لوعة أبنائنا اللا موصوفة وثرثرة المجتمع المألوفة

Kenan Dumat

21 مايو  .   2 دقيقة قراءة  .    593

في كتابه "أخبار الرازي" يسرد الطبيب والكاتب أيمن الدبوسي حكايا كثيرة لما عايشه في مشفى الحالات النفسية. من ضمن الحكايا التي لفتتني إلى نقطة غاية في الأهمية هي حكاية "نزار" والتي جاءت تحت عنوان "لوعة الأليف اللاموصوف".

في الحكاية تفاصيل كثيرة ضمن السطور القليلة، أما ما ارتأيت أنه الفكرة الرئيسة هو كيف نكون في كثير من الأحيان _ بل في معظمها _ سبب شقاء ومرض من حولنا دون قصد (وأركز هنا على ما قد يفعله الآباء مع الأبناء بنية المحبة ولكن دون وعي كافٍ فتأتي نتائجه عكسية). 

لا يكفي أن نأخذ ابننا إلى طبيب مختص (بصرف النظر عن الحالة) الأهم أن نكون مقتنعين بتلك الخطوة أولاً، وأن نحاول تفهم ابننا قدر المستطاع ثانياً، وأن نثق بالطبيب المعالج ونتعاون معه أتم التعاون ونصغي لإرشاداته، أما رابعاً وأخيراً فهو أن ننحي كلام الناس وتعليقاتهم جانباً. فالمرض كل المرض هو أن نسمح لكلام تافه من مجتمع جاهل فارغ مدّعٍ أن يقف في طريق سعادة وتطور ونجاح أبنائنا (وصحتهم النفسية والجسدية بالتأكيد) والتي هي حتماً مصدر سعادتنا. 

أعلم أن الإنسان ضعيف وهش أمام بعض التعليقات الجارحة المريضة، لكن الطبيعي أن ترجح كفة الأكثر أهمية، أولادنا!.

في الحكاية أم نزار لم تفكر بداية في علاج ابنها أو عرضه على طبيب أو مشفى نفسي متخصص تجنباً لكلام الناس، وعندما قادت الصدفة نزار إلى غرفة الطبيب الراوي وبدأ يتفاعل معه وتحسنت حالته قليلاً، وافقت على مضض وتنازلت عن تلك النقطة، لكنها لم تستطع التنازل أكثر (حسب زعمها) أمام بعض التصرفات والسلوكيات التي بدأت تصدر عن ابنها والتي كانت (برأيها أيضاً) فضيحة وعاراً ومثار قيل وقال، فأوقفت علاجه ومنعته من عيادة الطبيب.

سلوكيات نزار _ من وجهة نظر طبية _ هي شيء طبيعي في البدايات، وهي مجرد محاولات منه لإعادة التأقلم مع المجتمع (مع ملاحظة أن أمه كانت تمنعه من الخروج ..!)، وأنها مرحلة مؤقتة وستتراجع تتدريجياً مع مواظبة نزار على العلاج، لكن الأم لم تمنح الفرصة لابنها، ولا حتى للطبيب كي يوضح لها، وأوقفت بذلك تقدم ابنها وعلاجه فقط كرمى لخاطر "المجتمع العاهر أبو لسان".

ذكرتني تلك الحكاية بموقف مشابه إلى حد ما، لمسته لمس اليد خلال الفترة التي تطوعت فيها بمركز للأطفال ذوي التأخر النمائي، حيث شاهدت حالة لسيدة وطفلتها المصابة بالتوحد، وكيف كانت تحت سيطرة حالة من الإنكار رغم ترددها أحياناً على المركز، ورغم التشخيص الممتاز للمشرف المؤهل تأهيلاً عالياً. هذا الإنكار من شأنه أن يؤخر كثيراً في خطوات التعافي، ولنتذكر أن كل يوم إنكار وإهمال إضافي  يمر على أي حالة مرضية (جسدية أو نفسية) يعني رسوخاً أكثر للمرض ومعاناة أكثر للمريض وأهله وللمعالج، وبلا ريب .. فترة علاج أطول!.

علينا أن نكون أكثر انفتاحاً وتفهماً وصبراً، وأن نفكر قليلاً دون إهمال العاطفة، فقط بعض التفكير وإعمال العقل، والتدرب على اختيار الأفضل والأصح حتى وإن كان لا يتفق كثيراً مع أفكار المجتمع المغلق التقليدي وترهاته، وأن ننتبه كيف يمكن أحياناً لقرارات نأخذها بحسن نية ومحبة دون مراعاة تبعاتها، أن تدمر من نحب.

  1
  4
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال