5 ممارسات صباحيّة من الفلسفة الرواقية ضمن روتيني اليومي

12 سبتمبر  .   10 دقائق قراءة  .    1535

الدافع إلى الحياة الرواقية

تتجه الحياة نحو الصعب؛ فالأصعب، نتيجة الضغوطات التي تزداد في كل زمان ومكان، سواء في حياة الأشخاص الخاصة أم في حياتهم الاجتماعية، وعلاقاتهم مع الآخَرين؛ وبناءً على ذلك، بات معظم الناس يعانون من التوتر والأمراض النفسية، أو حتى عدم الارتياح... وهذا ما دفعهم إلى البحث عن علاج لمشاكلهم النفسية، أو عن حلٍّ لتلك الظروف التي يمرّون بها... من هنا، انبرَتِ الفلسفة الرواقية لمساعدة هؤلاء الأشخاص على إيجاد الحلول الناجحة والفعّالة للقضاء على المشاكل النفسية، ولجعل الحياة أسهل وأفضل...

 

مفهوم الفلسفة الرواقية  

لقد بُنيَت الحياة الرواقية حول الممارسات والعادات اليومية التي كانَتْ ذات هدف واحد فقط، ألا وهو أن نصبح أشخاصًا أفضل باستمرار، وكل يوم.

إذا أردنا ذلك حقًّا، يمكننا اتّباع طريقة الفلسفة الرواقية وتنفيذ روتين صباحي في حياتنا اليومية؛ وهذا ما سيوجهنا نحو المسعى المهم والأساسي. اليوم، يقوم الكثير منا بتمرير أيامه من دون وعي؛ فنحن نفكر في المستقبل، ونتمنى أنْ نحصل على أشياء أفضل من أجل حياة أفضل، المزيد من المال، بِناء علاقات أفضل، أو حياة أكثر حرية، لكنّنا بممارساتنا الخاطئة وغير المقصودة، لا ندَعُ ذلك يحدث أبدًا.

من خلال قضاء الوقت في التخطيط كل يوم، يمكننا بناء الحياة التي نريدها،

 يمكننا تحسين علاقاتنا، وإيجاد وظيفة أفضل، كما يمكننا أن نصبح لائقين وصحيّين ؛ وعليه، نستطيع أن نطوّر ذاتنا، ونخلق الفرَص لأنفسنا؛ فيكون النجاح والتميّز حليفنا. 

من هنا، نستنتج أن التخطيط هو المفتاح الأساسي لندفع أنفسنا إلى الأمام ونصبح بشرًا أفضل باستمرار؛ فبالتخطيط نسعى إلى أهدافنا بشكل مُنظَّم، ونتحرّى الأسباب التي تحققها لنا، ونسلك الطرُق التي تضعنا في المسارات الصحيحة، ونعمل على ممارسة العادات التي من شأنها تحسين مستوى يومنا؛ فنجعلها ضمن روتيننا الصباحي اليومي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:  ما هي الممارسات التي نصحتنا بها الفلسفة الرواقية والتي تحقق لنا ذلك؟

 


للاضطلاع على تعريف للفلسفة الرواقيّة، فوائدها وريقة العيش من خلالها، يمكنكم الاضطلاع على الفيديو أدناه. لمن يرغب بالترجمة، يمكنه الضغط على النقاط الثلاثة  (⁝ ) في الفيديو واختيار اللغة العربية من القائمة.

 



 قائمة الممارسات الخمس من الفلسفة الرواقية ضمن روتيني اليومي

فيما يأتي، تستعرض الفلسفة الرواقية قائمة الممارسات الخمس التي ضمَّنها الرواقيون في روتينهم الصباحي، وتحاول توجيه بعض النصائح التي يمكن على الناس اتباعها، لمساعدتهم على النمو والتحسن كل يوم. وتحتوي القائمة على:

 

1-   الاستعداد للشدائد والسّعي بجدّية للتغلّب عليها

كل صباح، حين يستيقظ ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius) - الامبراطور الروماني الشهير والفيلسوف الرواقي -   كان يفكر في اليوم التالي، وفي الطّرُق التي سيتّبعها في يومه، وكان يسأل نفسه الأسئلة الآتية: كيف سيتصرف وفقًا للفضائل الأربع للرواقية (الحكمة والعدالة والشجاعة والاعتدال)؟ 

ويُكمل أوريليوس شارحًا:

عندما تستيقظ في الصباح، قلْ لنفسك: الأشخاص الذين أتعامل معهم اليوم سيكونون متدخّلين، جاحدين، متعجرفين، غير أمينين، غيورين، وعنيفين. إنهم هكذا لأنهم لا يستطيعون التمييز بين الخير والشر.

كن مستعدًّا لكل شيء ولكن لا تنسَ أن تكون متفائلًا بشكل دائم، في أنك ستفرح بما هو إيجابي، وستسيطر على ما هو سلبي.

يمكننا استخدام هذه الممارسة من أجل إعداد أنفسنا لأيّة تحديات قد يجلبها اليوم لنا، من خلال تهيئة أنفسنا على أن أي شيء قد يحدث معنا عن طريق خطأ ما، أو أيَّة أحداث يمكن أن تُخرجنا عن مسارنا؛ وهنا، يمكننا أن نكون مستعدين، عقليًّا أو جسديًّا، للتعامل معها بشكل يتناسب مع متابعة يومنا بسلامٍ.

وفي هذا الصَّدَد، يوضح سينيكا (Seneca)، أحد أشهر الفلاسفة الرواقيين، هذه الممارسة كذلك، قائلًا: "تمسَّكْ بالقاعدة الآتية: عدَم الاستسلام للشدائد، وعدَم الوثوق بالازدهار مطلَقًا. ودائمًا ضع في الحسبان أن عادات الحظ تتمثل في التصرف كما تشاء هي، وعامِلْها كما لو كانت ستقوم بكل ما بوسعها؛ فكل ما كنتَ تتوقعه منذ بعض الوقت، ولو كان سيّئًا، سيأتي بصدمة أقلّ"؛ فعندَما تستعدّ لاستقبال أي شيء قد يحدث معك، قد تخفف من وقْع المفاجأة على نفسك فيما إذا كانت نتائجه غير مُرضية. وفي المقابل، ستكون سعيدًا لو كانت الأمور كما تحب وترضى؛ وبذلك تكون قد رفعت من مستوى الرضا النفسي وستحقق أهدافك بشكل أفضل.

-  ما تستطيع فعله في روتيني اليومي كلّ صباح

  • فكِّر في التحديات أو العقبات التي قد تعترضك خلال يومك، وكيف يمكنك التعامل معها؛ فللفعل البسيط المتمثل في احتمال حدوثها فوائد كبيرة، من أجل كيفية التأقلم معها، في حال حدوثها؛ وهذا ما سيعدُّك عقليًّا لهذه المحنة.
  • تصوَّر الأدوات ونقاط القوة التي ستزرعها في نفسك، أو التي تمتلكها، للتعامل بفعالية مع هذه التحديات.
 

2-   وضْع خطة من أجل قضاء يوم جيِّد

كان الرواقيون متحمسين لقيادة حياة هادفة وذات مغزى. يذكّرنا سينيكا (Seneca):

الأمر لا يتمثَّل في أن لدينا وقتًا قصيرًا للعيش، ولكننا نضيّع الكثير منه.

لعلَّ التخطيط لأيامنا سيساعدنا على التأكد من أننا نضع وقتنا وجهدنا في مساعٍ هادفةٍ وذات معنى؛ فنعيش حياة جديرة بالاهتمام، وما يمكن أن يساعدنا في هذا المسعى هو التفكير في الوقت الحيّ مقابل الوقت الميت. ماذا يعني ذلك؟

"الحياة تسألنا باستمرار: هل سيكون هذا وقتًا حيًّا أم وقتًا ميتًا؟ ربما هي رحلة طويلة. هل سنخرج أم نستمع إلى كتاب صوتي؟ من الممكن أنها رحلة متأخرة.. هل هذا يقيّدنا أم يحرّرنا؟ هذا ما نتحدَّث عنه… . علينا نحن أن نختار أن نجعل كل لحظةٍ لحظةَ حياة، علينا أن نقرّر أن نكون حاضرين؛ لتحقيق أقصى استفادة ممّا هو أمامنا". ريان هوليداي (Ryan Holiday).

 

-  ما تستطيع فعله

  • في أثناء تخطيطك ليومك، حدّد الطرق التي تستطيع من خلالها زيادة وقت الحياة إلى أقصى حدّ وتقليل الوقت الميت.
  • حاول أنْ تتعرف إلى المواقف التي تساعدك على إعطاء المزيد من القيمة والمعنى ليومك، للتأكد من أن أيامك تعيش إلى الحدّ الأقصى من إمكاناتها.
  • انظر إلى الأحداث والمهمّات المُدرَجة على جدول الأعمال، وفكِّر فيما إذا كانت تمثل استخدامًا مفيدًا لوقتك.

3-   التركيز على أهدافك الخاصة

ظلَّ الرواقيون ثابتين على أهدافهم في الحياة.

يمكننا أن نرى ذلك في تأملات ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius)؛ فهو يذكّر نفسه بهدفه بشكل منتظم؛ وهذا ما جعله يركّز على المهمة التي بين يديه وأعطاه الدافع إلى الاستيقاظ في الصباح، قائلًا:

"ألا ترى النباتات والطيور والنمل والعناكب والنحل يقومون بوظائفهم الفردية، ويجعلون العالم منتظمًا ومرتبًا بأفضل شكل ممكن؟ وأنت، ألستَ مستعدًّا من أجل القيام بعملك كإنسان؟"

ويضيف:

عند الفجر، حين تجد صعوبة في النهوض من السرير، قلْ لنفسك: "يجب أن أذهب إلى العمل، كإنسان. ما الذي يجب أن أشتكي منه، إذا كنت سأفعل ما ولدت من أجله، وسأقوم بالأشياء التي جئت إلى العالم لأفعلها؟ أم أنني خُلقت من أجل أن أتجمّع تحت الغطاء وأبقى دافئًا؟

لعلَّ قضاء بعض الوقت في الصباح الباكر مع أنفسنا، سيساعدنا على إعادة الاتصال بأهدافنا ويعيننا على عيش حياة ذات معنى؛ فالعيش كل يوم بما يتماشى مع أهدافنا الأساسية سيضمن لنا أن نعيش يومنا بشكل جيد وأن نقضي وقتنا في مساعٍ هادفةٍ.

 

-  ما تستطيع فعله

  • عند استقبال يوم جديد، تذكّر أهدافك وذكّر نفسك بسبب وجودك هنا، وسبب قيامك من السرير في المقام الأول.
  • قد يكون من المفيد لك أن تُعرِب عن نيّة اليوم المقبل لتحافظ على تركيزك على هذا الغرض، ولتكون جاهزًا لاستقباله.
  • طوال اليوم، عُدْ إلى هدفك أو نيتك للمساعدة في الحفاظ على تركيزك على المهمّة التي تقوم بها.
 

4-  تذكير نفسك بأن سيطرتك على الأمور محدودة

هذه واحدة من الأفكار الأساسية للرواقية وتدخل ضمن ممارسات الروتين الصباحي.

هناك أمر من اثنين، إما أن نتحكّم في شيء ما، أو لا نتحكّم فيه. ولعلّ إدراك الفرق بين الاثنين أمر حتمي لعقل ثابت وحياة سعيدة. في روتيننا الصباحي، يمكننا أن نذكّر أنفسنا بما نستطيع التحكّم فيه؛ وبهذه الطريقة لا ننزعج من أشياء لا نملك السيطرة عليها بينما نحن ماضون في أيامنا.

يقول ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius): 

"لديك سلطة على عقلك، ولكنك لا تسيطر على الأحداث الخارجية. أدركْ هذا؛ وسوف تجد القوة".

 

-  ما تستطيع فعله

  • لا فائدة من إضاعة وقتك أو طاقتك على أشياء خارجة على إرادتك؛ لذا، ركّز طاقتك على الأشياء التي يمكنك التحكّم فيها، أفعالك وأفكارك وأحكامك.
  • ضع في الحُسبان أحداث اليوم التالي وأدركْ أنك لا تملك السيطرة على معظم الأشياء. هذا التحضير والاعتراف سيجعل من السهل عليك التخلّي عن مقاومة الأشياء التي لا تتحكّم فيها، كحركة المرور وتصرفات زملائك أو موسيقى الجار الصاخبة التي يمكن أن تزعجك.
 

5-  تذكير نفسك باليوم الذي سترحل فيه عن هذه الحياة

إنها فكرة أساسية أخرى عن الرواقية، تذكار موري (Memento Mori).

كثيرًا ما يذكّر ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius) نفسه بوفاته؛ فهو يقول:

يمكنك أنْ تترك الحياة الآن. دعْ هذا يحدد ما تفعل وتقول وتفكر.

