بداية عام في الزمن

شادي رزق

03 يناير  .   5 دقائق قراءة  .    723

لوحة (إصرار الذاكرة) للفنان الإسباني سيلفادور دالي -1931

 

لماذا يوجد مفهوم للأعوام؟ ما الهدف من هذا التراكم للسنوات وتحديدها بأشهرٍ؟ ماذا لو لم نرد أو لا نقبل الانتقال هذا؟

أو لماذا نحتفل وبماذا نحتفي بهذا اليوم الأخير؟ من نستقبل وعلى ماذا نزمع ومن نودّع؟ ما نَفعُ التأريخ الذاتي؟ وتحديد تاريخ للذكريات؟

للمهتمين؛ الأيام هي فرصة كبيرة لصنع شخصيتنا التي نتمنى، ولنصنع هذه الشخصية نحن بحاجة لأيام كثيرة.

الضجيج الذي يحدث في هذه الفترة يشوّش الذهن عن الهدف، وشيئاً فشيئاً تنزاح محاور التركيز عن الأسس الموضوعة لها وتصبح إما ثانوية أو للتحلّي بها بأحاديثنا.

هذا يضع العقل أمام محنة جدّية، ويصبح مغيّباً عن الأمور الأساسية، مما يسهم بضموره إلّا في المناسبات، وخاصة التي تستدعي نُصح الآخرين ومن ثم يعود إلى فقاعته حين الحاجة إليه ذاتياً.

كيف نُقارب الأيام الجديدة في العام الجديد؟ كيف نحاول جعله جيّداً؟

  1. في البداية علينا تبني جهة لموقفنا (إيجابي – سلبي).
  2. أن نرى ماذا لدينا ونحدد ما حققناه.
  3. ننظر لأنفسنا ونعترف أولاً أننا نخطئ (أنفسنا – الآخرين)، وهو أمر شديد الصعوبة.
  4. هذا يفسح مجالاً لعقلنا برؤية أين ومتى ومن أخطأنا بحقه.
  5. صياغة خطة بسيطة لتعديل سلوكنا الذي لا نودّه وتعزيز السلوك الذي نريد.
  6. وضع مجموعة من الأهداف الصغيرة والقصيرة المدى.
  7. التركيز على النفس، والتخفيف من الاهتمام بشؤون الآخرين.
  8. اختيار الأصدقاء وتصنيف حدود العلاقة (زميل – رفيق – صديق).
  9. تحديد كم ونوع المعارك التي تستحق الخوض والأمور التي نقاتل من أجلها.
  • أما النقطة الأهم في علاقتنا مع الزمن فترتبط بصورة مباشرة مع علاقتنا بذاتنا ونموّها وبنيانها، وفي العالم المعاصر وبسبب ما أفرزه علينا من تهميش الإنساني الواهي، وانغماس الإنسان بالتحصيل الاقتصادي والمادي وطول ساعات العمل الذي بشكل أو بآخر نحن عبيد له من حيث الدخل الشهري والقدرة على مواكبة التضخم المالي والادخار للإحساس بمأمن من الأيام القادمة، أضف إلى التفكير الدائم بالإنجاز وتحقيق الأهداف وطلب الشعور بالتقدير، والتصنيف الاجتماعي والإداري الجديد الذي أفرزه النظام الرأسمالي ومنه المكانة الاجتماعية وهرم العلاقات المهني الذي يتجلى بشكل واضح في العلاقات المجتمعية.
  • ماذا أثر ويؤثر ذلك؟ أصبحت كافة الأمور تدور في خارج مناخ الشخص، فالعيون شاخصة دوماً سلباً أو إيجاباً نحو الآخر فيما لديه ويحقق ويتقاضى ويتصرف، تولّدت انحرافات على المعايير والمبادئ كقيم ذات جوهر في ذاتها، لتصبح متجسدة بأشخاص أو جماعات. هذا جعل الشخص في حالة غربة عن نفسه والعلاقة مع الذات بحدودها الدنيا، أضف إلى الابتعاد عن الارتباط بالمبادئ من حيث هي مقياس أساسي للنمو والتقدم والرفاه النفس-اجتماعي. فالأمور أصبحت تقاس بالمردود النفعي والحسي ومبنية على مفهوم القوّة المرتكز على عنصرين أساسيين (المال – السلطة) وهنا المقصود بالمال هو ما أملك مقارنة بالآخر وليس فقط بحجم رأس المال الذي أملك، والسلطة ليس ببعدها السياسي بل من حيث التسلّط ضمن هرم الأدوار والوظائف الاجتماعية التي يقوم بها الفرد، ليشعر بالرضى.
  • إنسان اليوم أكثر ما يهرب منه هو مرآته، أن يتواجد وحيداً مع نفسه، وإذا ما غُصب على ذلك مَرَّ الزمن طويلاً جداً، فيضيق المكان به ويضغط على تنفسه، ولا يجد ما يفكر به أو يفعله مع نفسه. فنرى على مساحة الواقع أكثر الأشخاص نُسَخٌ عن بعضهم، متشابهون إلى حدِّ التوأمة، لماذا؟ لأننا مجرد أشباه آلات تمارس ردود أفعال تجاه المواقف بما يتناسب مع حجم الفعل أو أكبر منه. والصورة الأكثر انتشاراً هي (الملامة) إلقاء اللوم على الآخرين وتبرئة أنفسنا وتبريرها وتلميع زجاجها الخارجي.
  • هذه الملامة تصل إلى حد شرعنة الحكم الدائم والمتواصل على الآخرين وإعطاء الحق المطلق بالتقييم والتحذير والتشهير والتصريح والتلميح، والإشارة بأصابع الاتهام نحو هذا وذاك.
  • من أنتَ أيها الإنسان؟ أتعلم كم الزمن قصير؟ أدر الدفة نحو الداخل، فالإصلاح الأمثل هو إصلاح الذات، اهتم بشؤونك، انظر نقاط ضعفك واعمل عليها، عاين كم أنت مخطئ، وشريك بأخطاء غيرك، ومصدر عثرة لسواك. في حين إن دققت النظر تجد كم أنك تمارس العديد مما تلوم عليه، لكننا بسبب الخوف نهرب من ملامسة إصبع لطرف رمشنا.
  • نحن نملك الجرأة على غيرنا، وجبناء على أنفسنا. صريحون مع الخارج، وكذّابين مع الداخل. هذا يجعل من الزمن والأيام والأعوام أهون علينا وأخف ثقلاً. أعدُ الأيام والوقت بأنني سأغمض عيوني عن الدمامة، وأفتحها عليّ، ممسكاً بقماشة لأنظفها، وأجعلها أفضل وأهتم بي، حفاظاً على السلامة العامة.

 

  4
  5
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال