بنتُ التاريخ

Ayat Ayat

03 يناير  .   3 دقائق قراءة  .    282

الأرواح هدأت سلّمت الدَّفة والشراع تنازلت عن كلّ ما كان بل ربما تنازلت عن كلِّ ما سيكون.

هل هذا هو السلام الداخلي؟

هل هذا هو التصالح مع الذات؟

يَسكُنه الهدوء قلبي لا موج يعلو ولا زَبد يُغطينا، ينظر من بعيد إلى القريب.

فقط ينظر، لا يأملُ شيئا ولا يخاف

هناك طرق في الحياة نعبرها، وطرقٌ أُخرى تَعبرنا، ودروب نَحيكُ منها سُترةَ الشتاء، لترمم برد العظام.

هناك أشخاص  يدعمون حطامنا، يرفعون كَسرَ خوفنا يجذفون بنا بعيدا وبعيدا جدا عن كلّ نفاق.

هذه الوجوه تلامس قلبك ضعفك، تنظر إليها تُحدق بها صمتًا هل جاءت إليَّ، رحمة من السماء أم دعوة لأحد ذكر اسمي لرب السماء؟ أم ماذا؟

ربما لم أصنع بحياتي معروفًا لِأُجازى بهذه القلوب، وربما عبرونا لنعبرَ معهم  إلى الله.

وهناك أشخاص كسروا فيك الثقة، زرعوا الخوف بالعيون جعلوا الحذر شعار حياتك، نقضوا عهد الخبز والأيام، يا الله ما أصعب هذا العهد، لو عَلِمَ الجاهل ثمن الأيام لما تابع درب حياته متنفسًا، ضاحكًا كاذبًا على روحه والحياة.

وهناك أيام تُداوينا وأيام نُداويها وكلنا لا نعلم من المريض؟ وأين الشفاء؟

وهناك أرضٌ بمرارها تَسكُن فينا وترفض الرحيل ترفض الشيخوخة والهرم، تُصرُ على الحضور.

وأرض تتنفس العشق بترابها ومائها، بنسمات الصباح البارد المُحملِ بالندى، بدورب زوارقها وشقوق شمسها الخجلى من الغيوم

 تختبئُ خلف رجال السماء، هؤلاء الرجال الذين يرفضون الفراق ولا يملون عناق أشعتها.

وهناك أرواح حاضرة بكل شهيق وزفير رغم الغياب أرواح ما اعتدنا البعد عنها ولا اعتدنا الفراق، هناك عذابات تُذاق  تلمسهُا الروح والشفاه، أتعلمُ متى؟ عندما ترى الجمال والبهجة والحياة، عندما تستنشقُ اسيقاظ البحر بعد ليلة عشقٍ صاخبة الذكرى، عندما تلامس ألوان الورود، عندما تمشي طرقات جديدة فريدة، عندما تفرح تنظر إلى الجانب الذي كُنتَ مسنودًا على كتفيه  لتجده الآن فراغ، عندها تدرك لسعة العذابات التي لم تذقها سابقا.

وهناك بالزاوية المعتمة المضيئة أجلسُ أنا ، أرقبُ المشهد من بعيد، ولا أعلم إن كنت أنا حقًّا أم مجرد خيال.

مثل محارب متعب ترك أحلام نصره وراياته وعشق الغجرية الرشيقة  مثل شمس تعزف الرحيل خيطا نرجسيا تاب عن ذاته ومضى يلقي خلف وديان التيه آماله .

مثل حُبكَ أنا لا أسمع لا أرى أتعبني السير خلفكَ، أرهقني السرج والخيال

كلما فكَكُتُ قيدا كبلتني بأغلال .

مثل الحب أنا أعيش على التمرد أتنفس الوحدة والغموض

 ومثل الشجر أنتَ زيتون أصيل ثابت تأبى الرحيل تحمل كل خوف المجهول وأحمل كل الأمان  .

لم أعد أخشى شيئا لم أعد أخاف الجموح.

 هو ذاته الله أينما حللتُ وارتحلت هو من حماني ورعاني عرفت معنى أن يحبك الله أن يُجندَ لك الكل أيقنت أن الأمان معه لا سواه، أصبحت أهوى البعد والرحيل .

بنت الغيمة أكون وأنت ابن الأرض.

توقفت فصول الحكاية وتوقف الغد الأخضر .

كان الوداع مريرا بطعم شوك صحراء قاحلة، سقطت دموع الغروب خجلى تحمل لون الخريف مرهقة أنا وخائفة من كل ما اعتدته وتربية عليه وعشته.

لم أكن أعلم أن فراق الغريب مُر.

 سلام عليك يا أرض الجمال والحب، سلام عليك وعلى كل ذكرى وضحكة ونزهة وكل غروب  يفيض القلب به .

(هي مدنٌ حياتنا)

 نحيا بها أو تحيا بنا وأنتِ مدينة التاريخ بلا منازع بنت المآذن والأمواج أستودعك الله وأُلقي بِقُبل القلب إليك احفظي عهدنا والقُبل لعل بعد ذلك لقاء.

كيف لي أن أنسى من علمني الصمت والوقار من داعب شغف التاريخ الممزوج بدمي ، كيف لي أن أنسى من دثّر حزني وفرحي بأمواج مضيقه ،كيف لي أن أنسى توحدي مع الطبيعة مع الأرض والشجر سمعتُ همس الأوراق كانت تودعني كل خريف وتطرق باب الفرح مع الربيع تناديني لألهو معها وأتنفس شهيق البحر .

كم مرة واسيتُ الشمس كنت لها السند، ألثم قلبها المعصور ألما مع كل غروب أواسي دمعها وأقول لها: كلنا عند النهايات أجمل وأبهى فكيف أنتِ ؟

لن يفهم أحد ما كنّاه فنحن عبارة عن تركيب كيميائي فريد بين مدينة حب وقلبِ عاشقٍ تاريخي، سمع كل صهوات خيولك والتكبيرات.

سنمضي أنا وأنتِ ولكن سيبقى هناك في حشائش الجدران  العتيقة سرنا سيدة التاريخ بلا منازع .

كُتبَ بقلم :آيات عدنان صلاح

  1
  1
 0
مواضيع مشابهة

11 أغسطس  .  1 دقيقة قراءة

  3
  7
 0

04 فبراير  .  1 دقيقة قراءة

  1
  6
 1
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال