28 يناير .
3 دقائق قراءة .
18
السياسة المسمومة: كيف نقاوم فساد السلطة؟
بقلم: هند العميد
23/7/2024
يمثل الفساد السياسي أحد أبرز التحديات التي تواجه الدول في العصر الحديث، وخاصة في الدول التي تشهد اضطرابات سياسية واقتصادية مستمرة، والعراق ليس استثناءً. "السياسة المسمومة" هو وصف دقيق لحالة العراق، حيث تتشابك المصالح الشخصية مع القرارات الحكومية، مما يؤدي إلى تدمير البنية التحتية، وتعطيل النمو الاقتصادي، وتفاقم معاناة المواطن العادي. إذن، كيف يمكننا مقاومة هذا الفساد المستشري وتحقيق الإصلاح الحقيقي؟
الفساد في العراق له جذور تاريخية ومعقدة. منذ عقود، تسببت الحروب والصراعات الداخلية في تفكيك المؤسسات الحكومية وتدمير البنية التحتية. ومع غياب الشفافية والمساءلة، نمت ثقافة الفساد بشكل متزايد، حيث أصبحت المناصب الحكومية تُشترى وتُباع، وأصبحت الصفقات التجارية تمر عبر شبكة معقدة من الرشاوى والمحسوبيات. تفشي الفساد بهذا الشكل أدى إلى ضعف الثقة بين المواطن والحكومة، وإلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
الفساد له تأثير مدمر على الاقتصاد والمجتمع. فهو يؤدي إلى هدر الموارد العامة، ويعطل مشاريع التنمية، ويزيد من معدلات الفقر والبطالة. بالإضافة إلى ذلك، يضعف الفساد ثقة المواطنين في الحكومة والمؤسسات الرسمية، مما يعرقل جهود الإصلاح ويزيد من حالة الاستياء العام. في سياقٍ أكثر تفصيلاً، يمكن القول إن الفساد يُعطل الابتكار والاستثمار، حيث يشعر المستثمرون بعدم الأمان ويُفضلون تجنب الأسواق المليئة بالمخاطر والفساد.
لتوضيح الأثر العملي للفساد، يمكننا النظر في قضية كهرباء البصرة. في عام 2018، حيث شهدت مدينة البصرة احتجاجات واسعة بسبب الانقطاعات المستمرة في التيار الكهربائي، على الرغم من إنفاق مليارات الدولارات على هذا القطاع. تحقيقات لاحقة كشفت عن وجود تلاعب ورشاوى في عقود مشاريع الكهرباء، مما أدى إلى تنفيذ مشاريع بجودة متدنية وبتكاليف باهظة. هذا الفساد أدى إلى معاناة كبيرة للمواطنين وزاد من غضبهم تجاه الحكومة.
وايضا قضية أخرى تتعلق بوزارة الدفاع في عام 2016، حيث تم الكشف عن اختلاس كبير في وزارة الدفاع العراقية، حيث تبين أن مسؤولين كبار تلاعبوا بعقود الأسلحة واللوازم العسكرية، مما أدى إلى هدر ملايين الدولارات. هذه الأموال كانت مخصصة لتطوير الجيش العراقي ومكافحة الإرهاب، ولكنها انتهت في جيوب الفاسدين، مما أثر سلباً على قدرة القوات المسلحة على حماية البلاد.
لا يمكن تحقيق الإصلاح الحقيقي دون مشاركة فعالة من المواطنين. يجب على كل فرد أن يكون جزءًا من الحل من خلال الإبلاغ عن حالات الفساد والمخالفات من خلال قنوات آمنة ومحمية. يمكن إنشاء خطوط ساخنة ومواقع إلكترونية تتيح للمواطنين الإبلاغ دون خوف من الانتقام. يجب على المواطنين أيضًا المشاركة بفعالية في الانتخابات واختيار المرشحين الذين يتعهدون بمكافحة الفساد. يتطلب ذلك زيادة الوعي السياسي بين المواطنين وتوفير معلومات كافية حول المرشحين وبرامجهم الانتخابية. كذلك، يجب تعزيز المشاركة المجتمعية في مراقبة الأنشطة الحكومية والمساهمة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم اليومية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تشكيل لجان محلية تراقب الأداء الحكومي وتقدم تقارير دورية حول الوضع الراهن.
إن مكافحة الفساد في العراق تتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والمواطنين. يجب أن نعمل معًا لبناء نظام سياسي واقتصادي قائم على الشفافية والنزاهة والمساءلة. فقط من خلال هذه الجهود المشتركة يمكننا القضاء على "السياسة المسمومة" وتحقيق مستقبل أفضل لجميع العراقيين. المستقبل الواعد يتطلب تحمل المسؤولية من الجميع والتعاون من أجل تحقيق التغيير الإيجابي والمستدام.
#العراق #مكافحة_الفساد #الإصلاح_السياسي #النزاهة #التغيير_الإيجابي #التنمية_المستدامة #الشفافية #السياسة_العراقية #الحكومة #الاقتصاد #حقوق_المواطن
#هند_العميد