24 أغسطس . 4 دقائق قراءة . 927
كثيراً ما نسمع عن زمن جميل ولًى .. حنين إلى ماضٍ مغلف بحسرة .. وأمل برجوع ..
للفن زمن جميل..
وللأدب كذلك زمن جميل..
وجوانب أخرى مختلفة في حياتنا نسمع عن زمن جميل لها .. .. علاقات .. طباع وسلوكيات مجتمعية ..
كله في مقارنة دائمة مع الزمن الراهن لا سيما من قبل من عايش الزمنين.
ولكن .. هل للسعادة زمن جميل أيضاً؟!
يرى البعض ذلك فعلاً، إذ يقارنون عصرهم بعصر أهلهم وأجدادهم، إما لأنهم عايشوا العصرين أو من خلال ما يصلهم عنه عبر الحكايا والأخبار المتوارثة أو حتى عبر الكتب.
كثيرة هي الجلسات والحوارات التي نجد أنفسنا فيها دون تخطيط داخل اتموسفير نوستالجيا مقارن بين الماضي والحاضر ودون ذكر صريح لكلمة السعادة أحياناً، وإنما من خلال وصف أحداث أو مشاعر مختلفة في الماضي والحاضر، مثل الشعور بالأمان والوفرة المالية والصحة وجودة العلاقات العاطفية والاجتماعية و الأخلاق .. الخ .. حتى الطقس ! .. أي نعم .. حتى الطقس كان أكثر سعادة !!.
ولن أبالغ حين أقول أني الآن _ وسنوات قليلة تفصلني عن إتمام عقدي الرابع _ قد عاصرت زمنين مختلفين (جيلين) _ إلى حد ما _ لا أستطيع إلا المقارنة بينهما من حيث " معدل السعادة والرضا " رغم أني في السابق لم أكن أدرك تماماً مفهوم السعادة _ كما الآن _ إذ أصبحت أكثر استشعاراً لها وأكثر قدرة على استحضارها في مواقف عديدة.
وليس ذلك بغريب .. فالسعادة بمفهومها العام مرتبطة إلى حد بعيد بكل ما ذكر .. وطالما أن تلك الجوانب كانت "أحلى" _ يوماً ما _ فمن البديهي أن السعادة كانت في بحبوحة أكثر.
وحتى نبتسم ونعيد زمن السعادة .. اخترت أن أختصر حوارات عديدة لي مع أناس كثر، في صورة حوار كوميدي بيني وبين والدتي المشاكسة .. والحوار بالعامية المصرية للضرورات الدرامية الكوميدية:
--------------------------
كنا نجيب هدمة للصيف وهدمة للشتا .. بس راضيين ومبسوطين .. كنا بنستنى يوم الحد او الجمعة عشان ناكل لحمة .. بس كنا راضيين .. واللحمة طعمتها عسل .. مش. زي لحمة الايام دي ..(تلوي فمها بامتعاض).
بص يا منيل .. عشان الحاجة كانت قليلة وتيجي بالقطارة وفي وقتها بس فكان ليها طعم تاني .. كنت تحس بقيمتها أكتر .. وتستمتع بيها أكتر .. مش زي دلوقتي .. كبر المرعى وعميت الدابة !!
حتى الحب كان له طعم تاني .. حب بجد .. ورومانسية .. وكان الرجل راجل بجد .. مش دكر وبس .. عايز معزة ينط عليها والسلام ..
والنسوان كانوا قمر زي ما ربنا خلقهم وكل واحدة شكل ولون .. وستات جدعات برا البيت وجوا البيت.
------------------------------------------------
ربما هي الفطرة فعلاً التي كان يعيشها الناس ويتخذونها أسلوب حياة، والتغيير البطيء والرتيب، مقارنة بحياة اليوم التي كثرت أصباغها وزيفها مع قفزات التطور السريعة من مرحلة لأخرى قبل أن نستوعب سابقتها، فبينما كانت الحياة قديماً تسير على مهل، ترانا اليوم نلهث .. نجري .. لا نعرف الوجهة ولا الهدف ولا ما هي النهاية ولا أين .. والنتيجة أننا عاجزون عن الاستمتاع باللحظة الراهنة دائماً وقلقون خائفون بشأن المستقبل المبهم أبداً.
وختاماً ، وفي محاولة للبحث عما يفسر زمن السعادة الجميل، لم أجد أفضل من هذا الحوار بين شيخ (الشيخ إنسان، هكذا اسمه) ورجل (يونس) هما بطلين في رواية قرأتها، شرحَت بإيفاء _ حسب رأيي _ سبب الفجوة الكبيرة بين أمس واليوم، أنقلها لكم كما هي:
"الشيخ: لماذا كلما نظر جيل إلى الأجيال التي قبله يوقن أنهم في الماضي كانوا يعيشون حياة أكثر سعادة؟!
الرجل: لأن الناس في الماضي كانوا أكثر جهلاً!.
الشيخ: بل لأنهم كانوا أكثر بساطة. أحلامهم بسيطة .. رغباتهم بسيطة. كلما ازدادت الحياة تعقيداً وارتفع إيقاع سرعتها، تجد أن السخط يحتل القلوب لافظاً الرضا."!.*
------------------
*النص من رواية ثاني أوكسيد الحب للكاتبة منى سلامة.