حكاية صورة -/٤/- زمن السعادة الجميل!

Kenan Dumat

24 أغسطس  .   4 دقائق قراءة  .    944


 

كثيراً ما نسمع عن زمن جميل ولًى .. حنين إلى ماضٍ مغلف بحسرة .. وأمل برجوع .. 

للفن زمن جميل..

وللأدب كذلك زمن جميل..

وجوانب أخرى مختلفة  في حياتنا نسمع عن زمن جميل لها .. .. علاقات .. طباع وسلوكيات مجتمعية ..

كله في مقارنة دائمة مع الزمن الراهن لا سيما من قبل من عايش الزمنين.

ولكن .. هل للسعادة زمن جميل أيضاً؟! 

يرى البعض ذلك فعلاً، إذ يقارنون عصرهم بعصر أهلهم وأجدادهم، إما لأنهم عايشوا العصرين أو من خلال ما يصلهم عنه عبر الحكايا والأخبار المتوارثة أو حتى عبر الكتب. 

كثيرة هي الجلسات والحوارات التي نجد أنفسنا فيها دون تخطيط داخل اتموسفير نوستالجيا مقارن بين الماضي والحاضر ودون ذكر صريح لكلمة السعادة أحياناً، وإنما من خلال وصف أحداث أو مشاعر مختلفة في الماضي والحاضر، مثل الشعور بالأمان والوفرة المالية والصحة وجودة العلاقات العاطفية والاجتماعية و الأخلاق .. الخ .. حتى الطقس ! .. أي نعم .. حتى الطقس كان أكثر سعادة !!. 

ولن أبالغ حين أقول أني الآن _ وسنوات قليلة تفصلني عن إتمام عقدي الرابع _ قد عاصرت زمنين مختلفين (جيلين) _ إلى حد ما _ لا أستطيع إلا المقارنة بينهما من حيث " معدل السعادة والرضا " رغم أني في السابق لم أكن أدرك تماماً مفهوم السعادة _ كما الآن _ إذ أصبحت أكثر استشعاراً لها وأكثر قدرة على استحضارها في مواقف عديدة.

وليس ذلك بغريب .. فالسعادة بمفهومها العام مرتبطة إلى حد بعيد بكل ما ذكر .. وطالما أن تلك الجوانب كانت "أحلى" _ يوماً ما _ فمن البديهي أن السعادة كانت في بحبوحة أكثر.

وحتى نبتسم ونعيد زمن السعادة .. اخترت أن أختصر حوارات عديدة لي مع أناس كثر، في صورة حوار كوميدي بيني وبين والدتي المشاكسة .. والحوار بالعامية المصرية للضرورات الدرامية الكوميدية: 

--------------------------

  • أنتي يا ولية ياللي اسمك ماما.
  • يولولوا عليك بدري يا بعيد .. عايز ايه يا منيل .. مش شايفني مفرهدة في المطبخ بعملكو طفح ..
  • (ببراءة مصطنعة) أيامكو كانت أحلى ولا دلوقتي؟! يعني لما كنتي صغيرة في بيت جدي أحلى ؟!
  • وأنت ايش جاب الموضوع على بالك؟! حبكت يعني ..
  • ما فيش بسأل عادي .. 
  • (تطفئ الموقد وتجلس مع تنهيدة تهد جبل) .. أحلى بس؟! .. الدنيا كانت غير والناس والجو .. كان في ناس قليلة وخير كتير .. اي نعم كان في فقر بس تحس كل الناس شبه بعض وزي بعض .. والواحد عايش ومبسوط .. مش باصص لحاجة غيره .. البيوت قليلة .. والشجر كتير .. الميه نضيفة .. والهوا أنضف .. الستات محترمة .. والرجالة زي الفل .. والي مش محترم يبان على طول ويترمى في المزبلة عِدِل.
  • طيب كنتو بتتسلو ازاي؟ دي عيشتكم مملة ! 
  • جاتك خيبة .. مملة ايه ياض .. ؟! .. دنيا برااااح كدة والبيوت واسعة ونضيفة وما فيهاش كركبة كتير .. كنا نشطب البيت بدري وستك تشطب المطبخ .. وبعدها نقعد نقرا كتاب او نعمل تريكو او سنارة ونعمل مفارش .. ونروح للجيران والقرايب أو يجولنا .. ويوم العطلة نروح مشاوير وناكل حاجات حرشة في الطبيعة. يااااه (صوت مصمصة بحسرة).

كنا نجيب هدمة للصيف وهدمة للشتا .. بس راضيين ومبسوطين .. كنا بنستنى يوم الحد او الجمعة عشان ناكل لحمة .. بس كنا راضيين .. واللحمة طعمتها عسل .. مش. زي لحمة الايام دي ..(تلوي فمها بامتعاض).

  • يعني كل الناس كانوا فقراء مافيش أغنياء؟!
  • طبعا في بس قليلين وعايشين لوحدهم بعيد .. في قصورهم وفللهم .. ما بنشوفهمش .. أما بقية الناس فكنا كلنا شبه بعض. 
  • انا مش فاهم ازاي كنتو تفرحو وانتو ما عندكوش غير هدمتين وما بتاكلوش لحمة كل يوم؟! 
  • وانت من ايمتى بتفهم حاجة .. فاشخ حنكك للأكل وبس .. الهي تتوكس كل واحدة عايزة تتجوز وتجيب عيال .. 

بص يا منيل .. عشان الحاجة كانت قليلة وتيجي بالقطارة وفي وقتها بس فكان ليها طعم تاني .. كنت تحس بقيمتها أكتر .. وتستمتع بيها أكتر .. مش زي دلوقتي ..  كبر المرعى وعميت الدابة !! 

  • يعني انا دابة؟! 
  • اومال فاكر نفسك ايه يالدلعدي؟! 

حتى الحب كان له طعم تاني .. حب بجد .. ورومانسية .. وكان الرجل راجل بجد .. مش دكر وبس ..  عايز معزة ينط عليها والسلام .. 

  • (أضحك كثيراً) .. 
  • عجبتك دي اوي يا قليل الأدب ؟! .. 

والنسوان كانوا قمر زي ما ربنا خلقهم وكل واحدة شكل ولون .. وستات جدعات برا البيت وجوا البيت. 

  • وما كانش في خناقات وزعل وشواشي بتتشد وكده ؟! عايزة تقنعيني أنكم كلكم كنتم ملايكة وأن الحياة كانت قشطة كلها؟!
  • مش كده يا خايب .. الحياة عمرها ما كانت قشطة ومربى طول الوقت ولا الناس برضه .. بس كان في محبة واحترام .. حتى الخصام باحترام .. ودايما كنت تلاقي ناس تتدخل في الخير وتصالح .. والكبير كبير له كلمة وهيبة وكل العيلة تسمع كلامه .. واه صحيح كانت الحياة تلطش مع الخلق من وقت للتاني .. مش بمبي على طول .. بس كانت الناس صبورة وتعافر وتتحمل.
  • طيب …
  • ايه ياض عايز ترغي للصبح .. بص .. مش فاضيالك .. ورايا مليون حاجة .. والنعمة حاقلع الشبشب وقطعوا على بوزك ..
  • خلاص خلاص والله آخر سؤال ..
  • خيييير .. صبرني يا رب! 
  • كل الكلام الحلو اللي حكيتهولي ده .. تفتكري ايه السبب فيه؟!
  • (نظرة طويلة في الفراغ .. صمت طويل ..) .. الفطرة! 
  • (تخلغ الشبشب وتركض خلفي ..)!! 

------------------------------------------------

ربما هي الفطرة فعلاً التي كان يعيشها الناس ويتخذونها أسلوب حياة، والتغيير البطيء والرتيب، مقارنة بحياة اليوم التي كثرت أصباغها وزيفها مع قفزات التطور السريعة من مرحلة لأخرى قبل أن نستوعب سابقتها، فبينما كانت الحياة قديماً تسير على مهل، ترانا اليوم نلهث .. نجري .. لا نعرف الوجهة ولا الهدف ولا ما هي النهاية ولا أين .. والنتيجة أننا عاجزون عن الاستمتاع باللحظة الراهنة دائماً وقلقون خائفون بشأن المستقبل المبهم أبداً.

وختاماً ، وفي محاولة للبحث عما يفسر زمن السعادة الجميل، لم أجد أفضل من هذا الحوار بين شيخ (الشيخ إنسان، هكذا اسمه) ورجل (يونس) هما بطلين في رواية قرأتها، شرحَت بإيفاء _ حسب رأيي _ سبب الفجوة الكبيرة بين أمس واليوم، أنقلها لكم كما هي: 

"الشيخ: لماذا كلما نظر جيل إلى الأجيال التي قبله يوقن أنهم في الماضي كانوا يعيشون حياة أكثر سعادة؟!

الرجل: لأن الناس في الماضي كانوا أكثر جهلاً!.

الشيخ: بل لأنهم كانوا أكثر بساطة. أحلامهم بسيطة .. رغباتهم بسيطة. كلما ازدادت الحياة تعقيداً وارتفع إيقاع سرعتها، تجد أن السخط يحتل القلوب لافظاً الرضا."!.*

------------------

*النص من رواية ثاني أوكسيد الحب للكاتبة منى سلامة.

  2
  6
 0
مواضيع مشابهة

06 أغسطس  .  7 دقائق قراءة

  2
  3
 1

08 أغسطس  .  3 دقائق قراءة

  2
  5
 0

05 أغسطس  .  2 دقيقة قراءة

  3
  3
 0

14 سبتمبر  .  3 دقائق قراءة

  3
  4
 1

13 مارس  .  1 دقيقة قراءة

  1
  8
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال