تجارب شخصيّة

وجوه مجمدة وأجساد هلامية: بين الواقع والفن في صناعة السينما

وجوه مجمدة وأجساد هلامية: بين الواقع والفن في صناعة السينما

يقول المخرج السويدي إنغمار  بيرغمان: «أعظم موضوع في السينما هو الوجه البشري لأن كل شيء موجود فيه». تلخص هذه المقولة بشكل عميق أهمية الوجه في عالم التمثيل، حيث يعد وسيلة التعبير الرئيسية عن المشاعر والانفعالات. ومع ذلك، تثير ظاهرة عمليات التجميل العديد من التساؤلات حول تأثيرها على قدرة الممثلين والممثلات على أداء أدوارهم بشكل فعّال. الوجه هو الأداة الأكثر تعبيرًا في السينما. فتعابيره تجسد الفرح، الحزن، الغضب، والحب، مما يجعلها عنصرًا محوريًا في أداء أي شخصية. وعندما نشاهد ممثلًا قادرًا على توصيل مشاعر عميقة من خلال ملامحه، فإننا نشعر بالارتباط به وبقصته. ولكن، ماذا يحدث عندما تتلاشى تلك التعبيرات الطبيعية تحت تأثير عمليات التجميل؟ على مدار السنوات، أصبح من الشائع بين العديد من الممثلين والممثلات اللجوء إلى عمليات تجميل مثل البوتوكس والفيلر. ولكن، للأسف، هذا الاتجاه يؤدي إلى فقدان الملامح الطبيعية، مما يجعل من الصعب على الممثلين نقل المشاعر بصدق. في تجربتي الشخصية في اختيار الممثلين لعمل ما، استغرق البحث ثلاثة أسابيع، ليس بسبب نقص الممثلين الجيدين، ولكن بسبب افتقار الكثير منهن إلى تعبيرات وجه طبيعية. كانت النتيجة أشبه بالبحث عن دمى بلا روح، حيث لم يكن هناك مجال للتعبير عن الابتسامة الطبيعية أو الغضب الحقيقي.إن الوجوه المتجمدة بفعل الفيلر والبوتوكس قد تعرضنا أمام مجموعة من التوائم الاصطناعية، تفتقر إلى العمق الإنساني. كصناع أفلام، فإن أول ما نبحث عنه هو الملامح الطبيعية والقدرة على التعبير. لو كان الفن بحاجة إلى أصنام لأداء الأدوار، لكان بإمكاننا الاستعانة بالروبوتات لإلقاء الحوار وإنهاء الموضوع.في هذا السياق، يطرح السؤال المهم: هل هذه التوجهات هي رغبة المنتجين أم رغبة الجمهور؟ المنتجون، وهم من يقفون خلف الكاميرا، غالبًا ما يسعون إلى تحقيق أرباح سريعة وجذب أكبر عدد من المشاهدين. لذلك، قد يجدون أنفسهم مضطرين لتلبية معايير الجمهور، حتى لو كانت تلك المعايير تُعتبر سطحية أو غير فنية. إذا كان الجمهور يتطلع إلى رؤية الممثلات ذوات الملامح المثالية، فإن المنتجين لن يترددوا في تقديم ما يرغب فيه السوق، حتى وإن كان على حساب الجودة الفنية.لكن هنا، يتحمل الجمهور أيضًا مسؤولية كبيرة. فاختيارهم للأعمال التي يشاهدونها يدفع المنتجين نحو إنتاج المزيد من تلك الأعمال. عندما يتجاهل المشاهدون الأفلام التي تتمحور حول القصص العميقة والشخصيات المعقدة، ويقبلون بدلاً من ذلك على الأعمال التي تركز على المظهر والشكل، فإنهم يرسلون رسالة واضحة للمنتجين: "استمروا في إنتاج هذا النوع".إذاً، نحن أمام حلقة مفرغة؛ المنتجون يتبعون رغبات الجمهور، والجمهور يتأثر بما يقدمه المنتجون. هذا التفاعل يجعل من الصعب كسر الحلقة وإعادة تقييم ما هو مهم في السينما. إذا أراد الجمهور تغيير نوعية الأعمال المقدمة، يجب أن يبدأ بتغيير معاييره ونظرته للفن، والبحث عن الجودة والمحتوى بدلاً من المظهر.

إن ما يثير القلق أكثر هو كيف يتم تسليع المرأة في صناعة السينما. اليوم، يبدو أن القيمة الفنية للممثلة تُقاس بمظهرها الخارجي أكثر من موهبتها. المنتجون والجمهور على حد سواء يساهمون في تعزيز هذه الثقافة، حيث يُركّز على جمال الوجه وجاذبيته، بدلاً من الأداء التمثيلي.

...

.

  0
  0
 0
  • أرسل تقرير
  • إخفاء هذا المقال
  • إخفاء مقالات هذا الكاتب
شعراء وأدباء صعاليك العصر الحديث

شعراء وأدباء صعاليك العصر الحديث

.

  0
  0
 0
  • أرسل تقرير
  • إخفاء هذا المقال
  • إخفاء مقالات هذا الكاتب
التجدد Regeneration

التجدد Regeneration

.

  1
  0
 0
  • أرسل تقرير
  • إخفاء هذا المقال
  • إخفاء مقالات هذا الكاتب
مواضيع قد تهمك
ثقافةٌ صحيَّة
فلسفة
شعرٌ ونثر
قضايا الطفولة
قصصٌ وروايات
تطوير الذات
كتبٌ وكتّاب
Crypto بالعربي
معارضٌ ولوحات
مجتمع وقضايا
نقدٌ وتاريخٌ فنّي