09 يناير . 6 دقائق قراءة . 996
في مقابل تلزيم تصنيع لقاح مختبرات آسترازينيكا لـSerum Institute، المُصَنِّع الأكبر للقاحات في العالم والذي يتخذ من الهند مقرّاً له، حاله حال أغلب الصناعات عموماً والصناعات الدوائية خصوصاً، تعهَّد الأخير بتولي متابعة التجارب السريرية للقاح آسترازينيكا في الهند، ما يوفر نطاقاً أوسع لهذه التجارب ويرفع -من حيث المبدأ- من مصداقية نتائجها، كونها لم تُحصَر بعرقٍ واحد، فضلاً عن التكلفة المادية لتجارب كهذه في بلد كالهند والتي تكاد تكون معدومة مقارنةً بتكاليف إجرائها في دول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، ناهيك عن شبه غيابٍ لنظام قوانين مُحكَم يؤطّر سير هذه التجارب ويحفظ حقوق المشاركين، وأغلبهم من المُعدَمين.
تقدّم أحد المتطوعين في التجارب السريرية للقاح آسترازينيكا في مدينة شناي جنوب الهند بدعوى بحق الشركة البريطانية وذراعها المنتجة للّقاح على الأراضي الهندية لمعاناته من أثرٍ جانبيٍ للقاح التجريبي الذي تلقاه بداية شهر تشرين الأول/أوكتوبر، تأتّى بأعراضٍ عصبيّةٍ ونفسيّة أدت لدخوله وحدة العناية المركزة. وتوعّد أن يقوم بمقاضاتها بغرامةٍ مالية تعادل 676 ألف دولارٍ أمريكي.
إقرأ أيضا :بحثاً عن لقاح كورونا الأمثل
أصدر Serum
Institute إثر ذلك بياناً أنكر فيه هذه الادعاءات
جملةً وتفصيلاً واصفاً إياها بالخبيثة والمضللة، إذ ارتأى أنْ ما من علاقةٍ سببيّة
بين ما سُجّل من أعراض لدى هذا المتطوع وبين اللقاح، وهو ما تم إبلاغه للمتطوع، دون
إيضاح الخطوط العريضة لما استندت إليه من أدلة مكنتها من التوصل لهذه الخلاصة ودحض
هذا الادعاء. كما توعّدت الشركة باتخاذ إجراءات قانونية حيال هذه الادعاءات، عبر مواجهة
الدعوى المرفوعة من قبل المتطوع بدعوى مضادة.
لسلامة الدواءٍ أو اللقاحٍ أسسٌ وأصول وإجراءات توجه وتؤطر أساليب التعامل مع الأحداث غير المرغوبة التي تسجَّل عقب تناول أي دواءٍ أو لقاح قيد التجريب أو حتى بعد وضعه قيد الاستعمال:
بدايةً، يتم تتبع أي حدثٍ مسجَّل غير ذاك الذي أعطي لأجله الدواء أو اللقاح، ويطلق عليه مصطلح "حدث غير مرغوب". لا يعد هذا الحدث خطيراً إلا إذا حقق أحد معايير خمسة يقيمها الطبيب المتابع للحالة، وهي: أن يؤدي إلى الوفاة، أن يشكل خطراً على الحياة، أن يؤدي إلى النقل إلى المستشفى أو إطالة أمد المكوث فيه، أن يؤدي لعجزٍ أو تشوه، أو سوى ذلك مما يمكن تصنيفه ذا مغزىً سريري.
يقوم الطبيب المتابِع للحالة حينها بتحديد شدة الحدث (شديد، متوسط أو طفيف) ويقدم تقييمه لاحتمالية أن يكون الدواء/اللقاح السبب وراء هذا الحدث، وذلك انطلاقاً من درايته بآلية تأثيره على المستوى الخلوي أو الجزيئي وكذلك بالنظر للحالة المرضية ووجود أمراض مرافقة وتناول المريض لأدوية أخرى بالتزامن يحتمل أن تسبب بفعل تداخلٍ دوائيٍ هذا الحدث.
هناك التزامٌ مهنيّ بالتبليغ عن الحدث للهيئات الصحية المعنية إن كان غير مسبوق أو متوقع، وغير مرتبط بآلية عمل الدواء/اللقاح، فتقدّم الهيئات الصحية بدورها تقييماً للحالة. بالمقابل، يحفظ القانون للشركة الراعية للدواء/اللقاح أو الفريق الذي قام بتطويره الحق بإبداء تقييمهم للحالة.
أما التقييم النهائي فتجريه جهة مستقلة مختصة بسلامة الدواء وفق خوارزميات ومعايير تأخذ بالحسبان إن كان الحدث متوقعاً ومتسقاً مع آلية تأثير الدواء/اللقاح، أو أنه جديد وغير متوقع، فضلاً عن تقييم كل الأطراف المعنية لتأكيد أو نفي العلاقة السببية واستنتاج إن كان يمكن تصنيف هذا الحدث أثراً جانبياً أم لا. وتجرى عدة تقييمات مرحلية وتقييمٌ شاملٌ أخير من قبل هيئات سلامة الدواء بعد انقضاء مدة تتبع السلامة على كل من تلقاه، وتحدد هذه المدة مسبقاً منذ تصميم الدراسة. ثم تجرى سلسلة من الدراسات التحليلية والإحصائية لعدد الحالات المسجلة لكل حدث، ونسبتها، ويتخذ بناءً على ذلك قرارٌ بتعليق التجارب السريرية أو لا -إن كان الدواء/اللقاح قيد التجريب-، أو سحبه من الأسواق إن سجّل ذلك بعد حصوله على الترخيص.
يضاف الى ذلك أنه في حالة الدواء/اللقاح قيد التجريب، هناك التزام مهنيٌّ وأخلاقي بإطلاع جميع المشاركين في التجارب على حيثيات الأثر الجانبي الجديد وفق ما تقتضيه أسس ممارسة التجارب السريرية وحماية حقوق المشاركين، وذلك عبر تقديم نسخة محدَّثة من وثيقة الموافقة على المشاركة في التجارب يدرج فيها هذا الأثر الجانبي الجديد، وللمشارك كل الحق بسحب موافقته على المشاركة في أي وقت دون أي لزام بتقديم تبرير لذلك.
بات معروفاً أنه تم تقليص مراحل تطوير لقاح كورونا من مقياس سنوات إلى أشهر بفعل الحاجة المُلحّة لإيجاد حلٍّ على وجه السرعة لما يشهده العالم من تداعياتٍ لانتشار الوباء، ما فسح المجال لصعود مخاوف مبررة أن تكون سلامة اللقاحات قد وُضعت على المِحَك في خضمّ هذه العجلة في سباق التوصل للقاح لڤايروس كورونا.
إقرأ أيضا :أين أضحت فرنسا في سباق تطوير لقاحات كورونا؟
أما الهند، ثاني أكبر بؤر انتشار الوباء بعد الولايات المتحدة، فقد سعت جاهدةً -ولها كل الحق في ذلك- لتأمين مصادر للقاح بعد فشل كل جهودها لاحتواء الوباء. وعقدَتْ اتفاقيات للحصول على 100 مليون جرعة من اللقاح البريطاني الذي فرغ من تصنيعه محلياًSerum Institute ، حتى قبل انتهاء التجارب السريرية عليه أو تسجيل طلب الحصول على إذن استخدام طارئ.
لعل هذا الحادث، وما قد ينضوي تحته من ملابسات، ليس أكبر مصائب الهند وأسوأ ما مُنِيَت به، كما قد يكون المشارك صاحب الدعوى منافقاً أو مستغلاً لظرفٍ صحيٍ معين لتحصيل مبلغٍ من المال صودر حقه بتصوّره حتى في أحلامه. لكن لو قارنا قيام الشركة عينها بتعليق التجارب الدوائية مرحلياً نتيجة حدثٍ جانبي خطير ظهر عند أحد المشاركين "غير الملونين" جرى توصيفه على أنه "مشكلة في النخاع الشوكي" دون توفر فهمٍ عميق أو توصيف أوضح لحقيقة هذا الحدث، مع أسلوب تعاطي الجهة المطوِّرة للقاح مع هذه الحادثة، يمكن لنا أن نلمس جلياً التباين بالأسلوب الذي ما كان ليكون بهذه السلبية والحدة وعدم الاكتراث بل وقلة المهنية لو كان المدعي إنساناً أبيض، أوروبياً أو أمريكياً على وجه التحديد، من نكد الدهر أنه يتمتع بحقوقٍ تفوق تلك التي يتمتع بها ما دونَه من أعراق.
إقرأ أيضا :عامٌ في عُمرِ الوباء... هل في المنظور ما قد يُعدّل كفّةَ الإخفاقات؟
09 أبريل . 5 دقائق قراءة