01 يناير . 8 دقائق قراءة . 1018
في العقود الأخيرة ظهرت العديد من المدارس النفسية والاجتماعية التي تدعو إلى الاكتفاء بالتجارب الشخصية والخبرات الفردية التي يتعرض لها الإنسان فقط. متَّخذةً قاعدة الاختلاف والتّميز بين البشر أساساً لها، على أن كل إنسانٍ هو كبصمة اليد، وكذلك هي تجاربه وخبراته في الحياة. فتجارب الآخرين لا تفيد بشيء، إلا بالنذر اليسير وبشكلها العام. إن التّمثل بمثل هذه النظريات واعتناقها يؤدي وبشكل تدريجي مع مرور الزمن إلى ظهور حالات متفاقمة من الأنانية والفردية المفرطة، وعدم فهمنا للآخر وعدم القدرة على التواصل الفعَّال بين الأفراد ضمن الإطار المجتمعي الهادف لتعميق دور التبادل المعرفي والثقافي والروحي، والاستفادة من الخبرات المعاشة للإقتداء بالجيد والاستغناء عن السيئ. هذا كلّه إذا غضضنا الطرف عن مدى صحة وخطأ مثل هذه النظريات والأبحاث، أولاً من الناحية العلمية من حيث منافاتها لقواعد المنهج والتفكير العلمي. ثانياً من الناحية الاجتماعية لما تخلقه من حالات من التفكك الاجتماعي العام، المقصود به أُسرياً بعلاقة الأهل مع الأبناء، وتربوياً من حيث دور ومكانة الأستاذ كمربي في المدرسة وعلاقته بطلابه، ومن الناحية الصحية جسدية كانت أم نفسية وبما تخلّفه من أمراضٍ. وثالثاً من الناحية الشخصية حيث يصبح الفرد انطوائياً ومنعزلاً، ويكون سريع الإنفعال والغضب دون مبررٍ، ويقضي ساعاتٍ طِوال في عالم الخيال والأوهام بعيداً عن أرض الواقع وهروباً منه، مما يقود تدريجياً لخلق المناخ الملائم لحالات مزمنة من الكآبة. ورابعاً وهو الأهم من الناحية الروحية والتي نقصد بها تحديداً المجال الديني من حيث البناء الحجري والبناء الإنساني اللذين باتحادهما معاً يشكّلان وجهاً من الوحدة يصعب التعبير عنه.
نحن نحيا اليوم في زمن قيّمه علماء النفس على أنه "عصر الكآبة" وأنه "عصر الأنانية"، فمن خلال مشاهدتنا البسيطة والملاحظة العيانية المباشرة نلاحظ ارتفاع نسبة مرضى الإكتئاب بكافة درجاته عند العديد من الأفراد، وخاصة من جيل الشباب الذي من المفترض أنهم حملة اللواء والشعلة المحرِّكة وأصحاب التجديد والإبداع. لكنَّ نتائج الأبحاث تقول بعكس ذلك، فهم منهمكون في الكماليات وعملية الاستهلاك الجائر لمفرزات التكنولوجيا الحديثة، وفي أحاديثٍ ونقاشاتٍ دنيويةٍ لا تُسهم بتقدّمهم الروحي أو الفكري أو حتى الإنساني. وفي ظلّ غياب الرقيب نراهم في نهاية المطاف واقعين في شباك ما يسمى بأمراض العصر، ونراهم حتى إن طلبوا المساعدة يلتجئون إلى المكان الخطأ وإلى أناسٍ يكرِّسون عبوديتهم لهم، واضعاً إياهم في حقول الضياع بحجة تحقيق الذات. مستندين على فكرة التجربة الشخصية مبدأً لهم. فهم ليسوا على استعدادٍ لسماع أي كلمةٍ لا تتناسب مع مواقفهم ونمط عيشهم وهم بداخلهم متشوقون لها. وأمورٌ كهذه ومشاعر مثلها كثيراً ما تقودنا مع مرور الوقت للتراجع ولاكتساب أمراضٍ أخرى غيرها كالانطوائية والغضب وحب الذات والانتحار، أضف إلى العديد من التسميات الأخرى، وكل ما يجعلنا على الطرف النقيض وكأن الصورة معكوسة تماماً لما يجب أن تكون عليه بشكلها الصحي الاجتماعي.
قد شهد الشارع السوري في الفترة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في عدد حالات الانتحار التي تعددت فيها الأسباب والتي على رأسها الكآبة، كما تدرَّجت أعمار المنتحرين بدءاً من 17 عاماً وصولاً إلى الخمسين، ومن كِلا الجنسين.
وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة فإنه "في أية لحظة ننظر إلى سكان العالم نجد أن هنالك 450 مليون شخص يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية"، كما و"إن أكثر من 90% من حالات الانتحار يرتبط سبب الإنتحار فيها باضطرابات نفسية وتحديداً الكآبة، أي فقدان الأمل الذي كان موجوداً لديهم". كما أن عنصر الكآبة هو الأوفر حظاً في السيطرة على مشاعر من لديه قابلية للانتحار، وكذلك مشاعر اليأس لها دور كبير في التمهيد للإنتحار، كما إن تكرار محاولات الانتحار أو التفكير في الانتحار هي أسباب قوية لتنفيذه فيما بعد، وإنَّ الإدمان على الكحول والمخدرات قد يكونان أحد الأسباب المؤدية للإنتحار.
للمعتقد الديني حول فكرة الانتحار دورٌ أساسيٌ في تقبّل الفكرة، فعند اعتقاد الإنسان بأن الانتحار محرّم قد يستصعب هذه العملية، وقد يعتبر البعض أن الانتحار هو قرار نبيل للدفاع عن أخطاء أو خسارات كبيرة لا يتحملها العقل، فضلاً عن أسباب نفسية أخرى مثل فقدان شيء غالٍ أو خسارةٍ كبيرةٍ، وهذا يؤدي لنوع من ردّ فعل قد ينتهي بالانتحار، وكذلك العزلة أو العدوانية قد تؤدي إلى التفكير فيه بحسب الدراسات.
إن الأخصائيين في علم النفس يجدون "أن الاكتئاب بين المراهقين والشباب بشكل خاص هو مشكلة عالمية تعاني منها جميع مجتمعات العالم السكانية في العصر الحديث لأن متطلبات التكيف في المجتمعات العصرية هي التي تؤدي بالإنسان إلى الإنتحار أو محاولة الانتحار".
يشار إلى أن هنالك أعراضاً وسلوكياتٍ يقوم بها الأفراد المكتئبون، ومن بين هذه الأعراض التي تظهر على هؤلاء الأشخاص خاصة الشباب منهم: كثرة ذكر الموت والحديث عنه، ومحاولة الانتحار أحيانا مرة أو أكثر من مرة، وتغيير ملحوظ في عادات الأكل والشرب أو العلاقات الزوجية الجنسية، ومن بين تلك المظاهر تعكّر المزاج والشعور الدائم بالحزن والانعزال والانطواء والابتعاد عن أفراد العائلة والأصدقاء ومنها الشعور الدائم بالملل، وأحيانا الهروب من المنزل وإهمال العناية بالمظهر وارتداء الثياب، وكثرة الشكوى من الألم مثل الصداع والتعب والإنهاك وإحساسه بمشاعر قوية من العار والخجل أو الشعور بالذنب.
عوامل داخلية المنشأ، وعوامل خارجية المنشأ.
العوامل الداخلية المنشأ:
1- العوامل الوراثية.
2- العوامل الفيزيولوجية.
3- العوامل النفسية.
4- العوامل الروحية.
العوامل الخارجية المنشأ:
1- العلاقات الأسرية.
2- ضغوط الحياة.
3- الفقر.
4- سوء المعاملة الجسدية والجنسية.
5- العزلة الاجتماعية.
6- الحاجة إلى الحبّ.
7- الاستسلام للفراغ العقلي.
8- الروتين اليومي.
9- إدمان الكحول والمخدرات.
10- انخفاض الإنجاز والفشل.
سنوجز هنا الحلول المقترحة لدرء خطر هذه المشكلات النفسية عموماً والاكتئاب خصوصاً.
من الناحية العلمية هنالك مجموعةٌ من التوصيات الممكن الاستفادة منها، وهي كالآتي:
1- سّنّ القوانين الرادعة ضدّ من تسّوّل له نفسه العبث بالأمن والأمان في المجتمع.
٢ - تفعيل دور الإعلام المرئي والمسموع في تناول قضايا الشباب التي ذكرناها.
٣ - تعزيز المؤسسات المدنية التي تتعامل مع هذه الشريحة، والعمل على ترقية العاملين لديها، من خلال التدريب على التعامل مع هذه الفئة من الأشخاص.
٤ - زيادة الوعي الاجتماعي من خلال الندوات في التلفزيون والمدارس والاجتماعات عن الحاجة للتمسك بالقيم الدينية والأخلاقية.
٥ - تحضير ورشات عملٍ، ولقاءاتٍ عامةٍ تضم الشباب مع شرائح المجتمع المختلفة لمناقشة مثل هذه المشاكل
في هذا العالم المتسارع، الذي وكأنه لا يعرف إلى أين هو ذاهب. في كل يوم نفاجأ بأخبار غريبة وجديدة عن مفاهيم متغيرة وأعراف متجددة وقيم مندثرة، وقوانين وأحكام وأفكار مختلفة. وأيضاَ في خضمِّ كل هذا الصخب والضجيج، أصبحت كثيرة هي العوامل التي تحدد توجهاتنا وأنماط عيشنا وسلوكياتنا، غير منتبهين ومتخطين كل حدود الزمان والمكان والمرحلة الاجتماعية وخصوصية كل مجتمع. كل ما علينا فعله هو أن نمنح لأنفسنا بعض الوقت لكي كما تعرفنا على محيطنا القريب والبعيد من خلال خبرات شخصية حتى كونّا نظرة شبه خاصة عن عموميات الحياة، نحن مدعوون لأن نتعرف أكثر على هذا البعد العلمي والاجتماعي أيضا بخبرة عملية.
#الإكتئاب #الوعي #مشكلات_نفسيّة #حلول #مجتمع
03 أغسطس . 8 دقائق قراءة