ليلة القصف – الجزء الأول

10 يوليو  .   3 دقائق قراءة  .    591

عادي, وأنت ولد في أواخر المرحلة الابتدائية ان تستيقظ في الصباح, تلبس ثيابك المعتادة وتحمل شنطة كتبك الثقيلة, وتذهب الى مدرستك في طريق أصبحت تعرف كل تفاصيله,دكاكينه وارصفته وفتحات تصريف مياه الامطار, وحتى الوان وأنواع وأرقام بعض السيارات المتوقفة فيه. 

خطواتك اليوم أسرع , فأنت تريد الوصول الى المدرسة وتريد أن تسأل رفاقك عن تفاصيل الأيام التي مرت, كيف عاشوها وما الذي حصل بالقرب من بيوتهم.

 

يمكنك ان تُطلق عليها اسم عطلة قسرية والزامية امتدت لعدة أيام حامية, ساخنة, ومتفجرة حرفيا, او كما أسماها والدي نقلا عن الراديو جولة قصف متبادل بين المنطقتين الغربية والشرقية للعاصمة, وهذه مصطلحات جديدة تحفر عميقا في أذنيّ, وتسقط وتبقى طول العمر في قعر وعيي وذاكرتي.

 

منذ أيام, غادرنا في نهاية الدوام المدرسة انا وآخرون, وفي طريق العودة  تقاسمت لوح شوكولا رخيص مع رفيق لي. أحببنا الطعم , ورددنا معا مقدمة مسلسل تلفزيوني فكاهي فرحين بانتهاء يوم دراسي آخر, متعب وممل, ولم نكن نتوقع أن إجازة طارئة تفرضُ علينا أن نبقى لأيام, أسرى من دون سلاسل في البيوت. ننتظر عودة الهدوء. طبعا هذا أمر لا يحصل في كل مكان, نحن فقط المحظوظون بالحياة في بلاد – عرفت لاحقا في مرحلة الشباب - انها صُممت, ونُقشت تفاصيلها البالية لتكون مصدر تعاسة والم لكل شعوبها.

 

اقتربنا الى مفترق طرق , و كان للرفاق أن يذهب كل واحد منهم في اتجاه. كنا نرغب أن نبقى معا,نطلق النكات الواحدة تلو الآخرى وكل واحدة كي أكون صادقا , أسخف من غيرها, ولكنه العمر ولوزامه وأدواته. أو نحكي في مواضيع مهمة يقف الكون أمامها حائرا مستفسرا مثل , متى يصدر العدد الجديد من العدد "العملاق" من مجلة "سوبرمان", ولماذا تأخر وصول مجلة "سمير" من مصر هذا الأسبوع ؟ ولا أنسى تحليلاتنا الخنفشارية ذات الأبعاد العشرة لشخصيات لوزة و نوسة و تختخ والشاويش فرقع من أبطال روايات المغامرين الخمسة.

 

المهم, سلك كل واحد منا طريقا, وتوجه الى بيته متأملا أن ينهي دروسه بسرعة, و يتفرغ لحياته الأخرى ومتع الطفولة من لعب ولهو و قراءة قصص و مشاهدة التلفزيون اذا أمكن.

كان الفرح يملأ نفوسنا الصغيرة, فلا هموم كبيرة ولا مسؤوليات ثقيلة, بل بدا لنا أن الزمن أنس بملاعبتنا وإدخال البهجة و السعادة الى قلوبنا الصغيرة, فأمنا له, و وثقنا به, ولكنه في الخفاء,  لا يبدو أنه بادلنا نفس الأمان والثقة, فقد كان في مكان ما مشغولا باعداد رزمة من المفاجآت ستبدأ قريبا , و لا تنتهي حتى مع ابيضاض شعر رؤوسنا, و بدء تفشي الأمراض بأجسادنا الهرمة.

يتبع

غلاف الجزء الأول - ليلة قصف
  3
  7
 0
مواضيع مشابهة

10 أكتوبر  .  3 دقائق قراءة

  2
  3
 1

09 ديسمبر  .  0 دقيقة قراءة

  0
  0
 0

25 ديسمبر  .  5 دقائق قراءة

  1
  2
 0

20 مارس  .  3 دقائق قراءة

  1
  7
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال