الغرفة السفليّة (الجزء الرّابع والثّلاثون)

29 سبتمبر  .   6 دقائق قراءة  .    580

Photo by Kristijan Arsov on Unsplash


خرجت باسمة من المركز باكيةً حزينة. اتّصلت على الفور بسمير. قالت له وهي تجهش بالبكاء:
- سيقطعون عنّي المساعدة في المركز.
سألها بدهشة مصطنعة:
*لماذا؟!.. ألم يخبروك بالسّبب؟!..
- قالوا لظروفٍ خاصّة.
لم يكمل الحديث معها بالهاتف، فطلب إليها ملاقاته إلى أحد المطاعم، وهناك، أظهر أمامها مدى حبّه لها واهتمامه بها، وقال:
*لا عليك حبيبتي، سأتكفّل أنا شخصيًّا بدفع هذا المبلغ.
- لا.. أرفض هذا.
*لماذا؟!.. في النّهاية أنت زوجتي الواعدة.
- لم أعطك جوابي بعد، ولا أريد أن تدفعني مساعدتك لي كي أتّخذ قرارًا لم أتوصّل حتّى اللّحظة إلى قناعةٍ لاتّخاذه.
*كما تشائين.. حسنًا!.. سأعمل ما بوسعي كي تستمرّ مساعدة المركز لك.
- هذا ما أرجوه!..
*وهل تظنّين أنّني سأتركك وحيدة؟!.. أنت تعرفين جيّدًا ماذا تمثّلين بالنسبة إليّ، فأنت كلّ حياتي وحبّي الذي لا ينتهي. 
أحسّ سمير بعد هذا اللقاء أنّ حبيبته غريبة عن روحه وكيانه، فزاده الأمر غيًّا وتكبّرًا. لم يستطع أن يتصوّرها بعيدةً بمشاعرها عنه، ورأى في ذلك انكسارًا له. صمّم أكثر من أيّ وقتٍ مضى، على استخدام كلّ الوسائل التي تجعلها متعلّقة به كتعلّق الهواء برئتي إنسانٍ لإبقائه حيًّا.
مرّ يومان، التقى خلالهما بمدير المركز الذي يوجد فيه "هادي"، ورتّب معه موضوع إعادة المساعدة إلى باسمة، ثمّ اتّصل بها، قائلاً لها:
*أريدك في أمرٍ مهم، وأفضّل أن تزوريني في شقّتي.
تردّدت بدايةً في القبول. أدركت على الفور أنّ وجودها في شقّته يعني أنّ السّرير سيجمعهما، وهي تحاول منذ مدّة ألا يتمّ هذا الأمر، بعد أن بدأت أحاسيسها تجاهه تخبو رويدًا رويدًا، لكنّها قبلت بعد أن أوضح لها أنّ الموضوع يتعلّق بابنها، من دون أن يعطيها أيّة تفاصيل.
توجّهت إلى شقّته. كان الشّراب في انتظارها. تردّدت بدايةً في تناول الكأس التي قدّمها إليها، لكنّها عادت وأخذتها بعدما أسمعها بغيظ، أنّ الحديث طويل، وأنّه لا يريدها أن تراقبه وهو يشرب وحيدًا. بدأت بالشّرب وهي متوتّرة، وبعد دقائق قصيرة، وجدت نفسها تسكب كأسها الثّانية، وسط افتعاله شرحًا مطوّلاً ومغريًا عمّا فعله من أجل ابنها، ليبلغها بعد وقت، أنّه تحدّث إلى مدير المركز ووعده بأن تستمرّ المساعدة كما كانت عليه. أصابتها سهام الفرحة في قلب توتّرها، فقفزت عن كرسيها، وشكرته بعناقٍ وقبلة، فعاجلها بإحاطة خصريها بذراعٍ، وكتفيها بأُخرى، وشدّها إلى صدره بعد أن نهض عن كرسيه، وأطبق بشفتيه على شفتيها، فتركتهما تتلويّان بينهما، وأغمضت عينيها خوفًا من تسليط بريقهما على بوّابة شهوتها، ثمّ سمحت لأنفاسها بالانعتاق من رتابتها، والعزف على أوتار التأوّه، بعد زحف شفتي رجلها نحو عنقها، وتسلّل إحدى يديه إلى نهديها. بدأت اللّحظات تسابق تأجّجها، فشدّت يديها إلى رأسه وهو يدفن وجهه فوق صدرها الثّائر، مطلقةً تمتماتٍ مصحوبةً برغبةٍ ورجاء!.. ولم تشعر كيف أصبحت ممدّدة فوق سريره، وهو يغمرها.   
كانا في انسجامٍ تامّ. ارتمت هذه الجميلة بين أحضان ذلك الرّجل الذي يريدها بقوّة. كانت تعبّر بعاطفةٍ جيّاشة عن شكرها له لمساعدتها في موضوع ولدها، وفي الوقت ذاته، كان الشّراب الذي تناولته يوقظ أنوثتها بشراهة، ويعيدها إلى وقتٍ مضى قضته في سرير سمير، عندما كان حبّها له يبدع في خلق أروع اللّحظات وأسعدها.
غطّى الحنان والحبّ واللذّة الأجواء، وساد التأوّه الحارّ والعناق الطّويل، والتحم جسديهما في صورةٍ ولا أعذب، وبدأ الوقت يمضي حميميًّا.. إلاّ أنّه في لحظةٍ ما، توقّف.. كان كلّ شيءٍ يشير إلى انغماس الاثنين في الحبّ واللذّة، إلى أن تجمّدت المرأة فجأة، وكأنّها انتزعت روحها من المكان، ورمت بها إلى الخارج!.. أحسّ شريكها بالأمر، فسألها باستغراب:
*ما بك حبيبتي؟!..
- لا. لا شيء!..
لم يصدّقها، فقد شعر أنّ الجسد الملتصق بجسده بات سرابًا ومن دون روح. أراد أن يعيد الحياة إليه، فراح يزرع شفتيه فوقه، ويمرّر يديه في حناياه برقّة، محاولاً إنقاذه من السّكون المريع، لكنّه لم يفلح. عاد فسألها:
*هل ضايقتك بشيء؟.. ما الذي حدث؟.. كنّا في عالمٍ آخر رائع..
قاطعته قائلة:
- أرجوك!.. لا أدري ما الذي حدث!.. أرجوك!.. أريد المغادرة.
وقبل أن يلفظ أيّة كلمة، نهضت عن السّرير وراحت ترتدي ملابسها بسرعةٍ وارتباك، بينما نهض هو بتباطؤ يلفّه الغضب، وأشعل سيجارة، وبدأ يمجّ دخانها وهو ينظر إليها بتمرّد.. لاذ بالصّمت، ولم يقل كلمةً واحدة. أنهت ارتداء ملابسها، ودخلت الحمّام، لتخرج منه بعد وقتٍ قصير. وقفت أمامه، وقالت:
- أعتذر!..
لم يردّ، وبقي شاخصًا إلى عينيها، لكنّها لم تدعه يطل، لأنّها غادرت على الفور.
كانت ليلةً قاسيةً عليه!.. لم يستطع النّوم حتّى وقتٍ سبق طلوع الفجر بساعة. انغمس لساعاتٍ في الشّراب والتّدخين والتّفكير. كان تفكيره منحصرًا بباسمة. أدرك أنّ ما حدث في سريره إنّما هو جوابٌ صريحٌ ونهائيٌّ بأنّها لم تعد تحبّه. هو يعرف جيّدًا أنّ السّرير الذي يجمع امرأةً ورجلاً، هو عنوانٌ لعلاقةٍ عاطفيّةٍ ناجحة أو فاشلة، وأنّ اثنين يحبّان بعضهما بعضًا، يعبّران عن ذلك بحميميّة في السّرير، وباسمة التي نزعت روحها عن جسدها، إنّما عبّرت بوضوحٍ عن عدم القدرة على الاستمرار في حبّها له.
لم يقرّر ضابط الأمن شيئًا في تلك اللّيلة. أخذ الشّراب مأخذه منه إلى حدٍّ شلّ تفكيره، ورماه في سباتٍ عميقٍ بعد ساعاتٍ طويلةٍ من القلق.
الشابّة الجميلة كانت على عكسه حينما عادت إلى منزلها؛ فهي تعرف جيّدًا ما الذي جعلها تجهض تلك اللّحظات الحميميّة التي كانت تحوم فوقهما. لم يخطر ببالها عندما عانقته وارتمت بين أحضانه، وغاصت في عاطفتها ورغباتها، وارتشفت لحظات السّعادة معه، أنّ الرّجل الملتحي، سيغزو خيالها فجأةً، ويأمرها بأن تقدّم جسدها إلى سمير بلا روح ولا حياة!.. لم يكن الرّجل الملتحي وحده الغازي؛ بل كان برفقة آخر. رافقه فريد عطا، والاثنان منعاها بقوّةٍ من البقاء في سرير العميد. عادت إلى منزلها وهي تفكّر فيهما. استحمّت، وارتمت فوق سريرها، ولم يجعلاها أسيرة الأرق، لأنّها اتّخذت قرارها بسرعةٍ بشأنهما، وكان الصّباح بدايةً لتنفيذ هذا القرار.
           (يتبع)

 

  0
  0
 0
X
يرجى كتابة التعليق قبل الإرسال