العنوان

hassan ghrib

12 أكتوبر  .   5 دقائق قراءة  .    6

الرسم بالكلمات في همس الحرير 

الرسم بالكلمات في همس الحرير 

 

الرسم بالكلمات في مجموعة همس الحرير للكاتبة ميرفت السنوسي

الرسم بالكلمات في مجموعة همس الحرير القصصية  للكاتبة ميرفت السنوسي 

بقلم / حسن غريب

كاتب روائي ناقد

--------------------------------------------

ونحن نرحل بين الدروب مع الكلمات الشجية للمبدعة القاصة " ميرفت السنوسي" من خلال باكورة أعمالها القصصية "همس الحرير" والصادرة عن دار سما للنشر والتوزيع في نهاية سبتمبر2024م . وهذه المجموعة القصصية صاغته المبدعة بريشتها الرشيقة كلوحة فنية حية بالغة الحسن شديدة الجاذبية . 

تحتوي المجموعة علي سبع عشرة قصة قصيرة ما بين المتوسطة والطويلة والقصيرة جداً وترتيبها حسب الفهرس كالأتي : 

" آخر الصفحات المسافرة – قبل أن يزوي ضوء الشمس – إذا إذن هو الخطر – الرضا وراحة البال – الخروج من إطار الحلم المستحيل – التحليق بسماء نصنعها – عبث الأيام – عندما تنتحب الذكريات – اللقاء في مفترق الطرق – ثالثتنا زهرتي قرنفل وياسمين – لقاءان – صديقنا الطيب وجنون النقش بأحرف الحزن والياسمين – سؤال – لقاء – لا مفر– الفرار – نهاية بداية ". 

والقصص السابق ذكرها عندما نلج فيها نبصر كلماتها تتراقص أمامنا في حيوية ممزوجة بالحزن الشفيف والألم الشديد والمعاناة المتفاوتة لكنها تصنع بعد ذلك أنشودة عذبة في زمن النسيان وتهب علينا كالنسمة العليلة – تسري في الأبدان فتنعشها وتسيطر علي الوجدان وتلمس الأحاسيس . أو كأنها معزوفة رائعة في عمق الزمن الرديء فتطرب لها الآذان – وتتحرك لها أوتار القلوب الجامدة فتصيب شغافها . 

كلماتها ألحان تفيض عذوبة ورقة وتمتلئ بالأمل- رغم اليأس – وتنشر الحب – رغم الشجن – فتذهب بمتناقضاتها بالعقول وتخلب الألباب. 

في مجموعتها "همس الحرير" لا تنحت القاصة "ميرفت السنوسي" صخراً ليظهر الجلال والجمال ، لكنها في الواقع تشير إلى صخر تعكس في نفوسنا عبر قرون من الزمن ، وأضحت هذه النفوس "مبتورة" عاجزة أستنقعت في (إجازة) طويلة فغدت غير قادرة على الفعل ، لذلك نرى المجموعة بكاملها تنحو نحو فلسفة السقوط وتبين ملامح الهبوط دون التطرق لأي بارقة في هذا الرهن المتأبد في الغياب عن أدنى تطلع ، والمتناسق في حفر التاريخ . 

ولقد تمظهرت هذه الفكرة في المجموعة القصصية "همس الحرير" من خلال عدد من العوامل النفسية التي استقرت في خلفية المشهد الشعري الذي تبنته القاصة بعين تنظر إلى الواقع بعدسة بانورامية تريد من خلالها تنبيهنا – وبحياد مبطن – إلى مواطن الخلل في هذا الواقع الاجتماعي يمكننا وبشيء من الفصل الأكاديمي – ليس إلا- أن نبين هذه الحوامل النفسية التي صبغت الإنسان في هذا العصر ، حسب وعي المجموعة القصصية لها ، والتي جعلت من هذا الإنسان الهادىء حاملاً لافتة الرفض 

أولاً : الحلم – وأعني به على وجه التحديد والدقة – حلم اليقظة ، وأحلام اليقظة لا تنتج غير الأمنيات .

ثانياً : الإحباط – وهذا يقودنا غالباً إلى التشتت الذهني والضياع الذاتي 

ثالثاً : العجز .. الحقد .. التخلف .. وكل هذا لا يؤدي إلا إلى الأنهيار .

رابعاً: الاستسلام .. من حيث كونه محصلة نهائية لكل ما سبق . 

فبدءاً من الصفحة الأولى وحتى العاشرة قدمت القاصة إهداءات منفصلة متفاوتة عن غيرها مما أعطى للمجموعة شيء من الخصوصية بمن جاءت على ذكرهم ، وحيث من المفترض أن تضع الإهداء بشكل يتفاوت عما قدمته في صفحة أو صفحتين على الأقصى .. لكنها جاءت في الإهداءات – بهذه اللغة التقريرية المبسطة تضعنا أمام حالات استثنائية وهي تبرز بها تربة خصبة لإنتاج الأحلام والأمنيات والتصورات الطيبة لكل أحبائها وكل ذلك من موقع الثبات بعيداً عن الفعل وبالقدر الذي يملأ فراغ اللحظة المتخيلة. 

ثم تخرج القاصة "ميرفت السنوسي" في مظاهرتها من شارع الإهداءات لتدخل بنا شارعاً آخر تاركة خلف ظهرها لافتة عقم الإهداءات لتحمل لافتات عقم الإنسانية بعلاقاتها السلبية والإيجابية وتشاكلاتها مع الإنسان المعاصر ، فتصور لنا في المفتتح ص17 قول الشاعر الفلسطيني المناضل الشهيد"عبد الرحيم محمود" 

فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يسيء العدا . 

وردت هذه المفردة ( تسر – يسىء) 

إلا لتبرز بضديتها حجم الموت ولتكرس حالة التعضي التي جعلت من أجسادنا تتحلل إلى عناصرها الأولى لتغدو شكلاً من أشكال التربة ، وعلينا ألا نذهب بعيداً في البحث الدلالي عن الإيحاءات والانزياحات التي تقدمها ثنائية "صديق – عدو" و " تسر – تسيء " من خصوبة أو عطاء أو توليد أو غير ذلك من المتناقضات أو غير ذلك فخصوبتنا وعطاؤنا محددان بمرتكزات واضحة تشكل بمجملها جسد المجموعة كاملة . 

ثم تتناول في قصتها "آخر الصفحات المسافرة" والتي تعتبر أطول قصة في المجموعة وعدد صفحاتها إحدى وثلاثون صفحة من القطع المتوسط . 

وما يميز هذه القصة للمبدعة "ميرفت السنوسي" هي هذه الروح المتجددة في كل مفردة منها إذ تحاول القاصة أن ترسم الأمل عبر غابات الموت التي تسيطر على مختلف مظاهر الحياة التي يعيشها بطل القصة ، وعبر ألوان الحصار التي يعانيها ، فهو يعيش حالة من الأمل والتفاؤل وينشد الحرية في جدلية رائعة بينه وبين حبيسة العصافير داخل القفص – وهو كذلك لا يستسلم لحالات اليأس التي توحي أنه مقتول لا محالة ، لأن الاستسلام يعني النهاية ، والقاصة لا تريد أن ينتهي ، وإنما تريد أن يبدأ من حيث تتوقف الحياة من حوله ، ويتجدد من النقطة التي يظن معها أنه فقد توازنه . 

"ولأنه كان يملك روح شاعر فلقد كانت رسائله تأتينا وهي تحمل ألماً مقطراً ، كانت صرخات غضبه ، ثورته ، شعوره بالحنق وإصراره علي أن يثأر لكل أحبائه الذين كان يوسدهم بين كلماته المحبة الدامعة ، حتى بدت صفحاته المسافرة نحونا أشبه ما تكون بمقبرة لا نهائية الأتساع ... الخ " . (ص 24 قصة "آخر الصفحات المسافرة") 

أنها تعني خلق مضمون جديد للقصة في قصتها تجعل من مجموعتها نمطاً جديداً ليس على مستوي قصصها فحسب وإنما على مستوى القصة التي تعبر عن الأدب الاستيطاني بشكل عام . وكذلك يبدو جلياً في القصة عمق مأساة الشاعر التي تمثلت في ممارسات الاحتلال ضد أبناء شعبه وضده هو أيضاً ، ومحاولات قهر إرادة الإنسان الفلسطيني على أرضه ، وزرع بذور اليأس في نفسه . 

ومع تغير موضوعات القصص واختلاف مضامينها ، فإنها تلتقي حول خيط واحد يجمعها في نسيج متكامل ، ويوحدها في إطار الفكرة العالية الشكل الأدبي والتي تظهر فلسفة المبدعة (ميرفت السنوسي) القائمة علي إبراز البطل الشاعر – رغم استشهاده بالمنتصر والمتحدي بالرغم من قسوة الواقع ومرارة الاحتلال ، نراها دائماً تؤكد علي فكرة البقاء في نفسه – أي بطل القصة- والذي يتمثله بقاء للوطن والقضية ، إذ لا فرق بين ذات البطل وما يؤمن به ، فالوطن همه كما هو هم مبدعتنا (ميرفت السنوسي) . 

وهي تتوحد معه لينتصرا به علي واقعهما الصعب ، ويمكن من خلال استعراض بعض القصص الواردة في المجموعة ، استنباط المعاني التي تؤكد الفكرة الذاتية وانكسار الحلم مع واقعية السرد وهي قائمة فيها ، مما يعني وجود قاسم مشترك بينها ، يتجسد في إحساس القاصة بفلسفة ذاتية تؤمن بها ، وتعمقها بوعي أو بدون وعي في هذا العمل الفني ، ففي قصة " قبل أن يزوي ضوء الشموع " تبدأ القصة بالحديث عن الفتاة التي تسطع في عنفوان التوجع مع حبيبها وتصف حالات المسرح بطقوسه المألوفة بثوب قشيب. 

" كانت تنظر بانبهار إلى خشبة المسرح الذي كان كل شيء فيه قد أعد لاستقبال إحدى فرق الباليه ، كان البعض من حولها يحدثون بعض الجلبة وهم في طريقهم إلى أماكنهم . 

نظرت لما يدور حولها ببعض الضيق ، ثم بلا مبالاة ، فقد عادت تصوب نظراتها نحو المسرح حين التقطت مسامعها تلك الدقات الثلاث الخالدة ، فسكتت حولها كل الأصوات . (قصة " قبل أن يزوي ضوء الشموع" ص 49) 

هنا أيضاً بين الحبيبة وعاشقها والتي تحذره من أيدي خفية تريد أن تفتك به .. وكل ذلك في روعة الباليه وإيقاعاته ورمزياته ومدلولاته .. والتي نقلتها لنا المبدعة "ميرفت السنوسي" بعين مبدعة وفنانة .. ولتبدأ البراعم رحلة الحياة الجديدة وهي تستمد سر بقائها من قوة حبيبها وهي تنسلخ بذاتها مع خفقات قلب البالرينا تلاشى كل شيء من أمام عينيها .. لدرجة التحام كيانها بكل ما ينبض . 

أنها وضعت لحظة الختام في وقتها المناسب لحظة العودة إلى الحياة والواقعية آتية من عالم الحلم والخيال الساحر .. والتي تتجدد وتواصل بين يديها ومقعدها ذو الأربع عجلات .. ليشكل منها بناءً جديداً ، يعيد إليها الثقة بنفسها . 

ثم تأتي صورة البعث الخالدة في أبواب جديدة تفتحها القاصة ، في قصة" الخروج من إطار الحلم المستحيل" ص 70 . 

" وفجأة التقيا ! اخترقت أعماقهما نظرة مشدوهة تبادلاها .. أرتدا بعمريهما لحظات إلى سنوات سبقت هذا اللقاء . 

بدا كل منهما وكأنه يعيش حالة أكتشاف للآخر لأول مرة !" 

هنا تسمح المبدعة "ميرفت السنوسي" لكل معاني الحياة أن تتواصل معها وتتواصل معه ، في عملية أنصهار جديدة لدرجة احتضان نبرات الصوت والتحلق بها .. إلى جانب الطبيعة من حولهما وعناصرها بعضها ببعض مثل " شاطيء – خيوط – سراديب – أمواج – قاع – الزهرات – صوت العندليب .. ألخ . 

وصور البحث في علاقة الانقطاع والعودة بينهما هي التجدد ذاته فلا تكتمل بعيداً عن القاصة ، وإنما تتوالد في نفسها التي تتوحد مع الحبيب في حركة متجددة مع الطبيعة تحمل معاني النصر الذي هو ثمرة التجلد والمثابرة .. والنصر يساوي البقاء والحياة .. وهي لا تتحدث عنه إلا عندما تصبح أرض الواقع صالحة لمثل هذا الوجود . 

إن المبدعة "ميرفت السنوسي" في هذه المجموعة القصصية "همس الحرير" تؤكد على معنى إنساني هو أن الإنسان لا يعيش بمفرده ولكن يعيش مع آخرين فعليه أن يتعاون معهم وهذا بالذات في قصص "عبث الأيام ـ عندما تنتحب الذكريات – لا مفر – الفرار – نهاية بداية" 

إنها تتعاطف مع الإحساس الجماعي وترفض الفردية .. لأن مع الجموع يجد الإنسان الأمان . 

إن إحساسها الجماعي هذا يتبلور في هذه الكلمات : "ما أبغض أن نقول أنا ، وما أصوب أن نقول نحن " 

وهذه النظرة الجماعية الإنسانية تؤكد عليها الكاتبة "ميرفت السنوسي" في أعمالها القصصية "همس الحرير" فما أن تجري ببصرك على مطلعها لتلزم مكانك لا تحرك ساكناً حتى تأتي على قصتها في نهم بالغ فهي بحق – مجموعة همس الحرير القصصية وجبة شهية أعدت بمهارة لآكليها . 

تغوص في بحورها فتعود ظمآنا . فنعم الشراب عصير كلماتها . 

نحن أمام مشروع قاصة صاعدة .. وتملك الأدوات الهامة للقصة القصيرة .. فهي تعانق الفن القصصي بالصورة الشعرية الرائعة الأسلوب وقد تمخض عن عملها قصص وجدانية لا ريبة تملك نواحي ( الكلمة وتجيد توظيف المعاني .. وللحق فإنك وأنت تقلب الصفحات بين قصة وأخري .. فكأنما ترتاد بستاناً غنياً بالثمرات .. منها الحلو ومنها المر بواقعية الحياة وانكساراتها فلابد من أن تدنو قطوفها منك فلا تدري أيها تقطف وتتناثر في أرجائه الزهور فتبعث في الأجواء بأريجها وشذى عطرها .. فهل لك أن تحلق معنا في عالم النغم الجميل والشجي.

والمبدعة "ميرفت السنوسي" فنانة كثيرة العطاء ثرية الفكر مخلصة لفنها وهي علامة ستبرز في الأيام القادمة على طريق القصة المرسومة بدقة والمسيطرة على أحداثها بما قدمته وستقدمه من أعمال تدل على أنها موهبة فنية ثرية ونبع متدفق العطاء ننتظر منها الكثير.


  0
  0
 0
مواضيع مشابهة

23 مارس  .  0 دقيقة قراءة

  2
  8
 0

15 أكتوبر  .  0 دقيقة قراءة

  0
  0
 0

02 أبريل  .   دقيقة قراءة

  0
  6
 0

06 مارس  .  1 دقيقة قراءة

  0
  4
 0

23 أكتوبر  .  3 دقائق قراءة

  1
  3
 0

29 يناير  .  0 دقيقة قراءة

  0
  6
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال