وغير بمتوقعة تركها الكاتب عن قصد مفتوحة أمام القارىء. تعتقد الراويات أن الترجمة إلى العربية لم تستطع الإحاطة بروعة أسلوب كاوباتا الساحر، وكذاك حسه الشعري. وفي النهاية، اجمعت الراويات على مدى قدره كاواباتا الاحتفاء بالجمال، مثل جمال الطبيعة وجمال المرأة والشباب وجمال الحياة واللغة، وحتى جمال التقاليد الأصيلة التي دمرتها الحداثة.
ماركيزقال انه تمنى لو انه كتبها، فالرواية تذهب الى موضوع الرجل المسن الذي يفتتن بالفتاة غير البالغة، كما في رائعة "لوليتا" لفلاديمير نابوكوف. فبطل رواية لوليتا همبرت همبرت في حديثه الممتد على طول الرواية لا يتحدث الا عن الغواية بين هذا الرجل وهذه الفتاة التي قد لا تكون مخدرة ولا نائمة، انما ربما بقصد مداعبة مذكرة هذا الرجل الذاهب الى الشيخوخة. ويجب الاشارة هنا أيضا الى رواية توني ماغواير الصادمة "لا تخبري ماما"، وهي قصة لها أصل واقعي لطفلة صغيرة عانت من الوالد الذي استغلها جنسيا والوالدة التي تواطأت مع زوجها، فكانت الضحية تلك الفتاة الأصغر سنا مقارنة مع جميع "الجميلات النائمات" واكثر براءة منهن. لكن حدة الاستغلال والظلم الانساني في رواية "لا تخبري ماما"، أورستنا أجواء مقيتة تبتعد قليلا عن الجميلات النائمات.
اقرأ أيضا:
بقلم: داليا أبو العطا
تحرير ومراجعة: سهام جبريل،شذى عاصم شلق، د.مايا أبوظهر
مراجعة أدبية: د. جمال مقابلة
27 مايو . 27 دقيقة قراءة
03 سبتمبر . 3 دقائق قراءة
19 مارس . 5 دقائق قراءة