05 أكتوبر . 4 دقائق قراءة . 587
كانت الساعة الثانية ليلا حينما استيقظت على ضحكات شباب وفتيات من الحي الذي اسكنه أثناء عودتهم من إحدى الحفلات ليلا
لم يزعجني ذلك، بل على العكس يشعرني ذلك بأن الحياة وصخب الشباب مازال في داخلي...
عندما فتحت نافذتي كان الطقس أشبه بالإستوائي وكأنني في بلد آخر ربما ماليزيا لا أعلم، ارتديت ملابسي وأخذت هاتفي ونزلت بدوري امشي قليلا في ذلك الجو الساحر
الشوارع فارغة،المحلات مغلقة وفقط قلة من الشباب والفتيات في طريق عودتهم إلى المنزل.
أمام إحدى الحانات يجلس سيد بشعر أبيض يرتدي نظارات شمسية وبدلة أنيقة وتفوح منه رائحة عطر فاخرة
مررت بجانبه تبادلنا الابتسامة، ثم سألني معك يورو؟
ضحكت وقلت له: متشرد أنيق؟
اخرجت أربعين سنتا
يكفي، سألته؟
ضحك هو الآخر وقال لي:
تفضل إذا.
انتابتني رهبة في الدخول إلى الحانة المغلقة
ادرك ذلك، وأخبرني أنه صاحب الحانة
فدخلنا سوية...
دخل حيث البار، توقعت أن يحضر لي مشروبا كحوليا، لكنه بدأ بغلي الماء وإعداد الشاي الأخضر
عرّفني على اسمه، وبدأ صوته يخرج من الأعماق وبدأت ذبذبات الجو وهالته تروي قصصا عنه
ثم دعاني حيث غرفته السرية كما يسميها...
في الغرفة كل مايخطر ببالك موجود
رزمات النقود، قطع سلاح، كتالوج صور نساء جميلات من كل العالم على صورهن أرقام مرتبة بدل الأسماء، مفاتيح سيارات مختلفة، تذاكر طيران وطاولة شطرنج ومكان مخصص فيه أنواع مختلفة من السيجار
مررنا بمهل على كل ذلك وشرح لي عن كل ما في الغرفة،وبعد عرضه الفاخر
سألني كيف تجد غرفة لذة الأفكار؟
احترت في إجابته بل حيرتني طريقة سؤاله
قال لي هنا كل شيء متاح
أدخلُ إلى الغرفة فتخلع نفسها أفكار من أوهام
كم من المضحك أن الكثير من البشر يحلمون فيها، يستيقظون صباحا لأجل بضع مافيها، يعملون فوق طاقتهم لأجل رزمة نقود منها
غريبة هي اللذة كيف تحرك الأفكار نحو الوهم...
ثم سكت قليلا ليسمع ردّي
اعط الغرفة لغيرك إذا أحببت
هكذا أجبته
ضحك بصوت مرتفع ليكمل
كلنا لدينا هذه الغرفة، لكن الكثير لا يحبونها، اغلقوها، اخفوها، فبات مافي داخلها يجذبهم، يسحرهم، يفقدهم صوابهم
حتى باتوا يلهثون وراء مافي داخلها ونسيو أنهم هم من اغلقوا بابها
بل حقيقة بدأو يلهثون نحو افكارهم عن ما بداخل الغرفة من شتى اللذات فخلقوا وهما
يناقض حقيقة الأشياء التي في الغرفة
أجبته بنبرة مستهترة ساخرة:
وحضرتك تذكرت ذلك؟
هؤلاء الفلاسفة لا يملكون غير الكلمات
تنقصهم بعض الأمور يشتكون
تأتي إليهم النعم يتفلسفون
ارتسمت على وجهه بسمة وأريحية
فبدأ يقص لي كيف أحب صنع هذه الغرفة
ليراقب فقط فكره وشرح لي الفكر وطريقة عمله وحركة الفكر وعلاقتها باللذة والزمن بأسلوب منطقي ممنهج
ثم قال
كل ما بداخل الغرفة لم أقم يوما بمسه، لم استخدمه
لا النقود ولا السلاح ولا المخدرات ولا حتى النساء الذي أخصص لهن راتبا شهريا كي يكن تحت تصرفي ولا تذاكر الطيران ولا السيارات
جلست عندما قال ذلك وقلت له: انتظر!
انت واحد من اثنان
إما مضطرب عقلي أو انك تجاوزت سراديب العقل!!!
حّرك بدوره الجندي خطوة على رقعة الشطرنج، وأردف:
ها بدأت تخطو الخطوة الأولى
أحسست حينها أنني فعلت شيئا مهما
لكن الصدق بداخلي أكمل بنبرة ممازحة
لو كانت الغرفة لي، لحركت كل اللذات التي فيها، وليس الجندي على رقعة الشطرنج!
قال:
الغرفة لك ربحت الشطرنج!
أجبته أن عليه أن لا يمزح في هذه الأمور وان اجابته ساذجة
ومن ثم أنا لا أريد غرفته أي أنني لست موافقا.
لم؟ يسأل
أجيبه:
لأنها ليست غرفتي
لأنني لا أملكها
ونفسي من الداخل لا تطلبها
يبستم بسمته تلك التي تحمل وهج الذكاء ثم يقول:
وأنا كذلك لا أملك الغرفة
من المالك إذا؟ أسأله بفضول
ما بداخل الغرفة ملك للحياة
لا أحد يملك سوى نفسه حتى نفسك لاتملكها
نحن الحياة التي لا تمتلك، ولا تحب أن تمتلك أحدا او شيئا
لكنها تحب!
فإن كان الحب كانت المملكة دون حاجة لعرش ولا تاج ولا ملك أو مملوك
و إن غاب الحب
غابت الحياة ولو تملّك الإنسان كل غرف العالم وقصورها...
ابتسمنا سوية
خرجنا، أغلقنا الغرفة
وخرجنا نحو الحديقة، أقصد الحياة
أقصد الواقع، دون ذلك الماتركس
بدت السماء بحلة زرقاء
ودعته
قال لي
استمع لتلك الموسيقى خلف تلك الأضواء...
عرفت قصدته
ابتسمت وعدت إلى منزلي
لأشرب المتة وأحضر إفطارا ملكيا مكون من بيضة مسلوقة قبل الذهاب إلى المحاضرة.