لعلَّ العيش لرؤية يوم آخر ليس مضمونًا؛ فمن المحتمَل أن نموت في أيّة لحظة، هذا ما يجب أن نتذكّره دائمًا. على الرغم من أن الأمر قد يبدو مزعجًا، إلا أن تضمين هذه الممارسة الانعكاسية في روتيننا الصباحي؛ سيضمن لنا أن نعيش كل يوم بشكل جيد. إذا لم يكن الغد مضمونًا؛ فماذا يجب أن نفعل اليوم لنكتفي بما حققناه في الحياة حتى الآن؟

سيساعدك هذا التفكير على عيش الحياة بامتياز، وبخاصةٍ إذا تعاملت مع كل مهمة كما لو كانت آخر مهمة لك، لأنها قد تكون جيدة جدًا؛ فمن المحتمل أن تتقنها أكثر وأن تقوم بها  على أكمل وجه. هذا مرتبط بالمفهوم الرواقي المهم لـِ آريت (areté)، وبشكل أساسي، التميّز.

بوصلة الرواقيّة - فضائل الرواقيّة
بوصلة الرواقيّة

كانت لدى سينيكا (Seneca) عقلية مماثلة: "

دعونا نجهز عقولنا كما لو أننا وصلنا إلى نهاية الحياة. دعونا لا نؤجل شيئًا. دعونا نوازن بين كتب الحياة كل يوم... الشخص الذي يضع اللمسات الأخيرة على حياته كل يوم لا يعاني من نقص في الوقت أبدًا.

-  ما تستطيع فعله

 

في الختام، لا بدَّ من قول كلمة أخيرة في هذا الصّدَد: كل منّا يعاني من ضغوطات نفسية وتوترات عصبية، نتيجة المشاكل اليومية التي تعترضه، والعقبات التي قد تواجهه... ولكن، في المقابل، كل منّا يملك مفتاح سعادته وراحته؛ فحياتنا عبارة عن سمفونية موسيقية... إذا أتقنّا العزف عليها؛ عشنا بسلام وطمأنينة... وإذا ملأناها بالصخب والضجيج والتراكمات؛ فقدْنا لذّة التمتع بجمالها.


تصفح أيضًا عبرمرداد:

هايدغر: قائد الفلسفة إلى ما بعد الحداثة

قراءة معاصرة في بنية الفلسفة الوجوديّة


 

الخُلاصة

تعمل الفلسفة الرواقية على مساعدتنا من أجل جعْل حياتنا أكثر إشراقًا وراحة، وذلك من خلال تعويدنا على بعض الممارسات اليومية والصباحية، التي من شأنها أن تمنحنا الاستقرار والهدوء النفسي، وتجعلنا نستمتع بيومنا أكثر وأكثر... لذا، أدرجَ الرواقيون ضمن فلسفتهم خمس ممارسات، عدّوها الأهمّ للوصول إلى حياة ذات معنى وهدف. وهذه الممارسات هي:

 
  1. الاستعداد للشدائد: ويكمن في توقُّع السلبي كما الإيجابي؛ حينها يصبح وَقْع الأحداث السلبية علينا أقلّ، وتخفّ الصدمة...
  2. وضْع خطة لقضاء يوم جيد وممتع: وذلك من خلال العمل على زيادة الأوقات الحيّة على حِساب الوقت الميّت، والقيام بالأعمال التي تعزز ذلك...
  3. التركيز على الأهداف الخاصة: وهي تتمحور حول سبب وجود الشخص في هذه الحياة، وسبب استيقاظه كل صباح؛ يجب أن يقوم بدوره الطبيعي الذي وُلِدَ من أجله، شأنه شأن سائر الكائنات...
  4. تذكير النفس بأن السيطرة غير مطلقة: فنحن نملك السيطرة على أشياء، ولا نملكها على أخرى؛ من هنا، لا فائدة من إضاعة الوقت والجهد على ما لا نستطيع التحكّم به، والأجدَر بنا أن نصرف طاقتنا على الأمور التي تدخل في نِطاق قدرتنا وسيطرتنا؛ وهكذا نكون سعداء وأقلّ انشغالًا...
  5. تذكُّر اليوم الذي سنموت فيه: وهذا سيعمل على تفكيرنا المستمر أن اليوم الذي نعيشه هو آخر يوم في حياتنا؛ وعليه، فإننا نتوقع أن العمل الذي نقوم به هو العمل الأخير؛ ما سيساعدنا على إنجازه على أكمل وجه، وبإتقان...
 

بقلم Ashley Richmond،  ترجمة صفاء الشيخ لفريق مرداد 

رابط المقال باللغة الانجليزيّة: https://bit.ly/3EaLZYO

  4
  3
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال