03 يوليو . 11 دقيقة قراءة . 4317
سيدات القمر هي رواية للكاتبة العُمانية جوخة الحارثي، نشرت سنة 2010 وفازت بجائزة مان بوكر الدولية عام 2019. وهي أول رواية عربية تفوز بهذه الجائزة الدولية لأفضل عمل أدبي مترجم للإنجليزية تحت اسم الأجسام السماوية Celestial Bodies (وهو عنوان الرواية بالنسخة الانجليزية(، حصلت الكاتبة على الجائزة مناصفة مع المترجمة الأميركية مارلين بوث. كان للرواية أثر قوي على القارئ الأجنبي، بما ساهم في وصولها إلى العالمية، هذا بالإضافة إلى التجربة الكتابية "الحميميّة" في الرواية والفضاء الروائي الخليجي عامة والعماني خاصة. رواية "سيدات القمر" تنتمي إلى النوع الاجتماعي الطويل، وتتناول تحوّلات تشمل ثلاثة أجيال وتصور تغير سلطنة عمان خلال هذه الفترة الزمنية. هي رواية واقعية تمزج بين الاجتماعي والتاريخي عبر السرد الحكائي من خلال شخصياتها الرئيسية. إنها رواية في الحب والحنين والمعاناة الصامتة والوفاء والخيانة، حيث يمتد زمنها أكثرمن ستون عاما. تحمل الرواية رسالة أنثروبولوجية مهمة، فهي تسلط الضوء على الوضع التاريخي للمنطقة وتاريخ الطبقات الاجتماعية فيها.
مناقشة رواية سيدات القمر
جلسة : ملتقى الراويات في 28 يناير 2020
الرواية : سيدات القمر
المؤلفة : الدكتورة جوخة الحارثي
المترجمة عن العربية: الدكتورة مارلين بوث
عدد الصفحات : 223
تاريخ النشر: 2010
الطبعة: الأولى
دار النشر: دار الآداب للنشر والتوزيع
جوخة الحارثي هي كاتبة وأكاديمية عمانية. درست في عمان والمملكة المتحدة، وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي الكلاسيكي من جامعة إدنبرة. هي حالياً أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس. نشرت الحارثي ثلاث مجموعات من القصص القصيرة وهي مقاطع من سيرة لبنى إذ آن الرحيل، وصبي على السطح، وفي مديح الحب، كما نشرت ثلاث روايات وهي منامات، سيدات القمر، ونارينجا. وقامت بتأليف أعمال أكاديمية كملاحقة الشموس: منهج التأليف الأدبي في خريدة القصر، وجمع وتحقيق ديوان الشيخ أحمد بن عبد الله الحارثي، والجسد في شعر الحب العربي باللغة الإنجليزية. تُرجمت أعمالها إلى عدة لغات كالصربية والكورية والإيطالية والإنجليزية والألمانية. حصلت جوخة الحارثي على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عن روايتها نارينجا عام 2016، ورُشحت روايتها سيدة القمر لجائزة زايد عام 2011. وفي عام 2019، أصبحت جوخة الحارثي أول شخصية عربية لتفوز بجائزة مان بوكر الدولية عن روايتها سيدات القمر، وحصلت جوخة على الجائزة بالمشاركة مع الأكاديمية الأمريكية مارلين بوث، التي ترجمت الرواية من العربية إلى الإنجليزية. كما جاءت الرواية في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة وأستراليا والهند وكندا.
مارلين لويز بوث هي أكاديمية أمريكية وكاتبة وباحثة ومترجمة. منذ عام 2015 ، كانت أستاذة خالد بن عبد الله آل سعود لدراسة العالم العربي المعاصر في جامعة أكسفورد، وزميلة من كلية مجدلين في أكسفورد. اشتهرت بأنها مترجمة ضليعة في الأدب (الخيال) العربي المعاصر، إذ قامت بترجمة أكثر من عشر روايات، ومنها أوراق النرجس لسمية رمضان، وتلاميذ العاطفة لهدى بركات.
أطلقت جوخة الحارثي روايتها بعنوان سيّدات القمر. العنوان يحيل القارئ مباشرة على تضمينات ورموز متعددة، وفيما بعد يحيل القارئ في الكثير من المحطات في المتن السردي على تضمينات ورموز أخرى. فمنذ قديم الزمن والقمر له مكانة خاصة عند جموع الناس والحضارات، كما أن في روايتنا هذه أطلق على إحدى شخصياتها وهي سيدة بدوية حرة مستقلة (ماديا ومعنويا) اسم قمر. بداية الرواية مشوقة (صبية يافعة حالمة وحب لا يعرف أوله من آخره...)، والإطار العام فيها فاتن ونابض. الراوي يختلف من فصل إلى آخر؛ أشخاص مختلفون يروون تجاربهم من عبد الله، إلى لندن، إلى ميا، إلى الكاتبة... تسلط الرواية الضوء على الوضع التاريخي لعمان وتحولاته خلال فترة ستين عاما، وما شهدته من تغيرات سياسية واجتماعية وثقافية، عبر ثلاثة أجيال مختلفة في الوعي والسلوك والمفاهيم دون أن تغيب ضغوطات الجيل الأول، ذلك إلى جانب ذكر وقائع تاريخية مهمة والإشارة إلى سلم القيم القديمة والمستحدثة في عمان.
في رحلة مجتمعية تاريخية غاصت الكاتبة جوخة الحارثي في أعماق المجتمع العماني ساردة واقع تلك البلد على لسان شخصيات مختلفة، حيث لكل شخصية دورها المحوري في صناعة الحدث عبر أزمنة متعاقبة. تسلط الكاتبة الضوء عبر شخصيات الرواية على واقع عاشه الشعب العماني نساء ورجال وعلى ما عاناه من فقر وجهل واستعمار وفوقية، بالإضافة إلى قضية الرقيق (حتى في ظل "اتفاقية لمنع تجارة الرقيق" عام 1926)، وقبول بالعادات الاجتماعية منها العادات البالية التى تحرم حق البنات في اختيار شريك حياتها، لتخرج بهن لاحقا إلى زمن مختلف وأكثر معرفة بحقوقهن وتخطيطا لمستقبلهنن.
يظهر جليا حضور المرأة في هذه الرواية من خلال شخصية ظريفة "العبدة"، وشخصية الأم سالمة وبناتها الثلاث (ميا و أسماء وخولة)، حيث تلعب هذه الشخصيات الأنثوية دورا محوريا في أحداث الرواية وعالمها الحكائي، وتمثل نماذج مختلفة في الاهتمامات والتفكير والمصائر، وإن كان الاخفاق في العشق شكل السمة المشتركة فيما بينهن. يصعب تصوّر أن تحقق إحداهنّ حياة تشاؤها، إلا أن الكاتبة أرادت أن تقترب منهن وأن تستعيد أصواتهنّ المكبوتة ليتحدّثن هن عن تجاربهنّ ووجعهن. هذه الشخصيات تبين اشكالية الذات الأنثوية في علاقتها بذاتها وبالآخر، في ظل ثقافة أبوية متسلطة ومتوارثة. لكن بالرغم من كل ذلك القمع والقهر، يبقى دور المرأة مهما وثابتا في بعض المواقع والذي كان له بالغ الأثر في ذلك المجتمع، مثلا ظريفة فبالرغم من انها كانت "عبدة" إلا أنها كانت تتمتع بقوة جعلت لها الكلمة العليا في بعض الأحيان، وقمر تميزت بشخصية تختار طريقها بنفسها بما فيها عشاقها.
مقابل هذه الشخصيات النسائية تبرز شخصية عبدالله الدائمة السفر والتنقل بين مدن العالم المختلفة، بوصفها شخصية عاجزة عن الاستقرار والتكيف مع المكان، ما يعكس قلقا وجوديا تعاني منه، ويخلق بعدا دراميا نجده ظاهرا في مشاعر التعب والإنهاك التي تعاني منها هذه الشخصية خاصة في ترحالها. هذه الضغوطات تأخذ في بعض الأحيان شكل الكوابيس عند عبدالله بسبب القسوة والصرامة التي ميزت علاقته بوالده. كما تظهر ملامح شخصية محمد الذي يعاني من التوحد مع وصف عميق لكينونته ومشاعر المحيطين به المتراوحة بين قبول ورفض... باختصار، حكت الكاتبة من خلال الشخصيات الرئيسية المتباينة، من حيث درجة وعيها وأنماط سلوكها وردود أفعالها ورؤيتها إلى الأمور، عن عمان وعن العادات الاجتماعية والسياسية والثقافية في ذلك البلد، فأعطت الكاتبة غنى وبعدا فكريا للرواية . السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الأطار: لماذا تم اختيار عبد لله كراوي رئيسي من بين عدة راويين في الرواية؟ لعل الإجابة تنحسر في الآتي: أولا، عبد لله هو حلقة الوصل بين عدة أجيال. ثانيا، من خلال تفكرات عبد لله، نستكشف ناحية نفسية مهمة حيث يستحضر عبد الله صورا كثيرة من الماضي تساهم في فهم سلوكه وتأملاته.
في هذه الرواية، خرجت الكاتبة عن التقسيم التقليدي للرواية إلى فصول حيث لم تستخدم الترقيم أو العنونة او اسم الراوي، كما جاءت بعض الفصول في مساحة صغيرة جدا قد لا تتجاوز الصفحة الواحدة. استخدمت الكاتبة الحوافز الديناميكية التي تجعل الرواية تنتقل من وضع إلى وضع ومن مكان إلى مكان آخر برشاقة. كسرت الحارثي وحدة الزمان والمكان في الرواية، حيث سمحت بحرية التنقل بين المكان والزمان. وقد سمحت حرية التنقل هذه في أمكنة وأزمنة مختلفة بالإضافة إلى اللغة الشعرية في كثير من المواضع في منح الفضاء السردي الكثير من التشويق، حيت تتقاطع فيها وجوه ومصائر متعددة، وتنعكس هذه الحركية على تلك الشخصيات وعلى وعيها لذاتها وعلاقتها بالآخر. وفقت الكاتبة في ذكر تفاصيل المكان وتاريخ المجتمع العماني بكل تناقضاته وتحولاته على مختلف الأصعدة. كما نقلتنا بطريقة ذكية إلى خصوصية بلدها عمان لتعرفنا أكثر على تاريخ ذلك البلد الجميل وتذوق العمانيين الشعر العربي الأصيل وحفظهم للأمثال والحكايات العربية وتأثرهم بالدين وبالماورئيات في سرد روائي امتعنا.
اقرأ ايضاً:
تستخدم الكاتبة في الرواية ضمائر المتكلم حينا والغائب حينا آخرا لتضفي تشويقا يجعل القارئ يستجمع قواه في التفكير. هذا التعدد الصوتي قد أظهر قدرة الكاتبة على التناوب في الضمائر والأصوات والأشخاص والأزمنة، الأمر الذي يكشف عن محاولة الكاتبة تقديم وجهات نظر مختلفة بحيث يسهم ذلك في كسر أحادية الرؤية التي يمكن أن يقدمها الراوي الوحيد لأحداث الرواية. تجدر الإشارة هنا إلى أن الراوي في النسخة الانكليزية محدد في بداية كل فصل على خلاف النسخة العربية.
تحاول الرواية أن تقول الكثيرعن تحولات الواقع العماني الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وصراعاته السياسية، وعلى تأثير هذه التغيرات والعلاقات على الجميع، حيث تتشابك حالات العشق والخيانة والخيبة والشوق والشعور بالغربة والتشبث بالأوهام و الأحلام أو خسارتهما. كما تبين الرواية علاقة المرأة بذاتها والمرأة بالمرأة والمرأة بالرجل، وكذلك علاقة الآباء بالأبناء. تناسخ الأدوار التي يقوم بها الآباء مع الأبناء مع تبدل المواقع والشخصيات في هذا العالم الروائي الذي تعمق تحولاته من المنحى الدرامي للوقائع والأحداث في واقع يحتشد بالمفارقات التي تمثلها حيوات شخصياته المتباينة حيث استطاعت الكاتبة أن تقدم عالما سرديا حافلا بحيوات غنية ومعبرة. إن ظل السرد والوصف هما العنصرين المهيمنين مقابل محدودية استخدام الحوار. إن مخيّلة الكاتبة تعيد كتابة تاريخ المهمّشين من خلال أصوات النساء والعبيد، بل وبعض الرجال الذين لم تكن درجة أذاهم من الهيمنة الأبوية أقل ضررا من النساء، مثل عبدالله الذي عاش زمنا كان فيه خاضعا لظل وشدة أبيه التاجر. كما أنها تدعو إلى تضامن النساء في سبيل تصدير أصواتهنّ وإعادة كتابة تاريخهن. وتبين الكاتبة النظرة إلى الزواج كجواز سفر لمرورالبنت للعالم النسائي، والتعامل مع التوحد بين العاطفة والأمل والصبر والنفور، عدم معالجة جريمة الاغتصاب. كما نجد أن للخرافات الشعبية والسحر وطريقة فهم الدين دورا رئيسا في تحريك الأحداث، وفي التعاطي مع المصائب والقهر، أو حتى في تحقيق الأمنيات.
يحتوى السرد الروائي على لغة تميزت باستخدام الجمل القصيرة المكثفة والشعر التقليدي الذي قيل خاصة في العشق وبشاعريتها الكبيرة وبإيقاعها السريع الذي شكل عنصرا مهيمنا في الرواية. كما يحتوي الرد على تعدد لغاته التي تتمثل في استخدام مفردات معينة التي تحيل إلى البيئة الاجتماعية للرواية. فاللغة تتراوح بين الفصحى ولغة الكلام، والعامية المستعملة سهلة وفيها بعض اللهجة المحلية والكاتبة موفقة في سردها اللغوي السهل الممتع، فهي لغة جميلة مناسبة للسرد الروائي من حيث كثرة استعمال الضمائر والاستعارات والكنايات التي أغنت النص.
كانت النهاية لبعض الراويات غير متوقعة اذ تركتها الكاتبة مفتوحة... ومن المفارقات التي ظهرت بالرواية: ان ميا المرأة البسيطة التى تزوجت رجلا غير الذي أحبته دام زواجها، بينما ابنتها لندن تزوجت من شخص أحبته ثم وقع الطلاق، وقد تكون هذه الخاتمة مناسبة للنص! تظهر النهاية أيضا التحولات التي كانت تطرأ على وضع تلك الشخصيات وتقبلها او عدم تقبلها للواقع، ومواقفها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي.
لم يمثل لبعض القارئات عنوان الرواية (سيدات القمر) مضمونها، لكن أكثرية الآراء وجدت العنوان جذابا ومجازيا وبارعا في تركيز تفاصيل الرواية من أحداثها الواضحة و المضمرة. وقد يبدو لنا في البداية العنوان غامضا أو رومانسيا، إلا أن في خواتيم العمل، تظهر قدرة العنوان على حمل دلالات تجعلنا نتذكر مسارات شخصيات الرواية والأمكنة والأزمنة. فصفة السيادة، ترتبط في أذهان الناس بالحكمة والقيادة والتعقّل. لكن لماذا القمر؟ لعلّ في الأمر أكثر من احتمال تقترحه قراءة الرواية. القمر قديمٌ قدم التاريخ، وهو شاهدٌ عليه في غيابه وحضوره، كذلك بطلات الرواية اللاتي تنتمين لعدة أجيال. القمر أيضا رمز الأمل، ويرتبط القمر بالبيئة البدوية الصحراوية، حيث له علاقة وثيقة بالشعر العربي، والغزل، والأنوثة، والجمال، والأم، والقلوب، والدين، والسحر في تلك الحقبة، كما أنه كان يستخدم كدليل إلى الطرق.
تطلب التعدد الصوتي الذي يسرد وقائع وأحداث الرواية لبعض القارئات جهدا فكريا لتحديد الراوي بشكل خاص وقراءة النص بشكل عام، إلا أن الأكثرية وجدته ممتعا. الشخصيات كثيرة في الرواية وبعض القارءات وجدن ذلك متعبا أو "مضيعا"، لكن الأغلبية وجدت أن لكل شخصية دور ووظيفة في إثراء الرواية لأن الشخصيات مختلفة وغنية ومركّبة. تجدر الإشارة إلى أنه طرحت مقارنة بين كتاب وداد خليفة زمن السيداف وكتاب جوخة الحارثي سيدات القمر حيث الروايتين يحكيان عن تاريخ بلديهما الأولى في 1300 صفحة، والثانية في 223 صفحة، الإثنتان أبدعتا في السرد ولكن جوخة الحارثي تفوقت بأسلوبها الأدبي الموجز من وجهة نظر عضوات ملتقى الراويات.
تصفح ايضا عبرمرداد
بقلم: د.مايا أبوظهر
تحرير ومراجعة: داليا أبو العطا، سهام جبريل، شذى عاصم شلق