12 أبريل . 3 دقائق قراءة . 802
متحدثاً إلى نفسه: معظم الأوقات أرغب في تحضير قهوتي بنفسي، لأنني اعتبر أن القهوة تُصنع بعناية وحب كي تأخذ نكهتها التي نُفَضل، ولأن إعداد القهوة هو جزء من وقت تمتّعي باستراحتي، حيث استرخي وأحيا الحالة في طقس متناغمٍ، كمن يُصغي إلى مقطوعة موسيقية لكبار المؤلفين في أشهر دور الأوبرا.
فزمن ممارسة القهوة يُشبه عندي لحناً موسيقياً متعدد المقامات، يبدأ بالنهاوند وينتهي بالحجاز.
هذه الفترة أقضيها مع نفسي التي لا نلتقي كثيراً أثناء اليوم، هو وقت نتكلم معاً نستعيد استعراض أحداث اليوم وإعادة ترتيبها بشكل يريح كلينا او على الاقل يجعله مقبولاً بعد عناء.
مرحلة انتظار غليان الماء، فيها استدعي نفسي لنقف معاً في المطبخ على ضوء شمعة خافتة، ليس شاعرياً، بل بسبب انقطاع الكهرباء. وابدأ مرحلة تسريح شعرها ومداعبة خدها قبل أن أهمس بأذنها (كيف نهارك يا نفسي) لأنني أعلم إن لم أفعل هذا ستغلي قبل الركوة على النار وتفور بوجهي وتنزع مزاجي القهوجي.
وبعد أن تغلى الماء، أتقدم بسؤالي وهي هادئة، فتجيب ككل يوم :(قم بتلقيم القهوة فالماء يغلي، وبعدها نتكلم).
حينها أخفض حرارة النار وأزيح الركوة، وكأن بي أخفض ناري وأزيح خوفي، وأنا أشعر أنني احرزت انتصاري اليومي، الذي تتجدد فيه فرحتي كأنه أول مرة يحصل.
بملعقة مخصصة للقهوة، أضيف أول مقدار على الماء، فيبتلعها بشوق عاشق اضناه تعب الغربة، أسمع وقع أنفاس اللقاء، فتهدأ نفسي وتنفرج مسامها، وتتناهى رائحة البن المتحول قهوةً، فتتحول نفسي إلى روحٍ، تشبه جبلاً من الثلج تسطعهُ الشمس ليرتخي.
وأكمل مقدار البن اللازم، كاكتمال القمر في كانون الثاني.
ودون حاجة إلى تحريك أعيدها إلى النار الهادئة، ونقف جنباً إلى جنبٍ نُشاهد تَشَكُل الوحدة بين العناصر لإنتاج حِصَتي من القهوة المُعَدّة بعناية والمتروكة مغطاة لترقد. التي تشبه علاقتي مع نفسي التي بدأنا الحديث معاً قبل برهة.
في تلك الأثناء نتعاون سويةً، واحدنا يحضر الصينية والآخر يهيئ الفنجان الوحيد منتظراً الركوة الصغيرة لتؤنس وحدته وتملأ فراغه بالقهوة التي يعشق.
آخذها وأتجه نحو مكتبي، الذي ما زال ينتظر صدور روايتي. أتمتع بصوت انسكابها في فنجاني وطريقها إلى عروقي، ياه كدت أنسى أنني أتحدث إلى نفسي، فقالت تابع واستمتع لم يعد في وسعي أن اشكو لكَ همي، لقد عُدت واحدة معك وألفتُ تَوَحدي بكَ، فنحن كصنعِ القهوة في هواجسه منذ زرع الحبَّة وصولاً إلى نغمها لحظة السَكب وإيقاظها لحاسة الذوق.
وعلى هذا الوَقعِ كلَّ يوم أمارس علاجي لألم رأسي، اتَّحِدُ بذاتي، محتسياً قهوتي، واكتب نَصّي.
29 أبريل . 2 دقيقة قراءة
01 يناير . 1 دقيقة قراءة