16 نوفمبر . 5 دقائق قراءة . 760
بلدان كثيرة عانت ويلات الحروب، على خلفيات سياسية أو طائفية أو اقتصادية .. أو جميعها .. ظهر منها للعلن ما ظهر واستتر ما استتر ..!! ولم يختلف الوضع في سوريا كثيراً، بل ربما كان أسوأ .. الأمر الذي اضطر عدداً كبيراً من السوريين لترك البلد .. منهم من خسر كل شيء .. حجراً وبشراً .. ومنهم من أفلس بنك الصبر والتحمل عنده .. وانسدت السبل أمامه .. فرأى في الغربة واللجوء ملاذاً ..وفي ذلهما عسلاً مقارنة بمرارة البقاء وقساوة ووحشية البعض في الداخل.
وبلدان الشتات كثيرة، لكنك ستجد اللاجئ السوري في معظمها غير محبوب .. وأنا هنا أتكلم عن وجهة نظر خاصة لست أطلب من أحد قبولها أو تبنيها .. قناعة تكونت لدي من خلال ما قرأت وسمعت وشاهدت .. وعلى لسان لاجئين سوريين في أحيان كثيرة. وأؤكد أني أشير إلى فئة بعينها، وليس إلى كل لاجئ.
عزيزي اللاجئ .. فكرة اللجوء بحد ذاتها .. وأسبابها .. لا أحد يناقشك فيها ولا أحد يطلب منك تبريراً لها .. تأكد من ذلك .. كل واحد منا عانى ما عانى .. ولكل ظروفه الخاصة .. والتي قد تكون دفعتك أنت للهجرة .. وهذا بالتأكيد ليس عيباً .. وربما لو أتيحت لي الظروف الجسدية والنفسية والمادية المناسبة .. لفعلت مثلك.
الفكرة ليست هنا .. إنما تكمن في البلد الذي قصدته وحياتك فيه … كيف تعيش فيه؟ بأية آلية وبأية عقلية؟!
دعني أسألك سؤالاً .. هل تستطيع العيش في سيبيريا بدون معطف ؟! .. أو هل تستطيع العيش في جزيرة في المحيط الهادي مثلا قرب خط الاستواء وأنت ترتدي ملابس الأسكيمو السميكة؟!
بالطبع لا .. لكل مقام مقال .. ولكل مكان في العالم ظروفه وقوانينه وبيئته التي تفرض أسلوب حياة معين. ولذلك ليس من الحكمة بمكان أن تعيش في بلد مثل هولندا فرضاً، بذات العقلية التي كنت تعيش بها في سوريا.
أنت الآن تعيش في مجتمع جديد، بعادات وتقاليد وأفكار ونظم قانونية وحياتية مختلفة، مجتمع عنصري ومتحفظ عندما يتعلق الأمر بتلك النظم، فعليك أولاً أن تتقبلها وتحترمها _ وليس أن تقبلها بالضرورة _ وأن تلتزم بما يتحتم عليك الالتزام به منها، ولا شأن للحريات هنا .. الحرية لا تعني أن تقتحم مجتمعاً غريباً لتحارب نظمه الاجتماعية والأخلاقية ومن ثم تحاول فرض أفكارك وقناعاتك الدينية والاجتماعية وسلوكياتك التي _ أحياناً _ قد لا تقل تطرفاً وشذوذاً عن تلك التي تأباها في المجتمع الجديد.
لكل مجتمع خصوصيته، وعليك أن تدرك ذلك جيداً قبل أن تقدم على خطوة اللجوء.
دون أن تنسى أنه نفس المجتمع الذي حاربت للوصول إليه هرباً من الموت في بلدك، و صارعت الموت أيضاً في طريقك للوصول إليه.
بالطبع النماذج التي تمثل ما أشرت إليه آنفاً، قليلة ولكنها لشديد الأسف مؤثرة، شذوذها يجعلها أكثر وضوحاً، يضعها في الصدارة، فتطفئ ألق النماذج الكثيرة الأخرى المشرفة والتي نقرأ عنها في وسائل التواصل الاجتماعي من حين لآخر. فالمجتمع الجديد عندئذ لا يفصل بين صالح وطالح، بين مرغوب ومنبوذ، ويعمم الرفض على الجميع.
ولم لا .. عندما استقبلك في بيتي وأقوم على راحتك وأطعمك من مؤونتي .. ثم أجدك تتدخل في شؤون المنزل وفي طريقة تربيتي لأطفالي وتعاملي مع زوجتي مثلاً … أو تتصرف تصرفات بدائية أبعد ما تكون عن شخص مثقف متحضر .. من البديهي حينها أن أبدأ بكرهك ونبذك تدريجياً، ثم سرعان ما سأضطر لطردك، وستصبح نموذجاً سيئاً ، أسقطه على كل من يمت لك بصلة.
لا تمارس ما كنت تدّعي رفضه في بلدك، واحترم القوانين التي لطالما اعترضت لغيابها عن بلدك، واحترم الحريات التي لطالما تشدقت بها بين أهلك وناسك، واحترم أهل بلدك أولاً وأخيراً بألا تصدر للعالم صورة رديئة عنهم.
ربما يكون هذا الكلام قد جاء متأخراً، بالنسبة لدولو بدأ أهلها بمغادرتها منذ سنوات، إنما هي كلمة كان لا بد أن تقال، فضفضة .. شوكة في الحلقة لا مفر من لفظها حتى لا تخنق.
12 فبراير . 7 دقائق قراءة